صحة الفنانين وثقافة "النحتاية" !

صحة الفنانين وثقافة "النحتاية" !محمد رفعت

الرأى8-9-2024 | 15:11

بعض الفنانين يرفعون شعار « النحت » أولا وقبل كل شىء، وينسون فى غمرة الرغبة فى التواجد بأى شكل، أن لبدنهم عليهم حقًّا، وأن هذه المهنة المرهقة التى تحقق لأصحابها الشهرة وتدر عليهم الملايين تحتاج إلى إنسان من طبيعة خاصة، وتحتاج إلى شخص متوازن يمتلك قدرا كبيرا من الوعى والقدرة على السيطرة على النفس، حتى يستطيع أن يستمر فى التألق والنجومية، ولا يحرق نفسه بسهولة من خلال كثرة الظهور فى الأعمال الفنية، ولا يحرق صحته بالإسراف فى العمل والسهر.

ولدينا نماذج كثيرة لفنانين ونجوم كبار قدامى وجدد استطاعوا أن يحققوا هذه المعادلة الصعبة، ونأوا بأنفسهم عن الترف والإسراف، ولدينا نموذج لا يبارى فى الانضباط الفنى والإنسانى وهو الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب الذى عاش ما يقرب من قرن كامل، وحافظ على تواجده على قمة الموسيقى لعقود طويلة، ولا تزال موسيقاه وألحانه تعيش بيننا حتى الآن، وكان معروفا بالحرص على صحته إلى درجة الوسوسة.

ولدينا أيضًا الزعيم عادل إمام ، متعه الله بالصحة والعافية، والذى نجح فى الاستمرار على قمة النجاح والشهرة، والحفاظ على لقب النجم الأعلى أجراً لمدة تزيد على نصف قرن، قبل أن يعتزل العمل الفنى ويختار أن يعيش فى هدوء وسلام، بعيدًا عن الشائعات التى تطارده ليل نهار وأسوأها شائعات الرحيل والإصابة بالزهايمر، وظلت حياته موزعة بين قراءة السيناريوهات ومتابعة التليفزيون والمشاركة فى احتفالات قليلة للغاية، محافظاً على حياته العائلية والخاصة بعيداً عن عيون الفضوليين.

وكذلك نجم الغناء عمرو دياب ، وهو نموذج للمطرب الرياضى الملتزم المنضبط والنتيجة تربعه على عرش الغناء لما يقرب من 40 سنة، والفنانة نادية الجندى التى لا تزال تستيقظ من النوم الساعة السادسة صباحا ولها برنامج رياضى وغذائى تحافظ عليه رغم قسوته.

والقائمة طويلة وتشمل فنانين وفنانات مثل ميرفت أمين ويسرا وهانى شاكر ومحمد ثروت وعلى الحجار، وكلهم يبدون فى سن الشباب رغم أن معظمهم تجاوزوا الستين وربما السبعين، فى الوقت الذى يستهلك فيه نجوم آخرون وقتهم وصحتهم وطاقاتهم الفنية فى الانتقال من بلاتوه سينما إلى ستوديو تليفزيونى إلى خشبة مسرح إلى "نحتاية" صغيرة فى فضائية من الفضائيات.

وهم بذلك لا يسيئون فقط إلى تاريخهم ورصيدهم لدى جماهيرهم، لكنهم ينتهجون سياسة حرق المراحل، ويعرّضون أنفسهم لأزمات صحية ونفسية بسبب المبالغة فى العمل، تؤدى إلى تقصير أعمارهم الفنية، والتعجيل بانزوائهم وتراجعهم عن دائرة الشهرة والنجومية.

فالعبقرية، كما يقول إديسون، «2% موهبة و98% جهد»، والفنان الحقيقى هو الذى يستطيع أن يوازن بين شهوة المال والأضواء وبين حقه كإنسان فى أن يستمتع بحياته، بعيدا عن الرغبة الجامحة فى التواجد المستمر وملاحقة المشاهدين فى كل مكان وزمان.. الفنان الحقيقى هو الذى يعرف متى يظهر ومتى يتوقف؟

أضف تعليق