ابن البناء أستاذا لابن خلدون

ابن البناء أستاذا لابن خلدونحسين خيري

الرأى15-9-2024 | 14:34

أقر "جوستاف لوبون" الطبيب والمؤرخ الفرنسي بأن العرب اتسموا بأخلاق الفروسية واحترامهم للمرأة، وسجل ذلك فى كتابه "حضارة العرب" ويعرج فى كتابه الثاني "روح السياسة" إلى الاعتراف بأن الحضارة الغربية لم تجن سوى التعاسة إلى الشرق، وفى الصين يصرح عالم كبير اسمه "لي قوان فبين" بأن الحضارة الإسلامية قادرة على تخطي أزماتها، وأنها ذات حضارة إنسانية، وجاء بيانه بعد تعمق ودراسة للحضارة الإسلامية.

واقتران الحضارة الإسلامية بصفة أنها حضارة إنسانية يعد دليلا على فروسيتها وأخلاقها النبيلة، هذا وفقا لما أقره الطبيب الفرنسي لوبون فى كتابه، و الفروسية عند المسلمين الأوائل لم تكن حكرا على كل فارس أحسن ركوب الخيل ، و الفروسية فضيلة توارثها العرب رجالا ونساء، وصارت عرفا يحتذون به، والمرأة فى العصور الأولى للإسلام ارتدت رداء الفروسية، وأثنى المؤرخون على سيرتها، التي اتصفت بالمروءة والنبل والشجاعة والكرم، وتتحدث الروايات أن أم سعد بن معاذ وقفت على سطح منزلها تستعجل ابنها للحاق بغزوة الأحزاب، وتحثه بندائها: لقد تأخرت يا سعد، لا تخاف عليه الموت فى سبيل الله.

واستقى أشراف المسلمون من أخلاق الفروسية عبقرية البحث فى علوم الكون، وكانت جسرا لهم للعبور إلى الريادة فى شتى مجالات المعارف، ووصل رحيق فروسية الإسلام إلى أقصى الغرب، وأعلنت مدينة مراكش المغربية عن ولادة العالم ابن البناء المراكشي، واحتفى أمراء بلاد المغرب بابن البناء، وحظيت مجالسهم بحلقات دروسه عن الحساب والهندسة والجبر والفلك، وتخصص عن غيره من علماء الرياضة بالبحوث عن الكسور الحسابية.

والعالم أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المعروف بابن البناء تحلى بأخلاق الفروسية من نبل وكرم وشغف بالتعلم، وجاءت نتاج دراسته فى البداية لعلوم الفقه والحديث والبلاغة والتصوف، وتضم المكتبة الإسلامية مؤلفه النفيس بعنوان "الدليل من مرسوم خط التنزيل" أحد إفرازات دراسته الأولى عن علوم الدين، وسعى فى كتابه هذا إلى التدبر فى معاني القرآن الكريم وتفسيرها.

وتسجل دائرة المعارف الإسلامية تفوق ابن البناء على سابقيه من علماء الرياضة العرب، ويقال إنه ألف أكثر من سبعين كتابا فى الحساب والهندسة والفلك، ونجت مجموعة قليلة من مؤلفاته من الإهمال، وتم الحفاظ عليها وأشهرها كتاب "تلخيص أعمال الحساب"، وأقبل على دراسته علماء الغرب فى القرنين التاسع والعشرين، وتمت ترجمته إلى الفرنسية فى عام 1864، وقال عنه المؤرخ والصيدلي الأمريكي "جورج سارتون" إنه من أفضل كتاب علم الحساب، وأشاد به العلامة عبد الرحمن بن خلدون، ويقر ابن خلدون بأنه مدين بالشيء الكثير لهذا العالم العظيم.

أضف تعليق