خبرته بعلوم البرمجة وتكنولوجيا الاتصالات أتاحت له أن يتوصل إلي تطبيقات إلكترونية تسمح له بالنفاذ إلي جهاز " الموبايل " الخاص بابن اخته الصبي ليتاح له الاطلاع علي نشاط الأخير علي الجهاز بداية من المواقع التي "يدخل" عليها إلي حجم شحن بطارية الجهاز، التطبيق الذي يستخدمه أجنبي وترجمة عنوانه: "رقابة العائلة"، وهذا الصديق الذي يمارس الرقابة متطوعا أو بطلب من عائل الصبي، كان يتحدث إلىّ ونبرة القلق تغلب علي صوته، تترجم قلقًاحقيقيًا يستشعره، ليس فقط علي ابن اخته لكن علي "مستقبل أولادنا جميعا" الذي يراه محفوفا بالمخاطر اللا أخلاقية التي تسكن وسائل الإعلام الرقمية وأولها جهاز المحمول الذي يحمله الآن الأطفال حتي قبل أن يبلغوا سن الفطام.
أنهي الصديق كلامه بدعاء إلي الله ورجاء أن يلطف بالأجيال القادمة ويسترها في القادم من الأيام، وانتهت مكالمته وغادر بعد أن صدّر لي قلقًا وشيئًا من "البرجلة" وأسئلة حائرة أولها: هل سلوك هذا الشخص صواب أم خطأ؟! هل ما يفعله رقابة واجبة ومطلوبة أم نوع من التجسس والتلصص علي الخصوصية؟! وإلي متي سوف يستمر في مراقبة الصبي؟! أقصد إلي كم من العمر بالغه الأخ ير؟! وإذا أحكم الرقابة علي "موبايل" ابن أخته هل يضمن عدم لجوء الأخير إلي "موبايلات" رفاقه وأصدقائه؟! وإذا ضبطه وقد وقع في المحظور بالولوج إلي المواقع الإباحية أو ما شابه ذلك ماذا سيكون رد فعله؟! أسئلة صعبة وأصعب منها إجاباتها لأنها ليست إجابات قطعية أو محددة، وربما يختلف حولها المجتمع الآن، ويري البعض في سلوك صديقنا نوعًا من "التخلف" وأن لا أحد يستطيع أن يمنع أحدًا، مهما فرض عليه من رقابة، من الوصول إلي ما يريد عبر وسائل الاتصال الرقمية ، المتاحة في أيدي الجميع، وفي كل الأماكن.. هذه واحدة أما الثانية فأنا شخصيًا لم أتجسس يومًا علي أحد من أفراد أسرتي، بل كنت ومازالت أخجل أن افتح درج مكتب من مكاتب أولادي، وهي مفتوحة، وليس هناك في البيت درج ولا دولاب مغلق بمفتاح.
ما هو الحل إذًا؟! هل يكون الحل في التربية؟! وهل آباء وأمهات الألفية الثالثة يملكون الموهبة والقدرة علي التربية السليمة ومجابهة تحديات العصر وأخطرها وسائل الاتصال الرقمية ؟! وهل المدرسة والمسجد والكنيسة والنادي ومركز الشباب إن وجد تقوم بأدوارها في "التربية" ولاحظ أنني أتحدث هنا عن المجتمعات غير العشوائية أو الفقيرة، تلك التي تحكمها قوانين أخري خاصة بها، تعتمد حكمة: "البيت اللي مفيهوش صايع حقه ضايع" لكن لاحظ أنه في هذه المجتمعات أيضا " الموبايل في أيدي الجميع والسايبر في الحارة".. وأخيرا أتصور أن أسئلة هذا المقال تحمل من الهموم التي نتشارك فيها جميعا والتي تستحق أيضًا الاهتمام منا، والسعي إلي إيجاد إجابات شافية وعملية لها.