"أكتوبر".. محطة فارقة !

الرأى23-9-2024 | 15:25

كما كانت حرب أكتوبر 1973 «محطة» فارقة فى تاريخ الصراع العربى - الإسرائيلى، كانت أيضًا مجلة أكتوبر محطة فارقة فى تاريخ الصحافة المصرية الحديثة.

فقد جاءت بشكل ومحتوى مختلف، وحظيت بدعم رئاسى وشعبى، وتميزت بمدرسة صحفية جديدة تجمع ما بين الرصانة فى التناول والشياكة فى التعبير، واعتمدت على الانفراد بالأخبار الموثقة والتحليلات العميقة المتنوعة.

أسسها أستاذنا أنيس منصور فى نهاية أكتوبر 1976 مجلة أسبوعية، ولكنها كانت تنفرد بالعديد من الأخبار السياسية والاقتصادية التى ينتظرها القراء والمسئولون فى مصر والعالم العربى، بل والخارجى، لأنها كانت تمثل «أجندة» التفاعلات السياسية فى المنطقة وهو ما منح بابها الإخبارى «اتجاه الريح» شهرة واسعة.. حاول الكثيرون تقليده دون جدوى!

فقد كان أستاذنا المؤسس يستدعى أحدنا ليسجل خلفه الأخبار التى يحصل عليها من اتصالاته المحلية والدولية قبل الطبع مباشرة.

وإلى جانب التميز الخبرى، حظيت المجلة بكوكبة من كبار الكتاب والمفكرين منهم الأساتذة : إحسان عبد القدوس ود. حسين مؤنس، ومحمد عبد المنعم مراد، ود. فرج فودة وآخرون.

وكانت الأعداد المتوالية تنفرد بتصريحات خاصة للرئيس السادات، وعرض مذكرات القادة والسياسيين السابقين، وفصول الحوارات الفلسفية والأدبية الشهيرة تحت عنوان فى «صالون العقاد.. كانت لنا أيام».

لقد جمع أستاذنا فى بداية الإصدار «كتيبة» متنوعة من الصحفيين من صحف ومجلات أخرى، ونجح بعضهم فى التفوق وتثبيت أقدامه بالمجلة، بينما خرج البعض ولم يعد، بعد اكتشافه صعوبة المهمة!

وقد حاول أنيس منصور «تجديد الدماء» فى المجلة بجذب «جيل» مؤهل ومتحمس من الشباب ومنحهم الفرصة كاملة لإظهار مواهبهم وإمكانياتهم المهنية، وهو ما ساهم فى حصول المجلة على المرتبة الأولى بين المجلات العربية فى فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى.

وكنت من هذا الجيل الصاعد والمتحمس، وبدأت العمل محررًا قضائيا أتابع النيابات والمحاكم ونجحت فى الانفراد بالعديد من الأخبار وأسرار التحقيقات والمحاكمات، وهو ما عرضنى للغيرة والحسد والكعبلة من «عواجيز الفرح»!

ولكن «الأستاذ» خصنى بالتعامل معه مباشرة، مما ساهم فى انطلاقى وتميزى المهنى إلى جانب دراستى الإضافية للقانون بكلية الحقوق، كما شجعنى للحصول على «دورات» متخصصة فى اللغات الأجنبية وأخرى مهنية فى المجلس الأعلى للصحافة حيث كنت أحصل دائمًا على الترتيب الأول، ومن الذكريات التى لا تنسى مع الأستاذ أن اصطحبنا فى العيد الخامس للمجلة لزيارة (ميت أبو الكوم) وحضور لقاء خاص مع الرئيس السادات، والذى امتد لأكثر من 6 ساعات.

ولكن بعد حصولى على ليسانس الحقوق بتفوق، فاجأنى المرحوم صلاح منتصر رئيس التحرير الجديد بتكليفى بالعمل محررا اقتصاديا، وأسقط فى يدى فقد نجحت فى إقامة علاقات قوية مع قيادات القطاع القضائى، وخاصة وزير العدل (ممدوح عطية) ورئيس محكمة النقض (د. مصطفى كيرة) والنائب العام (صلاح رشيد) ورئيس نادى القضاة (وجدى عبد الصمد)، والمدعى الاشتراكى (عبد القادر أحمد على) وصداقات عميقة مع القضاة وأعضاء النيابة.

وأمام استفزاز رئيس التحرير بوصفى (أهلا بالمحرر الاقتصادى الفاشل)، وكان ردى: ما هو دليل الفشل؟.. فأجاب: أنك لم تعمل فى المجال الاقتصادى حتى الآن، ويبدو أنك خائف من الفشل!

وما هو إلا أسبوع وانطلق القطار من المحطة، وتراكمت الأخبار والتقارير الاقتصادية على مكتبه، ثم انتقلت إلى الحوارات والتحقيقات المتخصصة.. وتصادف أن أصيب المجتمع وقتها بأزمة «توظيف الأموال»، حيث نجح بعض الهواة فى جمع مليارات الجنيهات من المواطنين بحجة توظيفها ومنحهم أرباحا حلالا!، فكانت الفرصة و«الخبطة الصحفية» التى نقلتنى إلى أول طابور المحررين الاقتصاديين، حيث تمكنت من الحصول على جميع أسماء الشركات وأعضاء مجالس إدارتها وحجم الأموال التى جمعتها ومجالات توظيف هذه الأموال – إن وجدت – إلى آخره.
وقامت الدنيا ولم تقعد، كيف لمحرر جديد بمجلة أسبوعية أن ينفرد بمثل هذه المعلومات التى تمثل «أمن قومى»؟، وللتاريخ فقد حمانى المرحوم «صلاح منتصر» من المساءلة، وطلب منى الاختفاء عدة أيام حتى تهدأ الأمور، واستدعانى المرحوم «د. محمد فج النور» وكان رئيس هيئة سوق المال وحاول أن يعلم من أين حصلت على هذه المعلومات التى نشرت على سبع صفحات بالمجلة، ولكنى تمسكت بالصمت ولم يضغط علىَّ حيث كان يعتبرنى أحد أصدقائه المقربين.

وكانت هذه «الخبطة» دافعًا فى أن أتعاون مع زملائى فى تأسيس شُعبة المحررين الاقتصاديين بالنقابة، ثم الترشيح والحصول على ثقة زملائى كعضو بمجلس النقابة، وهو ما لم يتكرر بعد ذلك!

وبعدها.. أسسنا أنا وزميلى عبد الفتاح الجبالى، وبرئاسة أستاذ أحمد أبو شادى المدير السابق بصندوق النقد الدولى (مركز القاهرة للمعلومات الاقتصادية)، حيث تعاونا مع بعض المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولى والصندوق، وكذلك المؤسسات الإقليمية مثل اتحاد الصحفيين العرب، فى تدريب الصحفيين المصريين والعرب على تطورات أسواق المال وأدوار البنوك فى الاقتصادات القومية.

وقد لعبت دورا ناعما وقتها فى العلاقة مع صندوق النقد الدولى ومصر، حيث كنت على علاقة طيبة بجميع أعضاء البعثة التى كانت يرأسها الصديق د. محمد العريان.

وكانت النقلة الكبرى وختام العمل العام فى انتخابى من قبل زملائى بالمجلس الأعلى للصحافة أمينا عاما، وقيام رئيس المجلس وقتها بتفويضى بإدارته، بالتعاون مع زملائى أعضاء مكتب المجلس، حيث تمكنا وقتها فى تحويله إلى ما يشبه خلية النحل (دراسة الأوضاع المالية للمؤسسات الصحفية، وتقديم اقتراحات للتطوير، وزيادة الموارد، بالتعاون مع مكتب د. عبد العزيز حجازى.

لقد مرت الأيام.. وما زالت مجلتنا «الفتية» تحظى بالقبول والمصداقية والاحترام، على الرغم من طول السنوات وتغير الشخصيات والظروف والأحداث.
نعم.. ستظل أكتوبر المجلة والحدث لحظة فارقة فى التاريخ المصرى الحديث.

أضف تعليق

حظر الأونروا .. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2