"أكتوبر" المولود الجديد الذي ولد عملاقاً !

"أكتوبر" المولود الجديد الذي ولد عملاقاً !محمد المصري

الرأى23-9-2024 | 15:57

بعد أن أصدر الرئيس السادات قراره في بداية عام 1976 أن يكون أستاذنا أنيس منصور رئيسًا لمجلس إدار ة دار المعارف وأن تصدر مجلة أكتوبر من هذه الدار العملاقة.. لتكون صوتًا جديدًا لمصر.

ويتم من خلالها مخاطبة القارئ العربي بعد نصر أكتوبر 1973 .. اختلطت عندي المشاعر ما بين الفرح والحزن أن يترك أستاذنا رئاسة تحرير مجلة "آخر ساعة" إلي مهمة جديدة في مسيرته الصحفية.. فأنا لم أكن أتخيل في يوم من الأيام أن يكون لي رئيس تحرير غير الأستاذ أنيس صاحب المدرسة الصحفية التي تقوم علي العلم والدراسة والثقافة واحترام القارئ والبحث وراء الخبر، وأن تقدم له كل جديــد.

ولكن تبدد هذا الشعور بالأسي العميق إلي فرحة غامرة عندما بدأ في اختيار كتيبة أكتوبر من كبار الصحفيين في المؤسسات الصحفية ومـــن شــــبابها.. والذيـــن ســيقع علـــي عاتقهــــــم جميعاً إصدار أحدث المجلات العربية.

وكنت أحد أفرادها الذين كانوا يواصلون الليل بالنهار في إعداد الأعداد التجريبية للمجلة.

ويقود مطبخها الصحفي مدير التحرير الأستاذ جميل عارف أحد مؤسسي مجلة أكتوبر العظام وصاحب أكبر الخبطات الصحفية في مصر.. وخرج المولود الجديد في مثل هذه الأيام منذ 48 سنة عملاقًا.. ووجد القارئ في أعدادها أسبوعًا وراء أسبوع كل جديد من أخبار وتحقيقات وحملات صحفية.. كان يشيد بها الجميع، وإخراج فني متميز.. بالإضافة إلي أحاديث الرئيس أنور السادات التي كانت أكتوبر تنفرد بها.

ويلقي فيها الضوء علي الأحداث العربية والعالمية والأوضاع الداخلية.. وكانت وكالات الأنباء والصحف في العالم كله تنقل هذه الأحاديث والتصريحات من مجلة أكتوبر صباح كل سبت.. خاصة بعد أن أعلن الرئيس السادات في مجلس الشعب أنه علي استعداد أن يذهب إلي الكنيست الإسرائيلي بالقدس ويناقشهم وقد كان.. وبعد ذلك بدأت مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.

وقد دعت هذه الأحداث المتلاحقة أن يقوم الأستاذ أنيس بتدعيم قسم الشئون الإسرائيلية بالمجلة بالزملاء المتخصصين في اللغة العبرية برئاسة د. رفعت فودة ومعه حسين سراج ووفاء طه ناجي وأسماء سيف وميرفت الحصري حتي يقوم هذا الفريق المتميز بنقل كل ما يحدث في إسرائيل من خلال صحفهم، ومراكز أبحاثهم، وعرض كتبهم ومذكرات قادتهم التي يعلنون فيها أسباب هزيمتهم في حرب أكتوبر 1973.. وقد نجح هذا الفريق في أداء دوره بصورة منقطعة النظير .

وحرص الأستاذ أنيس ابتداءً من العدد الأول علي فتح صفحات أكتوبر لكبار الكتاب والمؤلفين والصحفيين من كل الاتجاهات السياسية والحزبية والمدارس الأدبية المختلفة.. لا فرق بين مؤيد أو معارض.. فلأول مرة يمكن للقارئ أن يجد في العدد الواحد قصة جديدة لنجيب محفوظ.. أو مقالات للأديب توفيق الحكيم أو كامل زهيري أو جلال كشك أو الكاتب الساخر فايز حلاوة أو دراسة أدبية للدكتور حسين مؤنس أو عرضا لأحدث الكتب الأجنبية في شتي المجالات وبكل اللغات.. أو يتتبع مذكرات مدام سوزي مع عميد الأدب العربي د. طه حسين منذ أول لقاء بينهما في باريس وانتهاء بعودتهما إلي مصر وقد اختصت أكتوبر بهذه المذكرات وكانت تنشر تحت عنوان "معك".

أما أستاذنا إحسان عبد القدوس فقد بدأ يكتب في أكتوبر ابتداءً من العدد الأول بعد إصرار من الأستاذ أنيس منصور وتشجيع من نجيب محفوظ تحت عنوان "علي مقهي في الشارع السياسي" وكان الأستاذ أنيس يفخر دائما أمامنا أنه لم يحذف أي كلمة للأستاذ إحسان رغم أنه كان قاسيًا وعنيفًا في بعض الأحيان علي النظام السياسي في ذلك الوقت وعلي الوزراء وعلي حزب مصر ثم علي الحزب الوطني الذي رأسه الرئيس السادات بنفسه وهرول له أعضاء مجلس الشعب في ذلك الوقت دون أن يقرأوا حتي برنامج الحزب! .. وأن نائب الرئيس "حسني مبارك" اشتكي له من قسوة كتابات إحسان وقال له إنه لا تعجبه كتاباته.

وأذكر أنه في بداية عام 1977 أن الأستاذ أنيس رشحني لأكون مندوبًا للمجلة في مجلس الشعب.. وأمدها بالأخبار والتحقيقات الصحفية البرلمانية لكل ما يدور تحت القبة.. والعمل مع الكاتب الكبير زهير الشايب - رحمه الله - صاحب ترجمة كتاب "وصف مصر" الذي وضعه العلماء الفرنسيون.. وتضمن جغرافيا مصر وأحوالها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أثناء الحملة الفرنسية واحترقت إحدي نسخه الأصلية في حريق المجمع العلمي أثناء ثورة 25 يناير.. ورغم أنه قد مضي علي هذا الترشيح أكثر من أربعين سنة قضيتها تحت قبة البرلمان وكنت شاهدًا علي أحداث جسام غيرت وجه مصر والعالم كله إلا إنني لا يمكن أن أنسي ما قاله لي في ذلك الوقت بالحرف الواحد:

"إن مصر كلها تحت عينيك وبين أصابعك.. وأنك سوف تذهب إلي كنز صحفي لا يتاح للكثيرين من المحررين.. فحاول أن تمدنا بكل ما في المجلس من أخبار وتحقيقات وتقارير برلمانية ومقالات".

وأكد لي أنه غير متعجل في أن أبدأ العمل في البرلمان، ولكن أدرس وأتابع أولا وأكون شبكة علاقات مع الأعضاء.. وأتابع اللجان بكل دأب ونشاط، فهي المطبخ الرئيسي لأي برلمان في العالم.. ثم أبدأ الكتابة.

وقد نفذت ما قاله لي أستاذنا بالحرف الواحد.. فالمحرر البرلماني يعتبر من أكثر المحررين حظاً في العمل الصحفي، فهو في قلب الأحداث وشاهد عليها وقريب من صناعة القرار.. وكنت أحد هؤلاء المحظوظين .!

وأذكر أن أول تحقيق صحفي نشرته من لجنة الاقتراحات والشكاوي كان بعنوان: ما الذي يفعله مجلس الشعب في شكاوي الشعب؟.. ثم انفردت بحديث مع المهندس سيد مرعي رئيس مجلس الشعب الأسبق الذي استطاع بفضل حنكته السياسية وخبرته البرلمانية أن يكون حكمًا محايدًا بين الأغلبية والمعارضة تحت قبة البرلمان بعد أن دخلت مصر مرحلة سياسية جديدة والأخذ بنظام التعددية الحزبية.. وبدأت المعارضة تمارس دورها في محاسبة الحكومة والوزراء تحت القبة بكل قوة وشراسة في بعض الأحيان.

وقد نشرت هذا الحديث علي مدي أسبوعين وتناقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط وبثته لكل دول العالم

لقد استطاعت مجلة أكتوبر في ذلك الوقت أن تضع حجرًا صلبًا في أساس صاحبة الجلالة المصرية والعربية كما ذكر الدكتور محمود علم الدين "الأستاذ بكلية الإعلام عن مجلة أكتوبر رحمه الله" في رسالة الماجستير التي أعدها، وأكدت ذلك الزميلة د. سميحة إدريس في رسالة الدكتوراه التي أعدتها أيضًا عن مجلة أكتوبر .

أضف تعليق