اليوم 6 أكتوبر.. الساعة الآن 2.5 ظهرًا، اغمض عينك وارجع بالزمان 51 عامًا واسمع بقلبك قبل أذنك أزيز الطائرات التى شكلت الطلعة الجوية الأولى متجهة إلى الضفة الشرقية من القناة لتعلن بدء انتفاض الأسد المصرى من تحت ركام النكسة من أجل الثأر والتطهير.
فى مثل ذلك اليوم المقدس وقبل 51 عاما كانت حرب أكتوبر المجيدة أعظم الانتصارات فى تاريخ الجيش المصرى للحديث وأقدس وأنبل المعارك فى تاريخ العسكرية المصرية.
تهل علينا هذه الذكرى العطرة المنغمسة فى تجليات البطولة والفداء والمنسوجة بخيوط من ذهب الشهادة المطلى بالدماء المصرية المسلمة والمسيحية على تراب أرض الفيروز المقدسة..
تهل علينا لتحيى فى وجداننا جميعا نحن المصريين كل أسباب الفخر والتفاخر وكل مقومات ومبررات التباهى.. بنموذج نادرًا ما تراه فى حياة الأمم الشعوب وهو نموذج التلاحم فى مثل الظروف التى كانت بها مصر بعد نكسة 67 وحتى أكتوبر وما بعدها.
لقد كان نموذج التلاحم بين القيادة السياسية والجيش والشعب ثلاثى النصر المقدس فى هذه الفترة العصيبة من عمر الوطن نموذجًا يجعلنا فعلاً نشعر بالفخر، ولما لا وقد ضربنا للعالم كله مثالا مبهرًا وفريدًا فى هذا النوع من التلاحم والتواصل والدعم والمساندة، مثالاً لم يكن موجودًا وأظنه لن يكون موجودًا سوى بالنسخة المصرية فقط.
لقد صبر وتحمل وتقبل الشعب مرارة الهزيمة المزعومة فى 67 ولم يتخلى عن الجيش ولا عن القيادة وقرر أن يبتلع تلك المرارة فى حلقه ويعلنها صريحة مدوية "هنحارب".. وهى كلمة اختصرت كل تفاصيل المعدن المصرى الأصيل.
قرر الشعب أن يقف خلف الجيش ويدعمه ويدعم القيادة السياسية فى كل قراراتها وتحركاتها فبدأت حملات التبرع للمجهود الحربى ودعم إعادة بناء الجيش وتسليحه ورأينا جميعا كيف بادر كل مصرى بتقديم ما يملك وإن كان قليلا ليدعم جيش بلاده.
هذه الروح المصرية الفريدة جعلت الجيش يستعيد بنيانه المعنوى قبل العسكرى ويدخل معركته التاريخية وخلفه سند قوى صلب متلاحم متماسك، وتحركت القيادة السياسية من هذا المنطلق وهى تمتلك يقين كامل بأن الشعب ورائها يدعمها فى كل ما تقوم به.
ومع هذا التلاحم بين الجيش والقيادة والشعب كان انتصار أكتوبر العظيم مدويًا مزلزل مدمرًا لغطرسة وغرور لم يسبق لهم مثيل.
فقد كان العدو الإسرائيلى وقتها منتشيا بنصر زائف يتملكه غرور بقوة زائفة وتدعمه قوى كبرى بكل ما تملك، ولكن كان دعم الشعب للجيش والقيادة السياسية هو الصخرة التى تحطمت عليها هذه الأسطورة "الإسرامريكية" وحفظت السجلات والأكاديميات والنظريات العسكرية اسم المقاتل المصرى كأحد أهم وأعظم المقاتلين.
ومع الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر نستلهم معها هذه الروح العظيمة "روح أكتوبر"، ونجدد ونعلن أن هذا الثلاثى المقدس موجود ومستمر والشعب يقف بكامل إرادته وكل يقينه وعزيمته خلف جيشه الوطنى صاحب العقيدة الراسخة وخلف قيادته السياسية الرشيدة والحكيمة، داعمًا ومؤيدًا لكل تحركاتها وقراراتها للحفاظ على أمن الوطن وسلامة أراضيه فى ظل الظروف الدقيقة شديدة التعقيد والتوتر والتى تمر بها المنطقة.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله الوطن