رغم ارتفاع أسهمها للفوز ب الرئاسة الفرنسية فى الانتخابات القادمة، حسب استطلاعات الرأى الأخيرة، وجدت زعيمة حزب «التجمع الوطنى» اليمينى المتطرف فى فرنسا، مارين لوبان، نفسها فى دائرة الخطر بعد المحاكمة التى بدأت خلال الأيام الماضية، وقد تقلب مستقبلها السياسى رأسا على عقب.
تواجه لوبان وحزبها التجمع الوطنى و26 شخصا آخرين، بينهم مشرعون سابقون وحاليون فى البرلمان الفرنسى والبرلمان الأوروبى، اتهامات باختلاس أموال البرلمان الأوروبى، وذلك وفقا لما ذكرته مجلة «بوليتيكو» الأمريكية.
الاتهام الرئيسى يتركز حول تلقى حزب لوبان أموالا من البرلمان الأوروبى لصالح مساعدين برلمانيين كانوا فى الواقع يعملون لصالح حزب التجمع.
وتعود الوقائع إلى الفترة بين عامى 2004 و2016 من خلال خطة أطلق عليها المدّعون «نظامًا» لمنح عقود المساعدين البرلمانيين للأفراد الذين عملوا فى الغالب على شئون الحزب وليس الاتحاد الأوروبى وهو ما يمثل انتهاكا لقواعد التكتل.
وتشير الأدلة التى جُمعت خلال التحقيقات إلى أن لوبان كانت توجه أعضاء البرلمان الأوروبى بتوظيف عدد قليل من المساعدين البرلمانيين رسميا، بينما يستخدم باقى الميزانية؛ لتغطية نفقات التجمع الوطنى.
وحسب التحقيقات، يعكس ذلك الرغبة فى استغلال أموال المؤسسات الأوروبية لتمويل نشاطات الحزب فى فرنسا، وهو ما يشكل انتهاكا صارخا للقوانين الأوروبية والمحلية المتعلقة بالمال العام.
فى المقابل، يزعم التجمع الوطنى أن هذه الاتهامات تنبع من الاختلافات الثقافية بين باريس وبروكسل فيما يتعلق بفكرة الموظف فى حزب سياسى، حيث رفضت لوبان جميع الاتهامات وقالت: إن جزءا منها «مؤامرة سياسية» دبرها خصومها؛ لوقف صعودها السياسى.
كما اتهمت لوبان مكتب المدعى العام بالتصرف بما يتماشى مع «فلسفة» أعدائها السياسيين مما يشير إلى أن المحاكمة كانت مدبرة لتقويض طريقها إلى الإليزيه.
وحسب زعيمة حزب التجمع الوطنى، لا يوجد تمييز واضح بين الأنشطة التى يقوم بها المساعدون البرلمانيون فى بروكسل وتلك الخاصة بالحزب فى فرنسا، مؤكدة أنه لم يحدث أى انتهاك للقواعد الأوروبية. ووصف الحزب التهم والتحقيقات بأنها من أشكال الاضطهاد والإساءة السياسية لنظام العدالة.
وفى الوقت الذى تواجه لوبان عقوبة قصوى بالسجن لمدة 10 سنوات وغرامة تصل إلى مليون يورو. لفتت وكالة «أسوشيتد برس» إلى أن الفريق القانونى للبرلمان الأوروبى يسعى للحصول على مبلغ 2.7 مليون يورو كتعويض عن الأضرار المالية والسمعة، ويتوافق هذا الرقم مع 3.7 مليون يورو يُزعم أنها اختلست من خلال المخطط، مطروحا منه مبلغ مليون يورو تم سدادها بالفعل.
حزب التجمع الوطنى ليس أول حزب فرنسى يواجه اتهامات بإساءة استخدام أموال البرلمان الأوروبى، ففى وقت سابق من العام الجارى، جرى تغريم الحركة الديمقراطية الوسطية، وهى جزء من الائتلاف الداعم للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، 300 ألف يورو بسبب مزاعم مماثلة.
وفى الوقت الذى تبدو فيه عقوبة السجن غير مرجحة، فإن زعيمة أقصى اليمين تواجه حظرا محتملا عن الترشح لأى منصب عام لمدة 5 سنوات وهو ما يعنى حرمانها من الترشح للانتخابات الرئاسية 2027، حيث يعتبر العنصر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للوبان هو إمكانية تعليق حقوقها المدنية لمدة خمس سنوات، وهو ما سيجعلها غير مؤهلة، ويعتبر ضربة موجعة لتطلعاتها السياسية، خاصة فى ظل الانتخابات الرئاسية 2027، إذ تظهرها استطلاعات الرأى كواحدة من أقوى المرشحين لها.
وتخطط لوبان بالفعل للترشح للرئاسة مرة أخرى وإذا أجريت الانتخابات الرئاسية اليوم فقد تحصل على ما يصل إلى 40% من الأصوات فى الجولة الأولى وذلك وفقا لما كشفه استطلاع رأى حديث، وفى السباق الرئاسى الأخير حصلت لوبان على أكثر من 23% من الأصوات وتأهلت لجولة الإعادة لكنها خسرتها بنسبة 41% من الأصوات.
وفى الواقع، فإن عدم الأهلية من شأنها أن تحطم حلم لوبان بأن تصبح أول رئيسة ل فرنسا وهو الهدف الذى ظلت تعمل على تحقيقه منذ سنوات، بعد عدة هزائم انتخابية.
ومنذ تنحيها عن منصبها كرئيسة للحزب قبل ثلاث سنوات، سعت لوبان إلى وضع نفسها كمرشحة رئيسية قادرة على جذب جمهور أوسع من الناخبين.
وقد أثمرت جهودها، إذ حقق الحزب مكاسب كبيرة فى الانتخابات الأخيرة على المستويين الأوروبى والوطنى، ولكن الحكم بالإدانة قد يقوض بشكل خطير محاولتها بالوصول إلى الإليزيه.
وخاضت لوبان السباق الرئاسى فى مواجهة ماكرون، دون تمكنها من الفوز بالمقعد الرئاسى، رغم تأهلها إلى المرحلة الحاسمة مرتين فى انتخابات 2017 وانتخابات 2022.
ويتوقع مراقبون أن تمنع المحاكمة نواب التجمع الوطنى، بما فى ذلك لوبان نفسها، من لعب دورهم المعارض بالكامل فى البرلمان، إذ سينشغلون بالدفاع عن الحزب أمام القضاء، حيث يأتى ذلك فى وقت تولت فيه حكومة جديدة يهيمن عليها الوسطيون والمحافظون، السلطة فى أعقاب الانتخابات التشريعية التى جرت فى يونيو ويوليو الماضيين.
واشتهرت لوبان، بموقفها المعادى للمهاجرين ودعوتها إلى الترحيل الفورى لمن يقيمون فى فرنسا بصفة غير قانونية، وإمهال الأجانب الذين لا يجدون عملا ثلاثة أشهر لإيجاد وظيفة أو الرحيل، وتطرح لوبان فكرة الأولوية الوطنية والتى مفادها أن يكون لمن يحملون الجنسية الفرنسية الأولوية على غيرهم فى السكن والمساعدات الاجتماعية والعمل (إذا كانت الكفاءة متساوية).
كما تعترض لوبان على سياسة التبادل الحر فى الاقتصاد، وترى أنها تفرض على فرنسا تنافسا مجحفا مع الدول النامية، ولذلك تقترح نوعا من الحماية المعقولة للاقتصاد الوطنى، لا تصل إلى الانغلاق تماما، كما تدعو إلى خروج تدريجى من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسى.