حامل المسك 4 ... تجديد الفكر وتجديد التفكير

حامل المسك 4 ... تجديد الفكر وتجديد التفكيرتجديد التفكير الديني

الدين والحياة15-10-2024 | 14:10

ما أن ينطق أحد المثقفين المخلصين بمصطلح "تجديد" إلا وتنهال عليه الإهانات والاتهامات من كل حدب وصوب، لا فرق في ذلك بين "تجديد الفكر" أو "تجديد الخطاب"، أو "تجديد التفكير".
ومن الحق أن الثورة والمعاداة لكل جديد أو رغبة في التجديد هي في واقع الأمر سمة بشرية قديمة بقدم الإنسان نفسه، وما كانت الرسالات السماوية والدعوات الإصلاحية بل والنظريات العلمية إلا ثورات قادها رجال شجعان رأوا أن الإنسان الذي كرمه الله وسما به على جميع مخلوقاته وأسجد له ملائكته، هذا الإنسان لا يليق به أن يكون كغيره من المخلوقات، يعيش أسيرا لما يرثه دون أن يعمل فكره ويشحذ عقله ليستطيع التواؤم والتكيف مع متطلبات كل عصر من عصور حياته التي اقتضت سنة الله في كونه ألا تظل على وتيرة واحدة.

ومن الثوابت التاريخية أيضا أن كل هؤلاء العظماء والمخلصين من أنبياء وعلماء ومفكرين، لم يجدوا الطريق لأفكارهم ودعواتهم الإصلاحية مفروشا بالورود، بل اتهموا بالجنون والكفر، ومنهم من مات في سبيل فكرته ولم يكتب له رؤية احتفاء الناس بها وثنائهم عليها.
وفي تعريفه للإنسان قال الأستاذ الكبير أحمد بهاء الدين: إن الإنسان هو حيوان له تاريخ"
وبرر الأستاذ الكبير تعريفه وتخصيصه للإنسان بهذا التعريف بقوله:"إنك تستطيع أن تصطاد الفأر بالطريقة نفسها التي كان يتم اصطياده بها من آلاف السنين، وذلك أن الفأر لا يمتلك الذاكرة التاريخية التي تمكنه من معرفة الخطر من وضع الطعام له داخل المصيدة، أما الإنسان فإن أهم ما يميزه هو أن تاريخه يجعله يتعلم من أخطائه".
وإذا انتقلنا إلى الحديث عن المعضلة الرئيسة في موضوع التجديد فإننا سنجد أن أكثر ما يثير الحفيظة ويسهل به استقطاب العوام من رؤوس جهال نصبوا أنفسهم حماة للدين يتحدثون باسمه ويدخلون من شاؤوا الجنة ومن شاؤوا النار، أقول إن أكثر هذه الأمور حساسية هو موضوع " تجديد الفكر الديني".
ومما لا شك فيه أن المصطلح يحتاج إلى تصحيح، فالذي يجب تجديده هو "تجديد التفكير" وليس " تجديد الفكر" والفرق بين الفكر والتفكير هو أن الفكر هو مسلمات ثابتة راسخة قد تكونت وفق ثوابت أقرتها وجعلتها أساسا يبنى عليه ونبراسا يهتدى به، أما التفكير فهو الكيفية التي يتم بها فهم تلك المسلمات وتطبيقها دون الإخلال بمضمونها وفقا لظروف الزمان والمكان والطاقة البشرية.
ذكر البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال على مسمع من أبي هريرة: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" فقال له أبو هريرة: " يا رسول الله، ألا أبشر الناس"؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بشرهم" وعندما خرج أبو هريرة قابله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسأله عن وجهته فأخبره بالخبر، فما كان من عمر إلا أن رده ونهره ونهاه عن تبشير الناس، وعندما عادا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سأل النبي عمر عن رده لأبي هريرة، فكان رد عمر أنه لا يجب إخبارهم بهذا حتى لا يتكلوا، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على رأي عمر ومنع أبا هريرة من تبشير الناس.
أيها السادة، إننا أمام قضية تجديد تفكير واضحة وضوح الشمس، فعمر رضي الله عنه منع أبا هريرة من تنفيذ أمر للنبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يتهمه أحد برد أمر للنبي، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم اقتنع برأيه ووافقه عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم رأى الصواب في جانب عمر في هذه المسألة، لم يكفر النبي عمر ولم يكفر الصحابة عمر، فالنبي هو الذي علم البشرية أن يُعرَف الرجال بالحق ولا يُعرَف الحق بالرجال.
أما عن عمر فهو لم يعترض على الفكرة، لم يناقش النبي في قوله أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وإنما تعامل مع طريقة التفكير في الفكر، كان اجتهاده في التفكير مع الحفاظ على جوهر الفكر.
وهذا هو ما يجب أن ينتبه إليه المجددون كما يجب أن يفهمه المحافظون، ليس كل من يدعو إلى الفهم الصحيح وفقه الواقع فاسقا ماجنا يسعى إلى هدم الثوابت وإخراج الناس من ملتهم، يجب أن يكون حديثنا عن تجديد الفهم والتفكير والاتفاق المعلن الصريح على أنه لا مساس بالثوابت.

أضف تعليق

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا
إعلان آراك 2