لا شك أن ما تعرضنا له في 67 كان نكسة حقيقية، بل وهزيمة عسكرية، رغم أننا لم نحارب ولم نواجه أو نتواجه، بل كانت حربا "غدرًا وغرورًا" كما نعرف، ولكن في المحصلة النهائية، سجل التاريخ هزيمة عسكرية للعرب.
وبعد هذه الأحداث سادت بالمنطقة حالة من الانكسار والشعور المرير ب الهزيمة وفقدان الأرض، ولولا الثبات المصري الداخلي الذي كان نموذجًا يدرس، ولولا الرفض القاطع والمستمر للهزيمة والإصرار علي تحرير الأرض واستعادة الكرامة ما كان لغيم هذه الفترة أن ينقشع، ولاستمرت المنطقة في مستنقع الهزيمة لعقود طويلة.
ولقد كانت التجربة المصرية الفريدة التي تحدت كل حتميات المنطق وفرضيات العقل وحسابات الورقة والقلم، وقررت أن تغير الواقع بكل معطياته المؤلمة والصعبة وتحملت الظروف القاسية التي خلفتها الهزيمة وثارت عليها عازمة علي هزيمتها، وبالفعل استطاعت مصر (شعب وجيش وقيادة) أن تهزم الهزيمة وتحقق النصر في 73، وتنتقل من مرحلة النكسة و الهزيمة والهوان إلي النصر والعزة والكرامة، واستطاعت في السنوات التالية لهذه الحرب المقدسة أن تكمل النصر بعودة كامل الأرض من خلال معارك خاضتها بلا دماء وحافظت بفضل التضحية الكبري والفداء العظيم الذي قدمه الرئيس الراحل أنور السادات الذي دفع دمه وحياته ثمنا لرؤيته الثاقبة، فلقد عاش الوطن بفضله في أمن وسلام لسنوات طويلة حتي تجددت مشاعل الحرب من جديد واشتعلت حمم قديمة في باطن هذه المنطقة من العالم التي لا يتوقف الجميع عن الطمع فيها.
عادت المنطقة للاشتعال مرة أخري وعادت الأجواء المضطربة والأطماع مكشوفة الوجه وقرر الغرب المتوحش بقيادة الذئب الأكبر أمريكا العبث في المنطقة محاولاً أن ينهش جسدها من جديد ويسرق ثرواتها بشكل أكبر ويحقق فيها طموحات وأحلام صهيونية قديمة.
فبعدما سقطت مساحات كثيرة من عدة دول بعد مواجهات العرب و الصهاينة ولم تستطع سوي مصر أن تستعيد أرضها وتحفظ كامل ترابها، وعاد الذئب الأمريكي وراءه القطيع الغربي ينثر بذور الشر والتقسيم في المنطقة عبر جماعات وميليشيات وتنظيمات طائفية ومذهبية مأجورة ومدفوعة وموجهة فبعدما فشلت تقريبا أخونة بعض دول المنطقة لإسقاطها بفضل من التصدي المصري جاء ما يسمي بـ "ملشنة" الدولة عبر زرع جماعات وميليشيات مسلحة فيه ميليشيات لا دين لا هوية، لا تعرف وطن غير المال، فراحت تنهش في لبنان والسودان وفلسطين وسوريا والعراق، ولم تكتف بذلك بل راحت تزيد الشر بيتا وبيتين وفتحت مساحات كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل أن تخلق مساحات صراع جديدة تُسقط فيها الشعوب ثم من بعدها الجيوش ثم من بعدها الدولة كلها.
لذلك صدق الرئيس السيسي عندما قال إننا نعيش أجواء وظروف نكسة 67 وما بعدها بالفعل بالمنطقة العربية تعيش حالة انهزام جديد وسقوط مريب واستهداف شرس ومخطط للإجهاز عليها، لذلك يجب أن ننتبه جميعا لهذه المخططات التي تريد أن تقضي علي حاضر المنطقة ومستقبلها.
لقد عبرنا نكسة 67 وما بعدها بفضل وعينا الوطني وعزيمتنا الصلبة ووقوفنا علي قلب رجل واحد خلف قيادتنا وجيشنا فانتصرنا وصنعنا تجربة مسجلة باسمنا في سجلات الشرف والعزة اسمها (أكتوبر 73).. علينا أن نظل متماسكين متضامنين علي نفس القدر من الوعي والإدراك حتي نعبر هذه الظروف الصعبة مثلما عبرناها في 67.