تصور لمستقبلنا الاقتصادي

تصور لمستقبلنا الاقتصاديمصر

كنوز أكتوبر10-11-2024 | 13:47

« السياسة و الاقتصاد جوادان يجران عربة واحدة»، هذا هو التعبير العالمى المتداول حاليًا لتأكيد تلازم السياسة و الاقتصاد ، ومدى تأثير كل منهما على الآخر، فلابد لهما أن يسيرا فى اتجاه واحد وخطين متوازيين، وسياستنا بعد اتفاق السلام بدأت تتخذ مسارًا جديدًا نحو الحرب، وفى نفس المنحنى سيخطو اقتصادنا أولى خطواته مقصيًا أشباح الحرب عن طريقه ولكن الاقتصاد المصرى قد وصل إلى أول طريق السلام وكاهله مثقل بأعباء كبيرة.

تشير التقارير الأولية إلى أن الاقتصاد المصري قد تحمل أكثر من 40 بليون جنيه كنفقات لحروب متصلة فى سنوات محدودة تركت بصماتها واضحة وخلفت أمراضًا كثيرة فى جسد الاقتصاد الوطنى، ثم كانت حرب أكتوبر والنصر العظيم الذى أحرزه المقاتل المصرى، وفى نفس الوقت وصل فيه مؤشر اقتصادنا إلى ما تحت الصفر، كما قال الرئيس السادات ولجأ خبراء الاقتصاد إلى سياسة الانفتاح واستجلاب رءوس الأموال الأجنبية لإقامة المشروعات والمصانع فى محاولة لتخفيف العبء الواقع على الميزانية المصرية.

والتحول من الحرب إلى السلم قضية تشغل الرأى العام المصرى، وهى ليست وليدة الساعة، فعندما تولت المجموعة الاقتصادية برئاسة د. عبد المنعم القيسونى مهمتها الصعبة لإعادة بناء هيكل الاقتصاد المصرى كان السلام واردًا فى خلفية الإطار العام للخطة، وأيضا كل الذين حضروا المؤتمر العالمى الذى تحدث فيه رئيس البنك الدولى للإنشاء والتعمير، والدكتور القيسونى فى شهر يناير من هذا العام كلهم سمعوا الحديث عن إمكانية السلام فى المنطقة.

الاستثمارات الأجنبية :

تحول الاقتصاد من اقتصاد حرب إلى اقتصاد سلام يعنى التحول إلى حد ما فى الإنفاق العام من التسليح إلى الإنفاق المدنى، ويزداد النشاط الاقتصادى العادى بعد التحول من دعم القوة العسكرية إلى زيادة الطاقة الإنتاجية المدنية.

وتحظى الاستثمارات الأجنبية بأولوية كبيرة فى موضوعنا هذا، فقانون الاستثمار عندنا يعطى ميزات كثيرة لرءوس الأموال الأجنبية، لكن نظرًا لأننا كنا فى حالة حرب منذ بداية سياسة الانفتاح فقد كان الإقبال على الاستثمار فى مصر قليلاً، فمن المعروف أن رأس المال جبان أى لابد من توافر عنصر الأمان حتى يأتى المستثمر الأجنبى، وقد زاد عدد المشروعات عقب فض الاشتباك الثانى حيث اطمأن المال الأجنبى إلى جدية مصر فى تنفيذ سياسة الانفتاح، لذلك من المتوقع أن ترد إلى مصر كميات كبيرة من رءوس الأموال الأجنبية طلبا للاستثمار والاستقرار.

والبعض يقول إن كثرة رءوس الأموال من الممكن أن تؤدى إلى زيادة التضخم ولابد من التأكيد من قدرة مصر الاقتصادية على استيعاب رءوس الأموال المنتظرة.

وكما يقول د. جمال الناظر وزير الدولة للتعاون الاقتصادى: إن الأمر يتطلب نوعًا من التنظيم والتوجيه لرءوس الأموال الأجنبية، بحيث تعطى الأولوية للمشروعات، التى تأتى بصناعات حديثة ذات تكنولوجيا متطورة تفيد الاقتصاد والصناعة المصرية بالخبرة الجديدة، وتخلق عمالة فنية على درجة من المهارة، ويضيف قائلاً: إننا نرحب بالمشروعات التى تفتقر مصر إليها مثل الصناعات الهندسية الدقيقة والصناعات الإلكترونية.

ويؤكد وزير الدولة للتعاون الاقتصادى أن الحقل السياحى فى مصر من الممكن أن يستوعب أعدادًا كبيرة من رءوس الأموال الأجنبية، وأن هناك أماكن كثيرة من أرض لم تستغل بعد، مع أن لها من المميزات سواء الأثرية أو الطبيعية ما يؤهلها لأن تكون من أجمل بقاع العالم السياحية.. إنها فقط تنتظر رأس المال ويد الإصلاح والتهذيب والعقل المفكر المستقل.

والمناطق الحرة فى مصر تشكل لونا جديدا من ألوان الانفتاح الاقتصادى، وهى تجربة بدأت تأخذ حظها من النجاح، والدكتور جمال السحراوى وكيل وزارة الاقتصاد لشئون المناطق الحرة، يؤكد أن التهريب يفسد كثيرا من المشروعات، ويؤدى إلى هروب المستثمر، وهو يرى أن إحكام الرقابة على المنافذ والقضاء على عمليات الغش التجارى سيكون لها أثر فعّال فى إظهار جهد العاملين فى شئون المناطق الحرة، وقال: إن بعض المناطق الحرة ستتسع لأعداد كبيرة من المشروعات المتوقعة، مثل منطقة الأدبية فى السويس التى يجرى إعدادها حاليًا ومساحتها حوالى ألف فدان، كما أن هيئة المناطق ترسل البعثات إلى المناطق الحرة الحديثة لتأخذ الأساليب فى إنشاء مناطقنا.

القطاع العام :

القطاع العام الذى يحظى بنصيب الأسد من رعاية الدولة سيواجه عدة مشاكل منها: أن عدم تطوره حتى الآن بالقدر الكافى سيؤدى إلى مواجهة غير متكافئة نتيجة دخول شركات جديدة، وهى شركات ذات مستوى عالمى من حيث الإدارة والتكتيك والإنتاج، وتمثل أحدث ما فى صناعات العصر من تكنولوجيا، فهل يقوى القطاع العام على مواجهة هذا التحدى، وهو الذى يصرخ شاكيًا من مجموعة شركات الانفتاح الموجودة حاليًا؟!

إن القطاع العام يحتاج إلى دفعة أكثر من قوية حتى يمكنه الوقوف فى مواجهة الموجة العاتية القادمة من الخارج، فمن الضرورى إطلاق وتحرير الوحدات الإنتاجية لتأخذ مكانها بعيدًا عن الروتين.

والصناعة الوطنية هى الركيزة الأساسية فى بنيان التنمية المصرى وبدونها لن تكون هناك عمليات للتنمية، وقد حملت عبء الحروب المتواصلة وقدمت أقصى ما يمكنها ولكنها ظلت فترة طويلة بدون تطوير وبقيت صناعاتها كما هى دون جديد أو تجديد.

والشركات الصناعية كجزء من القطاع العام ستواجه تحديًا كبيرًا وآخر الإحصائيات تشير إلى أن نسبة التآلف فى الإنتاج تصل إلى 40%، وهى نسبة عالية جدًا إلى جانب أن هناك أعدادا كبيرة من الشركات الصناعية تخسر كل عام، وقد صرح د. إبراهيم عطا الله، وزير الصناعة أن سيولى هذه الشركات اهتماماته فى شئون الصناعة والبحث عن الأسباب وكيفية علاجها.

وبعض هذه الأسباب كما يقول خبراء الصناعة ترجع إلى سوء الإدارة وتخلفها وتقضى العمالة الفنية المدربة وعدم الاهتمام بالإنتاج بالقدر الكافى، لهذا كان الحصاد منتجات رديئة الصنع لا ترقى إلى منافسة مثيلاتها من البضائع والمنتجات الأجنبية ومنح القطاع العام كل مزايا الشركات الأجنبية، سواء من ناحية الضرائب أو المزايا الجمركية واستيراد مستلزمات الإنتاج وغيرها قد يعطى القطاع العام القدرة على مواجهة التحدى والتنافس، والاهتمام بالقطاع الخاص وتشجيعه والعمل على حل مشاكله، فيه تدعيم للقطاع العام، فالقطاع الخاص يقدم نوعية من الصناعات الصغيرة والخفيفة تعد مكملة للقطاع العام، وقد بلغنا نسبة متوسط الزيادة فى إنتاج القطاع الخاص فى السنوات الخمس الأخيرة حوالى 17%.

إن اقتصاد السلام يعنى مزيدًا من العمل الجاد.. والمزيد من الجهد الوطنى الخلاّق الذى يسهم مساهمة فعّالة فى سبيل الاقتصاد المصري .. إن اقتصاد السلام يعنى الدخول إلى مجالات اقتصادية واجتماعية جديدة علينا سواء أردنا أو لم نرد.

نشر بمجلة أكتوبر فى نوفمبر 1978م – 1398هـ

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2