السيسى فى أمريكا.. يحمل معه قناعات مصر وموقفها من قضايا العرب
السيسى فى أمريكا.. يحمل معه قناعات مصر وموقفها من قضايا العرب
تقرير يكتبه: ماجد بدران
توجه اليوم السبت الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى واشنطن فى أول زيارة رسمية له للولايات المتحدة الأمريكية منذ توليه الرئاسة تلبية لدعوة من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
الرئيس يتوجه إلى واشنطن بموقف مصرى واضح من كل القضايا التى سيتم بحثها خلال الزيارة وفى مقدمتها مكافحة الإرهاب، والتعاون الاقتصادى، والعلاقات الاستراتيجية بين البلدين، والقضايـــــــا الإقليميــــــة، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، وسبل استئناف مفاوضات السلام فى أقرب وقت، كما تبحث القمة ملفات مكافحة الإرهاب وإنهاء الصراع فى سوريا وليبيا والعراق واليمن، بالوصول إلى تسوية سياسية تحافظ على وحدة وسيادة تلك الدول.
الولايات المتحدة تؤكد أن مصر شريك حقيقى فى منطقة الشرق الأوسط وأن هناك حرصًا أمريكيًّا على دعم مصر لتجاوز التحديات على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية.
وتأتى تأكيدات الإدارة الأمريكية من خلال تصريحات الرئيس ترامب ونائبه مايك بينس ووزير الخارجية ريكس تيليرسون، وقد أكدوا أن الزيارة تم الإعداد لها جيدًا ضمانًا لنجاحها، ووصولًا إلى الأهداف التى تسعى مصر إلى تحقيقها بما يخدم التوجهات المصرية.
وكانت زيارات الرئيس السيسى إلى الولايات المتحدة قد اقتصرت خلال الأعوام الثلاث الماضية على نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويجرى الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال زيارته سلسلة من اللقاءات المهمة مع أبرز عناصر الإدارة الأمريكية وأعضاء الكونجرس، كما يلتقى مع عدد من الشخصيات البارزة بمراكز صناعة القرار بالولايات المتحدة.
وكان سامح شكرى وزير الخارجية قد زار مؤخرًا الولايات المتحدة تمهيدًا لزيارة الرئيس السيسى، وكان الهدف من الزيارة فتح اتصالات مباشرة مع الإدارة الأمريكية تطرح مصر خلالها رؤيتها لشكل العلاقات الجديدة ورؤيتها لقضايا المنطقة وتقييمها للأوضاع وسبل تعزيز الأمن والسلام فى الشرق الأوسط.
ونقل شكرى رسالة شفهية من الرئيس السيسى إلى كل من الرئيس ترامب ونائبه مايكل بينس أكدت عمق وخصوصية العلاقات المصرية الأمريكية، وتطلع مصر إلى تعزيز علاقات التعاون والتأكيد على إمكانية اعتماد الولايات المتحدة على مصر كشريك يدعم الاستقرار ويسهم بفاعلية فى حل أزمات الشرق الأوسط، ويساهم فى جهود مكافحة الإرهاب.
وإذا كانت مصر والولايات المتحدة لديهما الرغبة فى إعادة بناء العلاقات بين البلدين من جديد وصولًا لشراكة استراتيجية حقيقية وعلاقات مستقبلية إيجابية، فهناك مسئوليات على الطرفين القيام والالتزام بها.
فالجانب الأمريكى مطالب بإعادة العلاقات الاقتصادية الثنائية إلى طبيعتها، فقد حان الوقت ليشعر المواطن المصرى بدور الولايات المتحدة المساند لرؤية وتطلعات الشعب المصرى، فالشريك الأمريكى مطالب بتشجيع القطاع الخاص الأمريكى على الاستثمار فى مصر وبخاصة بعد تحرير سعر الصرف وصدور قانون الاستثمار وتمتع مصر بأحد أعلى نسب العائدات على الاستثمار فى العالم.
كما أن الجانب المصرى مطالب بالقيام بدور فاعل للإسهام فى حل قضايا المنطقة وأولها الأزمة السورية والليبية واليمنية، وذلك لإيجاد نوع من التوازن والاستقرار فى المنطقة.
ترامب والشرق الأوسط
وعلى الرغم من أن شخصية الرئيس ترامب وقناعاته تلعب دورًا مؤثرًا فى توجهات السياسة الخارجية إضافة إلى أن سيطرة الجمهوريين على الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ تعطى حركة ومرونة أكبر لترامب فى التعامل مع القضايا الخارجية، فإن عملية صنع واتخاذ قرارات تلك السياسة هى نتاج التفاعل والتوافق بين الرئيس ومستشاره للأمن القومى ووزارتى الخارجية والدفاع وكذلك الكونجرس وجماعات الضغط ومراكز الأبحاث وهى عملية معقدة يحكمها حجم وتشابك المصالح الأمريكية فى المنطقة.
وتشير مواقف ترامب وتصريحاته بشأن الشرق الأوسط إلى تغليب الواقعية والميل نحو الاستقرار والتعاون مع الأنظمة الحاكمة لمحاربة الإرهاب، واتخاذ مواقف متشددة من التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما.
وهناك مصالح ثابتة للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط تتمثل فى دعم وحماية أمن إسرائيل وضمان وصول النفط بأسعار معقولة، والحرب على الإرهاب والتحالف مع الدول الصديقة والمعتدلة.
وسيظل الشرق الأوسط وأزماته ضمن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، نتيجة لحسابات المصالح الأمريكية فى المنطقة، ونتيجة لتعاظم الدور الروسى فيها، وتمدد الدور الإيرانى بما قد يؤثر سلبًا على نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها فى المنطقة وفى الكثير من مناطق العالم الأخرى.
إضافة لأن منطقة الشرق الأوسط تعد أكثر ساحات العالم سخونة، ونشوب الكثير من الأزمات والحروب فى العديد من الدول مثل اليمن وليبيا وسوريا والعراق.. وتتسم تلك الأزمات بصعوبة الحل السياسى، كما تتشابك أطرافها الداخلية مع الأطراف الإقليمية والدولية.
وهناك قيود على الدور الأمريكى فى التعامل مع تلك المشكلات ويقلل من تأثيره فى توجيه المسارات العسكرية أو تسويتها السياسية، وهو ما يفرض على إدارة ترامب بناء تحالفات مع الأطراف الفاعلة فى المنطقة كمصر وغيرها من الدول.
فمصر قادرة على القيام بدور فعال والإسهام فى حل قضايا المنطقة وأولها الأزمة الليبية والسورية واليمنية، بما يخلق نوعًا من التوازن والاستقرار فى المنطقة، وبخاصة بعد أن عززت مصر علاقاتها الخارجية مع روسيا ودول أوروبا وأفريقيا وشرق آسيا وحصلت على مقعد فى مجلس الأمن.
أصدقاء مصر فى الكونـجرس
على مدار السنوات الثلاث الماضية كانت مصر موضع خلاف ونقاش داخل دوائر السياسة الأمريكية، وربما كانت قضية المساعدات أكثر القضايا التى أثارت الجدل، بسبب حملة جماعة الإخوان الإرهابية التى دفعت فى اتجاه قطع المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر عقابًا للمصريين على الإطاحة بالإخوان من الحكم.
ورغم ذلك كان هناك عدد كبير من أعضاء الكونجرس أغلبهم من الجمهوريين كانوا على وعى بخطورة الجماعة الإرهابية فقاموا فى يوليو 2014 بتأسيس مجموعة «تجمع الكونجرس من أجل مصر» بهدف تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان ودعم الرئيس عبد الفتاح السيسى، وبرز النائب دانا دورباتشر عضو لجنة الشئون الخارجية ومؤسس مجموعة أصدقاء مصر كأحد أقوى المدافعين عن ضرورة تقديم الدعم لمصر والتعاون معها.
ويرى أن الرئيس السيسى يمثل مصدر أمل للمصريين والشرق الأوسط، وأن الرخاء والديمقراطية وحقوق الإنسان ليست بعيدة المنال عن مصر.
وقام باتشر بعدة زيارات لمصر كان آخرها فى فبراير الماضى ضمن وفد للكونجرس التقى به وزير الخارجية سامح شكرى الذى أكد خلال اللقاء أن مصلحة الدولتين والشعبين تقتضى بذل كل الجهود من أجل تعزيز آليات التعاون الثنائى والتنسيق بشأن التحديات المختلفة التى تواجه منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف أن الدعم الأمريكى لمصر مطلوب تعزيزه خلال المرحلة القادمة لضمان نجاح استقرار مصر الذى يعزز من استقرار المنطقة بأكملها، وللكونجرس دور كبير فى هذا الشأن.
أيضًا فإن السيناتور الجمهورى تيد كروز المرشح الرئاسى السابق من أشد الداعمين لمصر والرئيس السيسى فى مواجهة الإرهاب، ويؤكد النائب الجمهورى ماريو دياز بالارت عضو لجان الدفاع والعلاقات الخارجية والموازنة تطلعه للقاء الرئيسين السيسى وترامب.
وأن سياسة الحزب الجمهورى موجهة نحو مد يد العون لمصر ودعم استقرارها.
كما تؤكد النائبة كاى جرانجر رئيسة لجنة اعتمادات الدفاع على مساندة مصر فى الفترة المقبلة، وهذا هو التوجه الجديد لتخفيف الآثار السلبية لسياسات الإدارة السابقة.
النائبة جرانجر كان لها موقف مشرف تجاه مصر أثناء حكم أوباما، عندما علقت اعتماد موازنة وزارة الخارجية الأمريكية لحين رفع الحظر الذى فرضه أوباما على صفقة المقاتلات "أف16" لمصر.
ولا شك أن علاقة الولايات المتحدة بمصر واحدة من نقاط الاتفاق القليلة بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى فى جلسات الكونجرس، فكلا الحزبين يتفق على قيمة وأهمية دور مصر فى منطقة الشرق الأوسط ويثمن أهمية استقرارها ودعمها فى حربها ضد الإرهاب.
إسرائيل.. الحاضر الغائب
يدرك الرئيس عبد الفتاح السيسى جيدًا أن إسرائيل واللوبى اليهودى عنصر مؤثر فى ملف العلاقات المصرية الأمريكية.
ومنذ تولى الرئيس السيسى الرئاسة التقى خمس مرات وفودًا من رؤساء المنظمات الأمريكية اليهودية كان آخرها فى فبراير الماضى وذلك فى إطار تدعيم العلاقات المصرية الأمريكية وتبادل وجهات النظر بين البلدين.
ويؤكد الرئيس خلال هذه اللقاءات حرصه على استقبال وفود تمثل مختلف أطياف المجتمع الأمريكى، وذلك بهدف تعزيز جسور التواصل والتفاهم المشترك حول طبيعة التحديات التى تواجه المنطقة وسبل التصدى لها، مؤكدًا أن العلاقات المصرية الأمريكية علاقات ممتدة ومتشعبة وذات طبيعة استراتيجية، وأن المرحلة المقبلة تتطلب تعزيز هذه العلاقات فى كل المجالات.
وقبل أسبوع واحد من زيارة الرئيس السيسى لواشنطن عقدت إيباك (لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية) مؤتمرها السنوى بواشنطن بحضور نائب الرئيس الأمريكى مايك بينس، كما ألقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كلمة أمام المؤتمر عبر الفيديو كونفرانس.
وكان بينس قد طمأن الحضور بأن الرئيس ترامب لا يزال يفكر جديًا فى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
وقال بينس فى خطابه إنه سيحتفل بمصادقة مجلس الشيوخ على تعيين ديفيد فريدمان سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل، وتعهد بأن الإدارة ستواجه إيران، وستسعى إلى سلام إسرائيلى فلسطينى يضمن أمن إسرائيل، واعدًا بأن الإدارة الجديدة ستقوم بتطبيق أجندة سياسية مؤيدة لإسرائيل دون تردد.
ويعد مؤتمر «الإيباك» من أهم المؤتمرات التى يعقدها اللوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة، وقد ناقش المؤتمر ملفات الاستيطان فى الضفة الغربية والقدس، ومحاولة الضغط على الإدارة الأمريكية من أجل الموافقة على البناء فى القدس.
ومن جانب آخر تواصلت المظاهرات المناهضة لإيباك والمؤيدة لحق الفلسطينيين فى إنهاء الاحتلال قبل وأثناء انعقاد المؤتمر، حيث تظاهر الآلاف من الشباب اليهودى الأمريكى الذين حاصروا مقر المؤتمر ورفعوا لافتات تندد بإيباك وباستمرار الاحتلال، وحمل المتظاهرون لافتة تقول «إن اليهود لن يكونوا أحرارًا حتى يصبح الفلسطينيون أحرارًا كذلك».
وقبل أسبوع أيضًا من زيارة الرئيس السيسى لواشنطن التقى فى القاهرة رئيس الكونجرس اليهودى العالمى رونالد لاودر.
وأكد الرئيس خلال اللقاء انفتاح مصر على جميع أطياف المجتمع الأمريكى، بهدف تعزيز جسور التواصل والتفاهم المشترك حول طبيعة التحديات التى تواجه المنطقة.
وأعرب لاودر عن تقديره لدور مصر المحورى كقوة استقرار وسلام فى الشرق الأوسط، والجهد الكبير الذى تبذله فى الحرب على الإرهاب ومواجهته على نحو حاسم.
كما أكد لاودر أن زيارة الرئيس السيسى لواشنطن ولقائه الرئيس ترامب تكتسب أهمية خاصة فى تطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ودفعها نحو آفاق أرحب، لا سيما فى ضوء ما يكتنف المنطقة من تحديات كبرى يأتى على رأسها خطر الإرهاب وانتشار الأزمات السياسية والأمنية فى عدد من دول المنطقة.