حكايات العمر ورحلة  الطيبين «2»: الأستاذ مصطفى عبدالسلام وتحولاته فى الحياة

حكايات العمر ورحلة  الطيبين «2»: الأستاذ مصطفى عبدالسلام وتحولاته فى الحياة حكايات العمر ورحلة  الطيبين «2»: الأستاذ مصطفى عبدالسلام وتحولاته فى الحياة

*سلايد رئيسى19-12-2018 | 13:25

كتبت: أمل إبراهيم
الحياة هى كل حروف الأبجدية التى تسطر تجارب العمر وتنسج التفاصيل  وتحفظ بعضها فى صندوق الذكريات وتلقى بالكثير فى خانة النسيان، والسؤال الذى يطرح نفسه هو لماذا تبقى بعض الأيام والساعات واللحظات حاضرة بقوة فى الذاكرة ولماذا تمحى سنوات طوال وكأنها من لم تكن جزءًا من العمر أو فترة من الحياة؟.
 لحظات مثل تلك تستحق أن تسجل وأن نكتب عنها وأن نرصد التغيير الذى حدث من خلال قصص الكبار، كيف كانت حياتهم وطفولتهم، علاقات بالأهل والجيران والأقارب، قصص المدرسة ونظرتهم إلى العلم والتعلم وأصدقاء الدراسة، مشاهداتهم اليومية وتقييمهم للأجيال الحالية ورصدهم للفروق والتغيير.
قصص الزواج وتكاليف الحياة وشكل البيوت وعشرة الشوارع وعشق البلد، رؤيتهم لمصر من خلال معاصرة أكثر من رئيس مروًا من هنا ، تفاصيل كثيرة يمكن أن نحكى عنها رغم أنه من الصعب أن تختزل الكتاب فى صفحة أو تحكى قصة العمر فى ساعة من محافظة السويس يحكى لنا الأستاذ مصطفى عبدالسلام مدرس الفلسفة الذى عاش تجارب عديدة ويرويها بكل بساطة ورضا حتى حكايات المعاناة والسجن لأن لديه قناعة أنه عاش دون أن يفرط فى مبادئه وأن مصر كانت العنوان الوحيد فى قلبه وعقله.
الأستاذ مصطفى عبدالسلام مواليد 1947 محافظة السويس، يؤرخ للعام الذى ولد فيه بمشروع تقسيم فلسطين فى فترة طفولته تعلم فى كتاب " الشيخ حسن" بجامع الخضر واستمر يدرس هناك حتى بعد إلتحاقه بالمدرسة لأن أسرته كانت ترى فيه بعض جذور التمرد برغم سمته الهادئة، كان طالبًا مجدًا لا يحتاج إلى توجيه أسرى للمدرسة بل كان يبدأ قراءة الكتب المدرسية التى  يتم تسلمها مجانًا قبل بداية الدراسة ولم يعرف التزويغ مثل أقرانه فى ذلك الوقت.
بدأ رحلته مع القراءة منذ الصف الخامس الابتدائى وانتقل إلى عالم نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس فى المرحلة الإعدادية، فى ذلك الزمن كان لمدرس الفصل نوع من الهيبة والرهبة خاصة ناظرة المدرسة، مع بداية تكوين شخصيته فى مرحلة المراهقة كان يحلم أن يكون صحفيًا ولكن رغبته تلك تبدلت فى مرحلة الثانوية بعد أن شغف حبًا بقراءة الفلسفة وكتابات زكى نجيب محمود، فقرر أن يدرس الفلسفة فى كلية الآداب جامعة الإسكندرية وكانت فترة الجامعة بالنسبة له فترة مزهرة لوجوده فى مدينة جميلة ومتحضرة يتمكن من زيارة المكتبات والسينما والمسرح وحتى العام الأول من الدراسة الجامعية كان اهتمامه منصبًا على دراسة الوجودية ولكن فى السنة الثانية التى واكبت نكسة 67 التى شكلت تحولًا شديدًا فى حياته وغيرت مساره نحو الماركسية وبدأ يتعرف على الشيوعيين ويرتبط بهم وينغمس فى قراءات مختلفة ومتخصصة تنتقد النظام الذى ارتبط بالنكسة وترك بصمات واضحة على الشباب والمجتمع ، وبدأ ينخرط فى العمل السياسى ويشارك فى المظاهرات الطلابية وبرغم حصوله على المركز الأول فى الليسانس إلا أنه لم يتم تعيينه معيدًا فى الجامعة بسبب ملاحقات الأمن له.
فى عام 1969 التحق بالجيش وشارك فى حرب أكتوبر 1973 وخرج من الجيش فى عام 1975 ليجد الاعتقال فى انتظاره فى قضية التنظيمات اليسارية وقضى شهرًا فى السجن ليخرج بعدها ليجد أنه قد تم تعيينه مدرس للفلسفة فى إحدى مدارس شبين الكوم ولكنه لم يذهب وطلب نقله إلى محافظة السويس وهناك كان يلتف حوله الطلاب بكل ودٍ يتابعون المدرس الشاب الذى يرتدى الجينز يتحدث عن الفن والسينما والمسرح ويشرح الفلسفة وربما كان ذلك سببًا فى إبعاده عن التدريس ونقله إلى وظيفة إدارية وبجانب وظيفته كان يمارس نشاطًا سياسيًا ومجتمعيًا من خلال لجان تعمل بالجهود الذاتية لتطوير مدينة السويس وعمل فصول لمحو الأمية وإنشاء صالة للألعاب الرياضية المختلفة بجانب الندوات والمؤتمرات السياسية حتى صدر أمر بالقبض عليه واعتقاله مرة ثانية فى أحداث 1977 وهرب مع عدد من الأشخاص إلى القاهرة وعاش عند أقاربه متنقلًا بين منطقة السكاكينى وإمبابة وهناك تطورت علاقته بابنة خالته ونشأت قصة حب بينهما وأصبحت فيما بعد زوجته بعد رفض تام من قبل والدها لأنه يريد لها حياة مستقرة بعيدًا عن شخص له نشاطه السياسى.
 ولم ييأس ولم ينس حبه وانتظر لمدة 9 سنوات وخلال تلك الفترة صدر قرار بإبعاده عن السويس ونقله إلى الواحات الخارجة وعندما رفض تنفيذ قرار النقل كانت النتيجة أن يبقى دون عمل حقيقى ورسمى مدة عشر سنوات عمل فيها فى مهن بسيطة، ثم شاءت الأقدار أن تتوفى خالته ويتزوج والد الفتاة التى يحبها فسهل له الارتباط والزواج لأن والدها تزوج بعد أمها.
يقول الأستاذ مصطفى إن حفل الخطوبة كان هدية من أصدقائه المتعاطفين معه وعند كتب الكتاب لم يكن فى جيبه سوى 25 قرشًا وتزوجا فى شقة أخته لفترة حتى أرسل محافظ السويس أحمد حلمى بكر الذى كان يرى فيه صاحب دور وطنى وطلب منه أن يملأ استمارة للحصول على شقة وبالفعل حصل على واحدة فى حى الصباح وقام أصدقاؤه بإهداءه بوتجاز صغير وساهموا معه فى شراء بعض من الموبيليا التى تلزم الشقة المطلية بالجير ويقول الأستاذ مصطفى إنه ينسب البطولة هنا للسيدة زوجته التى قبلت أن تشاركه تحت كل الظروف ولم تعترض أو تتبرم ورزقهما الله بهشام وطارق..
وتستمر رحلة العمل السياسى فى عهد مبارك وتم القبض عليه مرة أخرى فى عام 1986 بعد أن ألقى خطبة فى مؤتمر سياسى ضخم تحدث فيه عن تزوير الانتخابات وانتشرت صوره من خلال الصحف وكانت نتيجة كل تلك الأحداث التخلص من ملفه الخاص فى التربية والتعليم وحذف 13 سنة مستحقة من معاشه وبالتالى عدم الحصول على مكافأة المعاش ولكن بعد تغير الأوضاع وسمعته التى اشتهرت بالأمانة والانضباط اختاره اللواء تحسين شنن محافظ السويس السابق للعمل فى مشروع المحاجر واستمر فيه وحقق من خلال عمله هناك ملايين من الأرباح لحساب المحافظة.
وعند سؤاله عن أهم الأحداث التى كان يرى أن لها تأثيرًا حقيقيًا فى حياته قال: فى عهد عبدالناصر كان تأميم قناة السويس وفى عهد السادات قرار الحرب ثم زيارة إسرائيل واتفاقية كامب ديفيد التى أخرجت مصر من دورها فى الصراع مع إسرائيل وفترة مبارك التى استشرى فيها الفساد، أما عن رأيه فى الأجيال الجديدة، إن تلك الأجيال نشأت فى مجتمع انهارت فيه منظومة القيم وانعدمت القدوة وتحول المجتمع من الإنتاج إلى الاستهلاك وزادت المظاهر الغربية، أما أغرب الأمور التى يراها فهى المخدرات ودرجة انتشارها والتغير الواضح فى لغة الحديث وهما علامتان تدلان على مشاعر الإحباط التى نتج عنها اللا مبالاة والإحساس بالضياع.
إن معايشة الهزيمة فى 67 ومعايشة الحرب فى 73 كانت سببًا رئيسيًا فى أهم تحولاته فى الحياة من شخص وجودى إلى معتنق لمبادئ الشيوعية مهموم بكل ما حوله والآخرين.
أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2