إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا» : الأمير يساوى الخفير !

إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا» : الأمير يساوى الخفير !إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا» : الأمير يساوى الخفير !

*سلايد رئيسى8-1-2019 | 18:53

عاشت فى ذاكرتى طويلا حكاية قرأتها فى مجلة "المختار"..

المجلة لمن لا يعرفها تصدر فى واحد وعشرين لغة وتعتمد بالدرجة الأولى على قصص وروايات القراء.. وقد نشر العدد الأول منها فى مدينة نيويورك الأمريكية فى عام 1922.. وفى عام 1943 حصلت دار أخبار اليوم المصرية على ترخيص بترجمتها ونشرها.. وفى عام 1976 انتقل الترخيص إلى لبنان..

أما الحكاية فتقول إن ماكينات إحدى المدمرات الأمريكية تعطلت خلال إحدى معارك الحرب العالمية الثانية وأصبحت المدمرة عاجزة عن الحركة.. واكتشف أحد زوارق الطوربيد اليابانية ما حدث للمدمرة الأمريكية فأصبحت بالنسبة له صيدًا سهلاً وثمينًا..

أطلق الزورق اليابانى طوربيدا على المدمرة الأمريكية وكان مقدرًا له أن يصل إلى هدفه بعد عشر دقائق..

وقف قائد المدمرة عاجزًا عن التصرف وبدا له أن المدمرة غارقة لا محالة.. وفى هذه اللحظات العصيبة قرر قائد المدمرة جمع البحارة والضباط وعرض الأمر عليهم وسماع مقترحاتهم لإنقاذ المدمرة وإنقاذ أنفسهم..

توالت الاقتراحات بسرعة.. واحد اقترح توجيه مدافع المدمرة ناحية الطوربيد ومحاولة اصطياده وتدميره قبل وصوله إلى هدفه.. واقترح آخر أن يقفز الجميع من المدمرة ويسبحوا بعيدًا عنها لكى لا يغرقوا معها.. واقترح آخر أن يستسلم الجميع لقضاء الله وأن ينفقوا ما تبقى لهم من وقت فى ابتهال لله والدعاء له بأن يغفر لهم خطاياهم..

واقترح واحد من البحّارة من صغار السن أن يقف الجميع فى الجانب المواجه للطوربيد وأن ينفخوا جميعًا بأفواههم فى وجه الطوربيد فيتحرف عن طريقه وتنجو المدمرة..

ارتفعت صيحات الغضب والاستنكار من الجميع وطالبوه بالصمت لكن قائد المدمرة كانت له وجهة نظر أخرى ورأى مخالف..

أوحى كلام البحار الصغير لقائد المدمرة بفكرة فقام بتنفيذها على الفور..

طلب القائد من البحارة جمع كل خراطيم المياه وتوجيهها فى اتجاه طريق الطوربيد مستعينًا بمضخات المياه القوية الموجودة فى المدمرة..

نفذ البحارة أوامر القائد وبالفعل تمكنت المياه المندفعة من خراطيم المدمرة من أبعاد الطوربيد عن طريقه ونجت المدمرة.. وكان الفضل فى نجاتها لفكرة بحار صغير السن ساذج.. والأهم قائد عسكرى يؤمن بأنه من الخطأ احتقار الأفكار مهما بدت صغيرة وتافهة..

والحكاية تعلمنا دروسًا لم تعلمها لنا المدرسة والجامعة.. أهم هذه الدروس أن الإنسان مهما كان صغير الشأن يمكن أن يكون مفيدًا.. بل أنه فى الحقيقة مفيد دون أن يدرك ذلك من حوله وربما دون أن يدرك هو نفسه ذلك..

الدرس الثانى أننا لا يجب أن نحتقر أفكار الآخرين مهما بدت لنا تافهة.. فإما أنها أفكار قيمة لكننا لا نستطيع إدراك قيمتها.. أو أنها فعلا تافهة وفى هذه الحالة علينا ألا نزدريها أو نحتقرها وإنما يمكن على الأقل أن نفكر فى تطويرها..

الدرس الثالث هو أهمية التواضع وفائدته.. فلو أن قائد المدمرة لم يكن يتسم بالتواضع لما سمع أصلا آراء بحارة صغار لا وجه للمقارنة بين خبرتهم وخبرته..

التواضع إذن ليس فضيلة فقط ولكنه صفة مفيدة لصاحبها وللغير..

والحقيقة أننا نستطيع أن ندرك بسهولة إذا تأملنا الحكاية ودروسها.. أن الأمم تتقدم بمثل هذه الأفكار والعلاقات.. والعكس صحيح!..

فى الأمم المتقدمة ليس هناك فارق كبير بين الأمير والخفير.. بين العامل والمهندس.. بين المدير والموظف.. بين الطبيب والممرض..

وليس هناك أحد يخجل من موقعه.. وليس هناك أحد يحتقر الآخرين بسبب موقعه.. الكل يعمل من أجل الكل.. والمجتمع فى حاجة للكل..

اسأل نفسك ماذا يمكن أن يحدث لو أن جميع الطلبة تفوقوا ودخلوا كليات الطب وتخرجوا أطباء.. هل يمكن لمجتمع كل أفراده أطباء أن يعيش ويحيا؟!.. اسأل نفسك لو أن فريق كرة القدم تحول كل أفراده إلى ميسى أو رونالدو أو محمد صلاح.. هل يمكن أن ينتصر مثل هذا الفريق ويحقق أية بطولة؟!..

بهذا المنطق لا يخجل أحد من عمله ولا يتعالى أحد بعمله!..

روى لى واحد من أقاربى وكان يعمل مهندسا بإحدى الشركات البحرية ببورسعيد أنه سافر مرة فى مهمة عمل إلى النرويج للتعاقد على ماكينات للمصنع الذى يعمل به..

المهم أن مدير المصنع النرويجى دعا قريبى للعشاء أثناء زيارته.. وعن هذه الدعوة قال لى قريبى إنه قضى سهرة ممتعة فى منزل المدير النرويجى الذى وجه الدعوة أيضا لصديق له..

ويمضى قريبى فى سرد التفاصيل فيقول قضينا نحن الثلاثة وقتا ممتعا واستمتعنا بحديث شيق وعندما تأخر الوقت استأذنت فى الانصراف وشكرت المدير النرويجى على ضيافته واتفقت وأنا أصافحه على الحضور للمصنع فى ساعة مبكرة من صباح اليوم التالى.. ثم التفت إلى صديقه وقلت مجاملا: استمتعت بالحديث معك سأبذل جهدى للمرور عليك بعد مقابلتى مع السيد المدير.. وسألته: فى أى قسم من أقسام المصنع يعمل لكننى فوجئت بمدير المصنع يقول لى: فلان لا يعمل فى المصنع.. فلان صديقى هو كنّاس الشارع الذى يقع فيه منزلى (!!!)

ولك أن تتصور بلدًا يصادق فيه المدير كنّاس الشارع.. ولك أن تتصور مجتمعا لا يفرق بين المدير وكنّاس الشارع..

هل يمكن أن نجد مثل هذه الأفكار ومثل هذه العلاقات فى مجتمعاتنا الشرقية.. مستحيل.. مع أن الدين الإسلامى يتبنى هذه المبادئ والأفكار.. فمن المبادئ التى تضمنتها خطبة النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع أن الإنسانية متساوية القيمة على أية حالة تكون وفوق أى مستوى تتربع.. قال النبى صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد.. ألا لا فضل لعربى على أعجمى ولا لعجمى على عربى.. ولا لأحمر على أسود.. ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى"..

هكذا يأمرنا النبى صلى الله عليه وسلم وهكذا يعلمنا الإسلام لا فرق بين الأمير والخفير.. بين مدير مصنع وكنّاس شارع!..

واختتم بحكاية أخرى تتفق مع نفس النسق.. حكاية العالم الشهير أيتشتاين العبقرى.. وسائقه العبقرى أيضا..

تقول الحكاية إن أينشتاين سئم تقديم المحاضرات بعد أن تكاثرت عليه الدعوات من الجامعات والجمعيات العلمية.. وذات يوم وبينما كان العالم الكبير فى طريقه لإلقاء محاضرة قال له سائقه: سيدى أعلم أنك مللت تقديم المحاضرات فما رأيك لو عرضت عليك أن أنوب عنك وألقى أنا المحاضرة بدلا منك خاصة وأن شعرى منكوش مثل شعرك وملامحى تشبه ملامحك وأنا متأكد أن الحاضرين سيصدقون أننى أينشتاين لأنى أحفظ عن ظهر قلب كل محاضراتك (!!!)

ضحك أينشتاين وأعجبته الفكرة فقام باستبدال ملابسه مع السائق!.. وفى قاعة المحاضرات وقف السائق على المنصة يتحدث وصدق الحاضرين أنه أينشتاين.. بينما جلس أينشتاين الحقيقى مرتديًا زى السائق فى الصفوف الخلفية..

وحدث أن وقف بروفيسور مغرور وطرح سؤالا من الوزن الثقيل وبدت على وجهه السعادة وهو يتصور أنه سيحرج أينشتاين.. وعندئذ ابتسم السائق المستعير لشخصية أينشتاين وقال موجها حديثه للبروفيسور المغرور.. سؤالك ساذج لدرجة أننى سأكلف سائقى الذى يجلس فى الصفوف الخلفية بالرد عليه..

وبالطبع فقد قدم (السائق) ردًا جعل البروفيسور يتضائل خجلا!..

هكذا تصرف السائق الذكى وهكذا كان عبقريا فى الرد مثل مخدومه تمامًا..

لا تتباهى إذا كنت أميرًا..

ولا تخجل إذا كنت خفيرًا!

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2