د. ناجح إبراهيم يكتب:  كنت أسيراً ( 1- 2 )

د. ناجح إبراهيم يكتب:  كنت أسيراً ( 1- 2 ) د. ناجح إبراهيم يكتب:  كنت أسيراً ( 1- 2 )

* عاجل8-1-2019 | 20:41

نشر نعيه في الأهرام والمصري والمقطم,وبكاه الأهل والأصدقاء وأقيم مأتمه الذي تحول إلي ملحمة وطنية في قريته,قست الظروف علي أهله ففجعهم بموته مع حرمانهم من جثته. كان في السجون الاسرائيلية بعد أن سقطت طائرته الحربية بالقرب من"جنين"فكأنه يجتاز برزخاً بين الموت والحياة,الموت الذي سلم به أهله،وحياته كأسير في إسرائيل لمدة عشرة أشهر. كان قائد الاسراب المصري عبد الرحمن عنان قد أعد سربه المكون من خمس طائرات في مطار العريش لضرب أحد المطارات الإسرائيلية يوم 22 مايو1948 كانت طلعته هذه هي رقم 17. قاد عنان سربه لضرب المطار الإسرائيلي,ولكن الطائرات البريطانية تعقبت الطائرات المصرية,وكانت الأحدث والأقوى,حاول عنان أن يصرف الطائرات البريطانية عن سربه لتتعقبه هو ولكنها كانت كثيرة بحيث أسقطت الطائرات الخمس المصرية. لم يكتفوا بإيجاد إسرائيل بل وساهموا في انتصارها في حرب 1948ثم تولت أمريكا هذه المسؤولية. حاول عنان الذهاب إلي القرى الفلسطينية ولكنه وقع بالخطأ في معسكر إسرائيلي يحرسه شخص يتحدث العربية,كان ينزف بقوة من قدمه ولكنه سار مسافة طويلة لم يشعر بتعب ولا ألم بعد أن أغلق الجرح بمنديل،فطاقات المعارك الايجابية تغطي علي الآلام والجراحات,إنها طاقات عجيبة . استشاط غضباً أحد آسريه من الصهاينة حينما وجد المصحف في جيبه,فأهان المصحف وبصق عليه،لم يشعر عنان بنفسه إلا وهو يسدد له لكمة قوية في وجهه,حاول الصهيوني قتله بعد أن ألجمته المفاجأة,ولكن زملاءه منعوه وسحبوا سلاحه. كان عنان يريد الموت السريع فقد كان يراه أهون عليه من التعذيب والهوان ثم القتل في النهاية,ظل يعامل أسوأ معاملة حتى جاء الصليب الأحمر مع جنود إسرائيليين وأخبروه"أنه أسير حرب"قبل ذلك كان يدوس أحدهم بحذائه علي رأسه ويضغطه في الأرض حتى يكاد يزهق روحه. كان الطعام والشراب وكل شيء سيئاً,والحجة دائماً"أننا في طور تكوين الدولة وأنت أول أسير منذ أكثر من ألفي عام" تنازعه شعوران متناقضان أحدهما الاستهانة بالحياة وعدم رهبة الموت والآخر الرغبة في النجاة والفرار من الهلاك. كل معسكرات ومؤسسات الجيش الإنجليزي منحها طواعية للصهاينة لتكون نواة للدولة الوليدة,بريطانيا أصل كل مشاكل العرب,ولحقت بها أمريكا منذ الخمسينات,لم  يفعلا سوى الانحياز الكامل لإسرائيل. كادت الوحدة القاتلة في السجن الانفرادي أن تقتل عنان معنوياً،بعد فترة طويلة جاءته أول ملابس من الصليب الأحمر,قابل في السجن جنوداً إسرائيليين من أصول مصرية بعضهم كان يعمل في شيكوريل وبعضهم تطوع في الجيش الانجليزى وهؤلاء المتطوعون ضباطاً وجنوداً كانوا النواة الأولي للجيش الإسرائيلي وعلي رأسهم موشي ديان نفسه. أدرك بمراقبته للجنود والضباط الإسرائيليين أن الصهاينة الغربيين يتسلطون علي الشرقيين وأنهم سيقودون دولة إسرائيل مستقبلاً,وصدق توقعه. علم أن زميلاً مصرياً يجاوره في السجن،علم بعدها أنه الطيار جمال سيف النصر استطاع لقائه بأعجوبة وجده كأنه شبح جائع . تدهورت صحة عنان من عدم الحركة وغياب الشمس وقلة ورداءة الطعام,طلب من طبيب السجن حقوقه كأسير حرب،نقلوه إلي معسكر"أجليل"كان قائده يهودى تركي,بعد أشهر طويلة جاء مندوب الصليب الأحمر,صور الأسرى المصريين وأرسل صورهم لمصر فكانت بمثابة الأمل المتجدد في نفوس أقربائهم وذويهم,سلم الطيارين عنان وجمال طردين من مصر،وللحديث بقية إن شاء الله. ملحوظة:حرب 1948 لا يعلم عنها معظم المصريين شيئاً رغم ما تم فيها من بطولات عظيمة،ولعل كتاب"كنت أسيراً"يشرح جانباً إنسانياً واحداً من هذه الحرب،أما الجوانب العسكرية ففيها كتب رائعة.
أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2