عاطف عبد الغنى يكتب: بومبيو فى الجامعة الأمريكية (!!)

عاطف عبد الغنى يكتب: بومبيو فى الجامعة الأمريكية (!!)عاطف عبد الغنى يكتب: بومبيو فى الجامعة الأمريكية (!!)

*سلايد رئيسى18-1-2019 | 16:01

ليس هناك وجه للمقارنة على الإطلاق بين الشخصية الدرامية التى جسّدها الكوميديان محمد هنيدى فى فيلم «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» وبين «بومبيو» وزير الخارجية الأمريكى الذى زار مصر قبل أيام، فالشخصية الأولى تعكس أخلاقًا وقيمًا مصرية، وصعيدية نبيلة أهمها الصدق والشهامة والمروءة، لكن ثمة تشابه بين الشخصيتين «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» و «بومبيو» الذى ألقى خطابًا فى الجامعة الأمريكية يوم 10 يناير، ويتمثل هذا التشابه فى أن كليهما، يتقمص شخصية درامية لا تعكس حقيقته، أمام الكاميرات والميكروفونات.

(1)

دعونى أقتبس عبارة قالها «بومبيو» فى ثنايا خطابه الطويل، فحكم بها على نفسه، قال: « ليس من السهل التعرف على الحقيقة لكن عندما نراها يجب أن نتحدث عنها»، وعملا بنصيحة السياسى الأمريكى صاحب الخلفية الاستخباراتية، (المدير السابق للمخابرات المركزية CIA) سوف نتحدث بالحقيقة التى نعرفها عن خبرة وتجربة، وعن الواقع الذى نراه، والذى يخالف ما ورد فى خطابه الطويل

(2)

فى خطابه أفصح «بومبيو» بشكل صريح عن عقيدته الدينية، وليس كل من حضر فسمع وأنصت أو قرأ الخطاب سوف يفهم ما وراء عبارة مثل: «نحن جميعًا أبناء إبراهيم: مسيحيين، مسلمون ويهود.. فى مكتبى، أحتفظ بالكتاب المقدس مفتوحًا ليذكرنى بالله وكلمته، وبالحقيقة».

هذا ما قاله بومبيو وهو لم يكذب فيه، بل على العكس يؤكد ما لا يعرفه الملايين على هذا الكوكب، من النخب قبل العوام، وهى انتماء «بومبيو» وغيره من السياسيين والمتنفذين الأمريكيين - الذين يسيّرون دفة الحكم، الآن، وخلال الأحقاب الأخيرة - للكنيسة الأصولية الإنجيلية، وتفسير هؤلاء الأتباع الخاطئ لأحد أسفار الكتاب المقدس الذى يقودهم إلى حتمية إقامة المعبد الثالث اليهودى على أنقاض المسجد الأقصى ليحدث الخلاص ويأتى السيد المسيح عيسى بن مريم – سلام الله عليه – إلى الأرض التى تدخل فى عهد سلام لمدة ألف سنة (عقيدة الألفية)، هذه العقيدة التى ترفضها الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، والكاثوليكية وكثير من كنائس الإنجيليين، لكن يؤمن بها عشرات الملايين الآن فى أمريكا، كما آمن بها عدد من الرؤساء السابقين، وتيار سياسى عريض يدعى «المحافظون الجدد» هؤلاء جميعهم، يدعمون على خلفية إيمانهم العقيدى هذا، المشروع الصهيونى الإسرائيلى دعمًا أعمى.

ويؤسس هؤلاء الأصوليون استراتيجيتهم بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط والصراع العربى – الإسرائيلى، والقضية الفلسطينية بما يتفق وهذا الهدف، بأى شكل وبأى كلفة، والحقيقة – التى لا يراها بومبيو ونراها نحن – هى أننا بصدد توظيف دينى لعقيدة سياسية، ولا يفرق هذا كثيرًا عن توظيف داعش والقاعدة لفكرهم الإرهابى بدعوى إقامة الخلافة الإسلامية، فإسرائيل أيضا تؤسس لخلافة يهودية يحكمها فيها ملك مقدس تنتظره منذ آلاف السنين، حسب العقيدة اليهودية، ومن مملكتها هذا تنطلق لتحكم العالم، سمها أساطير، أو سمها ما شئت لكن هذا واقع لا يمكن أن نغمض عينينا عنه لأن خطورته سوف تطولنا إن لم يكن اليوم فغدا القريب أكثر مما نظن، بومبيو، المسيحى الإنجيلى المشهور، فى خطاب ألقاه فى ولاية كنساس قبل ثلاث سنوات قال: «إنه صراع لا نهاية له، صراع حتى القمة، كن جزءًا من ذلك الصراع، كن فى قلب المعركة»، أما «بومبيو» رجل المخابرات والسياسة فقد استهل خطابه الأخير الذى ألقاه فى الجامعة الأمريكية متجملاً بحديث المشاعر فبدا وكأنه قس أمريكى يلقى عظته الأسبوعية أمام مجموعة جاءت لتصلى للرب، ثم انتقل فى خطابه إلى تذكرة جمهور الحضور الطيبين بأننا جميعًا أبناء الديانات الثلاثة ننتمى إلى شجرة إبراهيم سلام الله عليه، وهذه حقيقة لا ينكرها المسلمون ولا المسحيين، ولا تنكرها عقيدة أبناء الديانتين، أو يوظفونها على غير ما يعتقدون.

ما قاله أيضا «بومبيو» فى خطابه الطوباوى ولم أصدقه فيه هو إن «أمريكا هى قوة للخير فى الشرق الأوسط».

لقد ذكرّنى كلام وزير الخارجية الجمهورى بوعود وعهود كونداليزا رايس وهيلارى كلينتون، والرئيس أوباما الديمقراطيين.

لقد ورد فى كلام «بومبيو» إشارات سلبية واضحة عن أوباما دون أن يذكره بالاسم، وأشار إلى خطاب الأخير فى جامعة القاهرة الذى ألقاه قبل ما يقرب من 10 سنوات، والذى وعد فيه العالم الإسلامى، ببداية جديدة للعلاقة مع أمريكا بعد حقبة بوش الابن،  التى تخلت فيها أمريكا عن قيمها العليا بعد تفجيرات 11 سبتمبر.. (حسب قول أوباما)، وقد رأى بومبيو أن ما سبق كان تقديرات خاطئة من أوباما وإدارته، وترتب عليها نتائج سيئة للغاية، وواصل مؤكدا أن الإدارة الأمريكية الحالية جاءت لتصلح ما أفسدته إدارة الرئيس الديمقراطى السابق أوباما..

هل مطلوب منا أن نصدقه؟!

الحقيقة التى يعرفها الجميع هى أنه لا فرق بين إدارات جمهوررية وديموقراطية أمريكية إلا فى أساليب العمل فقط، أما الأهداف والاستراتيجيات فواحدة، وما تراه النخب الأمريكية، من المنتمين لحزب بومبيو وترامب قبل حزب أوباما هو أن المعارك الأمريكية فى الشرق الأوسط جزء من حرب كبيرة، حرب الخير ضد الشر.

(3)

والآن إدارة ترامب تحشد العالم كله ونحن العرب جزء منه، ضد إيران، هذا معلن ومعروف للجميع، لكن التصعيد الأمريكى ووصوله إلى الدرجة الحالية من السخونة، السبب الأساسى والأول فيه هو رغبة إسرائيل المستعرة للخلاص من كابوس إيران، أما مصالح العرب والمسلمين السُنّة فى هذا الصدد فلا تساوى عند أمريكا ما تحاول أن تقنعنا به، وهو أنها تحمى حلفاءها العرب فى المنطقة من شر إيران، ويتماس مع الملف الإيرانى ملفا آخر تسير أمريكا فيه بخطى غير مسبوقة لإنجازه وهو تصفية القضية الفلسطينية من خلال ما تسميه «صفقة القرن»، وإنجاز هذه الصفقة يستلزم أولا التخلص من التهديد الإيرانى المحتمل لإسرائيل هذا الكابوس الذى يقض مضجع نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى وكثيرين غيره فى إسرائيل.

(4)

ونحن فى مصر ودول مجلس التعاون الخليجى – فيما عدا قطر – ندرك تمام الإدراك خطورة نظام الملالى الذى يحكم إيران وسعيه الذى لا ينقطع إلى مد أذرع أخطبوطية له وعسكرتها، لتصدير ما يسمى الثورة الإسلامية ونشر المذهب الشيعى فى كل مكان تستطيع الوصول إليه حتى قلب القارة الأفريقية، لكن أن تسعى الدبلوماسية الأمريكية لتبيع «التروماى» للعرب، وتحشدهم فى معركتها ضد إيران لتلتفت بعد ذلك لتنفيذ «صفقة القرن» حسب حلم الصهاينة «المسيانى» الذى لا يعنى فى النهاية إلا تصفية القضية الفلسطينية، فهذا أمر شبه مستحيل، حتى ولو ظن البعض أن مقاومة العرب تنهار وهذا غير صحيح على الإطلاق، ورهانى أن العكس هو الصحيح.

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2