إسماعيل منتصر يكتب:«خواطر حرة جداۛ» تعلمــوا كيف تتعلمــوا !

إسماعيل منتصر يكتب:«خواطر حرة جداۛ» تعلمــوا كيف تتعلمــوا !إسماعيل منتصر يكتب:«خواطر حرة جداۛ» تعلمــوا كيف تتعلمــوا !

*سلايد رئيسى22-1-2019 | 19:45

هذه حكاية عمرها 80 عامًا.. بطلها هو الأستاذ محمود الغزاوى – رحمه الله – وكان آخر منصب رسمى له هو رئيس البعثة التعليمية المصرية فى دولة البحرين.

أعرف بطلنا بُحكم القرابة وقد روى لى الحكاية بخفة ظله التى كان مشهورًا بها..

وتقول الحكاية إن الطالب محمود الغزاوى تقدم لامتحان الكفاءة فى عام 1928 وكانت آماله وأحلامه أن يكون من المتفوقين لكى يحصل على مجانية التعليم..

قُرّأ بطلنا ورقة أسئلة امتحان اللغة العربية فوجد أن السؤال الخاص بمادة التعبير أو الإنشاء يطلب من التلاميذ اختيار موضوع من اثنين وكتابة موضوع التعبير عنه..

كان الموضوع الأول المطلوب الكتابة فيه هو الشرطى أو رجل البوليس ودوره فى حماية المجتمع.. أما الموضوع الثانى فكان عن فضل الأحدوثة فى رقى الأمم..

لم يتردد بطلنا فى اختيار الموضوع الثانى وكان تقديره أن الغالبية العظمى من التلاميذ ستختار الموضوع الأول لسهولته ومن ثم فإن اختياره الموضوع الثانى يمكن أن يكون محل تقدير وإعجاب المصحح فيمنحه درجة عالية تساعده على التفوق والحصول على المجانية..

شَمّر بطلنا عن ساعديه وأمسك بقلمه وراح يكتب بمهارة عن فضل الأحدوثة فى رقى الأمم..

انتهى بطلنا من كتابة الموضوع وراح يراجعه بدقة قبل تسليم ورقة الإجابة وخرج من لجنة الامتحان راضيًا عن نفسه واثقًا من نجاحه وتفوقه..

كانت المفاجأة الصادمة للطالب محمود الغزاوى أنه عرف أن معنى كلمة الأحدوثة هو الذكرى بينما تصور هو أن معناها الحديث..

كان معنى ذلك أنه سيحصل على صفر فى مادة التعبير لأنه كتب موضوعًا لا يمت بصلة للموضوع المطلوب..

وحدث ما توقع فقد ظهرت النتيجة وعرف أنه راسب فى مادة اللغة العربية..

قرر بطلنا أن يدخل امتحان الملحق فى مادة اللغة العربية خاصة وأنه نجح فى باقى المواد الدراسية وحصل فيها على درجات عالية.. لكن الصدمة الحقيقية أنه فوجئ بقرار وزير التعليم وكان أيامها هو أحمد لطفى السيد يلغى نظام الملحق..

اسودت الدنيا فى عينه بعد أن عرف أنه سيقوم بإعادة السنة من جديد والامتحان فى كل المواد.. والتى حصل فيها بالفعل على درجات عالية..

فكّر بلطلنا طويلا وقال لنفسه مستحيل أن يكون خطأ فى معرفة معنى كلمة الأحدوثة سببًا فى ضياع مستقبلى..

ماذا أفعل بهذه "الأحدوثة" اللعينة وكيف أتعامل مع قرار الوزير الظالم؟

فجأة لمعت الفكرة فى ذهنه فلم يتردد لحظة ولم يتأخر فى تنفيذها.

كتب بطلنا شكوى باسم والده وقام بتوزيعها على كل الصحف التى كانت تصدر فى ذلك الوقت، ثم قام بعد ذلك بالسفر إلى عدد غير قليل من المدن المصرية.. الإسكندرية، طنطا، أسوان، المنصورة، دمياط، وغيرها.. وفى كل مدينة كان ينشغل بكتابة الشكاوى بأسماء وهمية وإرسالها إلى الصحف المصرية..

فوجئت الصحف بسيل من شكاوى أولياء الأمور ينهال عليها ويطالب أصحابها الوزير أحمد لطفى السيد بإعادة النظر فى قرار إلغاء نظام الملحق..

اهتمت الصحف بنشر الشكاوى واعتبرتها وسيلة لزيادة التوزيع حيث تصور القائمون على هذه الصحف أن أصحاب الشكاوى سيهتمون بشراء الصحف التى تنشر شكواهم.. وهكذا استطاع الطالب محمود الغزاوى بمفرده وبفكرته العبقرية أن يحول قرار الوزير بإلغاء نظام الملاحق إلى قضية رأى عام..

وحدث ما توقع بطلنا فقد استجاب الوزير لضغط الرأى العام وتراجع عن قراره دون أن يعرف أنه لم يستجيب إلا لطالب واحد اسمه محمود الغزاوى..

وجاءت النهاية السعيدة للقصة فقد دخل بطلنا امتحان الملحق فى مادة اللغة العربية وحصل على درجة عالية أضيفت إلى درجاته فى باقى المواد فنجح بتفوق وجاء ترتيبه السادس على القطر المصرى (!!)

وآخر ما استهدفه من هذه الرواية هو تسلية القارئ ولكننى أردت أن أدلك بها على مستوى الطلاب أيام زمان وعلى العملية التعليمية كلها.

السؤال الذى لابد أن نطرحه جميعًا على أنفسنا: لماذا تأخر التعليم فى مصر ووصل إلى درجة الفضيحة؟

استخدام تعبير فضيحة هنا يشبه تعبير الرجل المناسب فى المكان المناسب..!

فالكلمة المناسبة لوصف العملية التعليمية فى مصر هى الفضيحة!..

انظر إلى ناتج العملية التعليمية الآن.

روى لى الأستاذ أنيس منصور – رحمه الله – أنه كان يومًا ضمن لجنة اختيار المذيعين والمذيعيات الجدد فسمع العجب!

سأل الأستاذ أنيس إحدى المتفوقات لامتحان الإذاعة وكانت خريجة كلية السياسة والاقتصاد.. سألها عن المسافة التى تفصل القاهرة عن الإسكندرية فقالت له بكل ثقة 800 كليومتر يا أستاذ!

اندهش الأستاذ أنيس منصور وقال لخريجة السياسة والاقتصاد.. وكم تستغرق الرحلة من القاهرة إلى الإسكندرية.. فأجابت: ساعتين يا أستاذ!

قال لها الأستاذ أنيس معنى ذلك يا آنسة إن السيارة التى تسافرين بها تسير بسرعة 400 كيلومتر فى الساعة.. هل هذا معقول؟

وضحكت خريجة السياسة والاقتصاد وقالت: آسفة يا أستاذ أنا فعلا أخطأت الإجابة.. المسافة ليست 800 كيلومتر ولكنها 700 كيلومتر فقط (!!!)

وجاء الدور على خرّيج كلية الآداب وسأله الأستاذ أنيس عن عدد الدول العربية فصمت لحظات ثم بدأ يعدد للأستاذ أنيس أسماء الدول العربية.. مصر، سوريا، ليبيا، السعودية، بعدها سكت وبدا وكأنه عاجز عن التذكر.

قال له الأستاذ أنيس على سبيل الدعابة.. والكونغو ونيجيريا!

وضحك خريج الآداب بخجل وقال: أيوه يا أستاذ.. الكونغو ونيجيريا وغانا (!!!)

الأعجب من ذلك كله كما قال لى الأستاذ أنيس خريجة العلوم التى سألها: ماذا تعرفين عن القائد صلاح الدين الأيوبى ففوجئ بها تقول: أعرف أن اسمه الحقيقى أحمد مظهر (!!!)

مرة أخرى ليس المقصود من هذه الرواية هو تسلية القارئ وإنما أدلل بها على انحدار العملية التعليمية التى تنتج مثل هذا المستوى من خريجى الجامعات.

ونعود إلى السؤال المطروح: لماذا تأخر التعليم فى مصر ووصل إلى درجة الفضيحة؟!

كما هو معروف فإن العملية التعليمية ترتكز على ثلاث ركائز أساسية.. المدرسة والمدرس والمنهج.

بالنسبة للمدرسة لابد أن نعترف أن هناك نقصًا شديدًا فى عدد المدارس التى تحتاجها العملية التعليمية.. يكفى أن تعرف أن هناك فصولاً مدرسية يجلس فيها خمسة تلاميذ على مقعد.

وبالنسبة للمُدرس فلابد أن نعترف أن المدرس غير مؤهل تعليميًا وتربويًا بالشكل الصحيح.. كما أن العائد المادى الذى يحصل عليه المدرس قليل جدًا.. فنحن نتظاهر بأننا نعطيه حقه.. والنتيجة أنه يتظاهر بأنه يقوم بدوره ويعلم أبناءنا.

وليس خافيًا أن المشكلة سواء بالنسبة للمدرسة أو المدرس هى مشكلة مادية.. مشكلة اعتمادات مالية.. وهى مسئولية الحكومة وليس فى استطاعة أحد غيرها حل هذه المشكلة.. أما بالنسبة للمنهج فلا أظن أنها مشكلة مادية وإنما هى مشكلة عقلية ولابد أن نعترف أن مناهجنا الدراسية فى حاجة ماسة للتطوير.. إن أردت الحقيقة فهى تحتاج لأن تنسف حمّامك القديم!

سمعت مرة وزير التعليم الأسبق الدكتور حسين كامل بهاء الدين – رحمه الله – يقول: إن الروس تفوقوا على الأمريكان فى بداية تنافسهما على ارتياد الفضاء.. وقد سبّب ذلك انزعاجًا شديدًا للأمريكان، فماذا فعلوا؟!

قال الدكتور حسين كامل بهاء الدين إن الأمريكان قاموا بمراجعة مناهج المرحلة الابتدائية وقاموا بتغييرها.. لماذا؟! لأنهم أدركوا أن التفوق يبدأ من الصغر.

وليس خافيًا أن مناهجنا الدراسية تعتمد على حفظ الطالب وتلقينه.. وأن الوقت جاء لكى نغير هذه المناهج لكى نعلم أبناءنا التفكير والإبداع والاستنتاج.. والتفوق.

ليس لهذا البلد مستقبل إلا إذا كان للتعليم أولوية.. ليس لهذا البلد مستقبل إلا إذا تعلمنا كيف نتعلم (!!!)

 

    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2