د. ناجح إبراهيم يكتب: الثوار والناس.. ضياع الامتنان

د. ناجح إبراهيم يكتب: الثوار والناس.. ضياع الامتناند. ناجح إبراهيم يكتب: الثوار والناس.. ضياع الامتنان

*سلايد رئيسى29-1-2019 | 20:44

رفض الإمام الحسين مبايعة يزيد، فجاءته آلاف البيعات فبلغت 14 ألف بيعة من أهل الكوفة يدعونه للثورة علي يزيد ويستحثونه في القدوم إليهم، فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل، وفي المقابل أرسل عبيد الله بن زياد الأموى من يخذل الناس علي الحسين ومسلم، فانتفض الجميع عن مسلم حتى أنه لم يجد من يدله علي الطريق أو يؤويه,ولما دخل أحد البيوت أبلغوا عنه فقبض عليه وضربوه ضرباً شديداً. 14 ألف مبايع لا يجد بينهم نصيراً واحداً، بكي ابن عقيل فقيل له:إن من يطلب ما تطلب"أي الثورة والحكم"لا يبكي إذا نزل به ما نزل بك، فقال: لا أبكي علي نفسي، ولكن علي الحسين الذي سيقدم إليكم مع أهله.

وقد أرسل ابن عقيل رسالة إلي الحسين قبل القبض عليه يحذره من القدوم: ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي تمني فراقهم,ولكن الحسين لم يصدق الرسالة،قتلوا ابن عقيل. لما رأى الصحابة تصميم الحسين علي الثورة والخروج حاولوا إثنائه دون جدوى,حاول معه ابن عباس وكان مثل أبيه خبيراً بالشعوب فقال"ابن عم,أهل العراق قوم غدر فلا تقترن بهم، أقم في بلدك حتى يعزلوا قادتهم ثم اقدم عليهم ولا تسر بأهلك وأولادك فإني أخاف عليك أن تقتل بين نسائك وأولادك مثل عثمان بن عفان".

أما ابن عمر فقال له"إن الله لن يجمع لكم النبوة والملك،وأنها ما زويت عنكم إلا لخيركم، والله ما يليها أحد منكم"وكأنه عبقرى مثل أبيه يستشرف المستقبل كله،فلما أصر الحسين علي رأيه عانقه باكياً"استودعك الله من قتيل". ونهاه كذلك أبو سعيد الخدرى وأبو هريرة وجابر بن عبد الله الذي قال له"في القتال تستعلي أمة علي أمة، ولا يجوز لآل البيت أن ينزلوا بأنفسهم منازل الهوان"وقال له"لا تضرب الناس بعضهم ببعض". كل هذه المحاولات المخلصة تكسرت تماماً أمام إصرار الإمام علي الثورة،فلما قدم الكوفة علموا بمقتل ابن عقيل,أصر أشقاؤه علي الثأر أو الموت.

لم يجد الحسين نصيراً واحداً من الـ 14 ألف مبايع،تبخروا جميعاً، فقال في أسي "خذلتنا شيعتنا فمن أحب الانصراف منكم كان فلينصرف" فبقي معه أهله وقومه الذين قتلوا جميعاً باستثناء النساء وزين العابدين ابنه لأنه مريضاً ولم يخرج للقتال. استشهد الحسين تاركاً دروساً كثيرة يضيق المقام عن بسطها ولكن أهمها هو خذلان هذه الآلاف له وتخليهم عنه.

أما جيفارا الذي ذهب إلي بلاد كثيرة لمساندة ثورات الشعوب فقد سلمه إلي قاتليه راعي غنم,فلما سألوه عن سبب تسليمه قال:كانت حربه مع الجنود تزعج أغنامى". أما محمد كريم قائد المقاومة الشعبية ضد الحملة الفرنسية في الإسكندرية رغم ضعف إمكانياتها فقد قبض عليه إلا أن نابليون أعجب بشجاعته وأبقاه حاكماً للمدينة مع مساعده كليبر,ولكنه أبي إلا المقاومة للمستعمر فحكم عليه بدفع فدية قدرها 30 ألف ريال خلال يوم واحد وإلا أعدم,فذهب إلي تجار المدينة فرفضوا أن يعاونوه ويساعدوه في دفع الفدية فحزن لذلك ورفض دفع الفدية وأعدم رمياً بالرصاص. الثوار في كل ذلك لا امتنان لهم,ولا يحفظ أحد جميلهم، ولا يذكرهم الكثيرون في زمانهم,وعادة ما يتخلى الناس عنهم، الثوار يباعون بثمن بخس كما بيع يوسف بدراهم معدودة,وكما باع العراقيون الحسين ورسوله مسلم بن عقيل فلم يجدوا أحداً ينصرهم. التاريخ مخملي جميل ولكن الواقع الذي يعيشه الثائر المخلص أليم,والامتنان بين الناس قليل حتى للذين يريدون خيرهم وبرهم,الثائر مثل اللاجئ يباع ويشترى,الثائر المخلص يضحي ولا ينال شيئاً,فالثورات يقفز عليها الأفاقون والمنافقون ويجنى ثمرتها الانتهازيون، ويقتل من أجلها الشرفاء من الفريقين.

    أضف تعليق

    إعلان آراك 2