إسماعيل منتصر يكتب: « خواطر حرة جدًا».. أساتذة الصحافة والمقالب

إسماعيل منتصر يكتب: « خواطر حرة جدًا».. أساتذة الصحافة والمقالبإسماعيل منتصر يكتب: « خواطر حرة جدًا».. أساتذة الصحافة والمقالب

*سلايد رئيسى6-2-2019 | 13:26

يعمل الصحفى 24 ساعة فى الـ 24 ساعة.. لا يعرف الراحة ولا يستمتع بإجازة.. فمهمة الصحفى أن يلاحق الأخبار ويطارد الأحداث.. والأخبار لا تأخذ إجازة، والأحداث لا تعرف الراحة ولا تحصل عليها، وهل يستطيع الصحفى إذا كان فى إجازة أن يترك خبرًا يفلت منه لأنه فى إجازة؟ هل يطلب من الأحداث أن تتوقف وتنتظر حتى ينتهى وقت راحته؟.

ثم إن مهنة الصحفى هى بالفعل مهنة البحث عن المتاعب كما يقول أساتذة الصحافة.. فالصحفى الذى يبحث عن الحقيقة يفتح على نفسه عشرات الأبواب التى تدخل منها المتاعب بمنتهى السهولة..

أضف إلى ذلك كله أن الصحفى يعيش حياته تحت ضغوط عصبية ونفسية.. يحدث ذلك كلما أراد الصحفى أن يحصل على خبر أو ما يطلق عليه الصحفيون اسم السبق الصحفى، ويحدث ذلك إذا حصل الصحفى على هذا السبق واضطر للانتظار حتى ينشر فيخاف أن ”يلطشه” منه صحفى آخر.. ويحدث ذلك حتى بعد النشر عندما تتوالى ردود الأفعال.. والتى أحيانًا ما تكون غاضبة رافضة.

باختصار يعيش الصحفى حياة شاقة جافة لا يخفف منها إلا الضحكة.. والضحكة نكتة إذا لم يجدها الصحفى يصنعها.. وأسهل طريقة لصنع النكتة تدبير مقلب.

ولهذه الأسباب يتفنن الصحفيون فى تدبير المقالب لبعضهم ولغيرهم.. المهم أن يضحكوا ويستعينوا بهذه الضحكات على مهنتهم، وقد سمعت من كبار الصحفيين وأساتذة الصحافة الكثير عن هذه المقالب لدرجة أننى فكّرت يومًا أن أكتب كتابًا عن أشهر مقالب الصحفيين، ولا تزال الفكرة تدور فى رأسى وإن كانت الأحداث المتلاحقة قد فرضت علىّ أن أعتبر هذا الكتاب مشروعًا مؤجلاً.

وأختار من هذه الحكايات اثنين سمعتها من الأستاذين الكبيرين أنيس منصور – رحمه الله – وصلاح منتصر أطال الله عمره.

وتقول الحكاية الأولى: إن الأستاذ أنيس منصور وكان أيامها يشغل منصب رئيس تحرير مجلة آخر ساعة.. قام بالسفر فى مهمة عمل للخارج وقبل سفره قام بتدبير مقلب لزميله المسئول عن قسم التحقيقات الصحفية وذلك بمساعدة زميل ثالث.

كانت مصر مشغولة أيامها بافتتاح مشروع السد العالى وكان من الطبيعى أن تهتم الصحف والمجلات المصرية ومنها بالطبع مجلة آخر ساعة بهذا الحدث.

استطاع الزميل الثالث الذى كلّفه الأستاذ أنيس منصور بتدبير المقلب، استطاع إقناع الضحية المسئول عن قسم التحقيقات الصحفية بأن الحكومة قامت بإعداد مفاجأة من العيار الثقيل بمناسبة الاحتفال بافتتاح مشروع السد العالى.

قال الزميل الثالث للضحية وكأنه يحكى له سر من أسرار الدولة: إن الحكومة ستقوم بنقل أحد أهرامات الجيزة إلى أسوان لكى يظهر إلى جانب السد العالى باعتباره هرمًا رابعًا بناه أحفاد الفراعنة.

ولسبب ما صدق الضحية مسئول قسم التحقيقات الصحفية رواية الزميل الثالث فاتخذ قرار بتأخير صدور مجلة آخر ساعة لحين وصول صور الحدث العظيم.. الأهرام إلى جانب السد العالى.

عرف الأستاذ مصطفى أمين بحكاية تأخير طبع مجلة آخر ساعة فاستدعى مسئول قسم التحقيقات الصحفية أو الضحية باعتباره نائبًا للأستاذ أنيس منصور المسافر إلى الخارج، وسأله عن سبب التأخير فقال له الضحية فى انتظار سبق صحفى سيهز الدنيا.

سأل الأستاذ مصطفى أمين باهتمام عن هذا السبق فحكى له الضحية حكاية نقل الأهرام إلى أسوان،

وعرف كل الصحفيين يومها بالحكاية عندما شاهدوا مصطفى أمين يجرى وراء الضحية محاولًا أن يضربه ” بالشلوت”.

ولا يجب أن يغرى الضحية القراء بالتعاطف معه فقد تحول بعد ذلك إلى أستاذ مقالب وأصبح مشهورًا بأنه شرير الصحافة المصرية.

سافر هذا الشرير يومًا إلى المغرب ممثلاً لمجلة آخر ساعة فى مهمة عمل صحفية ومعه زملاؤه من جريدة الأخبار وجريدة أخبار اليوم، وبعد أن انتهوا جميعًا من كتابة رسائلهم الصحفية تبرع صاحبنا الشرير بتوصيل الرسائل إلى المطار وإرسالها إلى القاهرة عن طريق إحدى طائرات مصر للطيران، وكان ذلك هو الأسلوب المتبع قبل اختراع الفاكس والكمبيوتر بعد ذلك.

المهم أن صاحبنا الشرير تسلم من زميليه مندوب الأخبار ومندوب أخبار اليوم الموضوعات التى قاموا بكتاباتها، وفى الطريق إلى المطار قام بانتزاع الصفحة الأولى التى تحمل أسماءهما وكتب بدلًا منها اسمه.

وعندما انتهت المهمة وعاد الجميع إلى القاهرة فوجئا بأن موضوعاتهما قد نشرت باسم الشرير وليس بأسمائهما،

وهكذا صدرت الصحف الثلاثة (الأخبار وأخبار اليوم وآخر ساعة) تحمل مواضيع مختلفة عن المهمة الصحفية وكلها موقعة باسم صاحبنا الشرير.

الغريب أن زملاء الشرير تقدما بشكوى للأستاذ مصطفى أمين فقام بمنح الشرير مكافأة ضخمة لأنه من وجهة نظر الصحفى الكبير.. صحفى شاطر.

ويروى الأستاذ صلاح منتصر الحكاية الثانية فيقول: إنه سافر يومًا إلى لندن فى مهمة عمل وكان أيامها يشغل منصب مدير تحرير جريدة الأهرام.

ويستطرد الأستاذ صلاح منتصر فيقول: إن مصر أيامها كانت مشغولة بموضوع جائزة صدام حسين التى كان يمنحها للأدباء، خاصة بعد أن تسربت أنباء عن أن صدام حسين قرر منح الجائزة للأديب المصرى الشهير يوسف إدريس مناصفة مع أديب عربى آخر.

ويبدو أن حكاية مناصفة الجائزة قد أغضبت يوسف إدريس فأعلن فى الصحف المصرية أنه يرفض الجائزة،

ويقرر الأستاذ صلاح منتصر وهو فى لندن أن يتسلى ويضحك ويستثمر حكاية الجائزة فى تدبير مقلب لصديقه العزيز جدًا يوسف إدريس.

كان الأستاذ صلاح منتصر بارعًا فى تقليد الآخرين فاتصل بيوسف إدريس من لندن وأوهمه أن المتصل هو الرئيس صدام حسين.

قال الرئيس صدام المزعوم ليوسف إدريس: إنه قرر أن يمنحه الجائزة بكاملها وبدون مناصفة مع أحد، وطلب منه أن يتوجه إلى السفارة العراقية فى القاهرة للحصول على تأشيرة وتذكرة السفر إلى بغداد.

استخدم يوسف إدريس كل بلاغته فى التعبير عن شكره وامتنانه للرئيس صدام حسين وقبل أن تنتهى المكالمة طلب صدام المزعوم من يوسف إدريس أن يصطحب معه صلاح منتصر.

انتهت تمثيلية صدام وغرق صلاح منتصر ومن معه فى الضحك وهم يتصورون رد فعل يوسف إدريس عندما يذهب للسفارة العراقية ويكتشف الخدعة، وتروح السكرة وتجىء الفكرة كما يقولون..

قال صلاح منتصر لنفسه: إن الأمور يمكن أن تتطور إلى مالا يحمد عقباه إذا ذهب يوسف إدريس إلى السفارة وتسربت القصة إلى الصحف.

قرر صلاح منتصر أن يتصل فورًا بصديقه يوسف إدريس ويوضح له حقيقة المقلب، وجرت المحادثة التليفونية بين الاثنين على النحو التالى..

ألو.. أنا صلاح منتصر يا يوسف.. أنت فين يا صلاح؟.. اسمعنى يا يوسف.. اسمعنى أنت يا صلاح الرئيس صدام اتصل بى وطلب أن تسافر  معي إلى العراق ..مفيش صدام يا يوسف، أنا اللى اتصلت بيك.. (.. .. ..).. رحت فين يا يوسف؟ بقولك أنا اللى اتصلت بيك”.

ويسمع صلاح منتصر صوت التليفون وهو يغلق بعنف، وتنتهى المهمة فى لندن ويعود صلاح منتصر إلى القاهرة وتمر الأيام، وفى إحدى المناسبات يلتقى الأستاذ صلاح منتصر بالدكتور مصطفى الفقى الذى كان أيامها يشغل منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، يفاجأ صلاح منتصر بمصطفى الفقى يسأله: ماذا بينك وبين يوسف إدريس؟

ولا حاجة ليه يا فندم؟..

اتصلت به تليفونيًا ودعوته للحضور إلى مكتبى فإذا به يصرخ فى وجهى..

اسمع يا صلاح يا منتصر.. بطّل حركاتك الـ (…..) ديه.. والله العظيم لو مبطلتهاش هاعرفك شغلك”..

ويغلق مصطفى الفقى الخط دون أن يعرف سبب ثورة يوسف إدريس، ويبدى صلاح منتصر دهشته من رواية مصطفى الفقى وهو يكتم ضحكته.

وحتى اليوم لا يعرف مصطفى الفقى سبب التصرف العجيب ليوسف إدريس، ولا يعرف أنه كان ضحية أحد مقالب صلاح منتصر.

كان زمنًا جميلًا، وكان رجاله أساتذة وعباقرة فى كل المجالات حتى فى المقالب.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2