احتار فى وصفه كثيرون فقالوا عنه إنه: "بوصلة المرء" و "جرس إنذار" و "شعاع من نور يتلألأ فى أعماق النفس الإنسانية" و"شمعة فى قلب كل إنسان- ربما تؤلم حرارتها قليلاً لٰكنها تُنير الطريق" ، إنه "الضمير."
وماأحوجنا هذه الأيام إلى «صحوة ضمير» أو تأنيب الضمير، أو وخزة الضمير، يحاسب بها كل فرد منا نفسه، ويسأل ماذا قدم لنفسه ومجتمعه ووطنه من نفع وفائدة؟! وماالذى قصر فيه وانعكس عليه وعلى مجتمعه ووطنه بالضرر والإساءة ؟!
فحين يموت الضمير يُصبِح كل شئ مباح : كلام الزور، الخيانة، القتل والسكوت عن الحق والساكت عن الحق شيطان أخرس - فالضمير رفيق لا تستطيع التنصل من مصاحبته فى مسيرة الحياة.
تعنى كلمة "ضمير" ـ وَفقًا لـ"مُعجم المعانى الجامع": استعداد نفسى لإِدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأَقوال والأَفكار، والتفرقة بينها، واستحسان الحَسن واستقباح القبيح منها، ويُقصد بـ"الضَّمير المِهنىّ": ما يُبديه الإنسان من استقامة وعناية وحرص ودقة فى قيامه بواجبات مهنته، أما عن "تأنيب الضمير" أو "عذاب الضمير" أو "وَخْز الضمير"، فيُقصد به شعور الفرد بالعذاب أو بالندم لقيامه بخطأ ما نتيجة سُلوكه، ويُطلق على الإنسان الصادق الأمين أنه "حى الضمير" أو "ذو ضمير يقظ"؛ ونقيضه الشخص الذى يأتى بأعمال دون وازع سليم من ضميره يُسمى "فاقد الضمير" أو "معدوم الضمير"، أيضًا يعرَّف "الضمير الإنسانىّ" بأنه: مشاعر فى نُفوس البشرية جمعاء، تهتدى إلى مبادئ الأخلاق بعفوية وتِلقائية، وتقف إلى جانب المظلومين أو المستضعَفين.
يتأثر ضمير الإنسان بالبيئة الثقافية، والسياسية، والاقتصادية التي يعيش بها، وكلما اقترب داخل الإنسان من الضمير أصبح لديه تصوراً أعلى لهذه المفاهيم.
ويحدد الضمير درجة نزاهة الفرد، وهو أعلى سلطة في الفرد؛ فهو يقيّم المعلومات التي يتلقاها الإنسان، ثم يحدد طبيعة التصرف إن كان خيراً أو شرا.
الضمير مركَّب من الخبرات العاطفية، مؤسَّس على فَهم الإنسان لتلك المسئولية الواقعة على عاتقه إزاء مجتمعه وتقديره لما يقوم به من سُلوك نحو الآخرين، والضمير ينشأ ويُبنى من خلال وضع الإنسان فى المجتمع وما يمر به من ظروف فى نشأته وبيئته، وهو جهاز نفسى داخل الإنسان يتأثر بتقييم الفرد لنفسه أو تقييمات الآخرين له؛ ويكون هٰذا التقييم للشخصية كلها لا لجانب منها
والضمير شيء حسي بداخل القلوب فعندما يغرق القلب بالظلمات والتكبر والغرور والانخداع تعلو الأنا والشهوات على صوت الضمير ويصبح صوت الضمير يكاد يكون منعدما.
إن إغراءات المكاسب الحرام قوية وشديدة ومقاومتها تحتاج إلى عزيمة الرجال وإيمان أولى العزم وأصحاب الضمائر الفولاذية - وثقوب الضمائر التى تزايدت هذه الأيام عند البعض تعتبر مرضا نفسيا عضالا يمكن أن ينتشر بالعدوى عند ضعاف النفوس فى عالمنا الذى تسوده حالة من الزيف والبهتان والكثير من التناقضات وتنتشر فيه أوبئة الضلال وسوء الأخلاق.
وحين يموت الضمير..... تغفو العقول وتثور الأحقاد تتعطل إنسانية الإنسان وتفقد حواسه قيمتها....ويغدو صاحب عقل لا يفقه وصاحب عين لا تبصر وصاحب إذن لا تسمع وصاحب قلب لا يدرك
إن مرآة الانسان هى ضميره، والضمير هو رمانة الميزان لكيانه الشخصى النفسى وهو الذى يعرف فى علم النفس بـ «الأنا» وتعنى الذات، وهو الذى يحقق التوازن بين دوافع الغرائز والشهوة، والسعى وراء اللذة والمكاسب المادية وتحقيق الاستمتاع حتى ولو على حساب القيم وقواعد الأخلاق والالتزام المجتمعى والسمو الإنسانى.
فاذا علا صوت الأنا على الضمير ذهب العطف على الصغير
واذا علا صوت الأنا على الضمير ذهب الإحساس بالشيخ الكبير
واذا علا صوت الأنا على الضمير ذهب من حولك صغير كان أم كبير
هناك حديثا يدل على وجود الضمير وهو حديث وابصة ابن معبد الذي سأل الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال له:
" يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك المفتون" .
ومن أهم الأسس الدينية التى تبنى عليها قواعد الأخلاق أن كل اعتداء على الغير بالقول أو الفعل هو نتيجة ثقوب فى بناء الضمير وخلل فى قواعد وأساسيات البناء النفسى للفرد، وعندما يغيب الضمير أو يصاب بالعطب والترهل فلا معنى لكيان الإنسان ولا لزوم لوجوده وسط أسرته ومجتمعه الإنسانى وكأنه كالحى الميت
وما يهمنا في هذا الأمر، مسألة رئيسية وهي أن ضمير الإنسان ، أساس ضمير المجتمع والمحرك الأساسي له، فإذا تغذى على الخير وتمكن من التغلب على الأنانية والشر، كان ضمير المجتمع كذلك، وهذا ما نتطلع إليه قولا وعملا
فمن يقف فوق المنبر، لابد له من ضمير حي، لأن ما سيقوله سيتم البناء عليه وسيكون عنصرا مؤثرا في ضمائر الآخرين، فتغذية الضمير يتم اكتسابها من الضمائر المحيطة، وهو ما يفرض علينا حقا، العودة إلى ضمائرنا، تلك المشاعر الإنسانية القائمة فينا، والتي تجعل الفرد رقيبا على سلوكه، يميز من خلالها الخير من الشر والطيب من الخبيث، وهو أمر فطرنا عليها جميعا فنحن فطرنا على حب الخير ونبذ الشر، وتكويناتنا الاجتماعية الأساسية تفرض وجود مجتمع حي الضمير ، يراعي الآخرين ويعمل على زرع الخير.
كما أننا بحاجة للعودة إلى الجذور وتكويناتنا الفردية والاجتماعية، لتبقى ضمائرنا حية حتى يبقى الصدق والوفاء بل وتبقى الحياة.