إسماعيل منتصر يكتب: «خواطر حرة جدًا»: من خزينة الذكريات

إسماعيل منتصر يكتب: «خواطر حرة جدًا»: من خزينة الذكرياتإسماعيل منتصر يكتب: «خواطر حرة جدًا»: من خزينة الذكريات

* عاجل27-2-2019 | 22:11

أستعيد من خزينة الذكريات مشاهد أحسب أنها من أعجب وأغرب الحوادث التى مرت بى على امتداد حياتى المهنية..
ومن الممكن أن تثير مثل هذه الحوادث اهتمام القارئ.. ومن الممكن أن تساعده على استكمال جوانب من الصورة لم يتاح له من قبل استكمالها.. ومن الممكن أيضًا أن تضع بضع نقاط فوق بضع حروف..
وأبدأ بالمشهد الأول الذى وقعت أحداثه فى صحن المسجد البدوى بطنطا.
كان الرئيس الراحل أنور السادات قد بدأ جولة واسعة فى مختلف مدن ومحافظات مصر لتأكيد شعبيته فى أعقاب الخطوات التى قام بها من أجل تحقيق السلام فى المنطقة..
قام الأستاذ أنيس منصور – رحمه الله– بتكليفنا بمتابعة جولات الرئيس السادات وكان من نصيبى محافظة الغربية ومدينة طنطا.
تابعت مع زميلى المصور جولة الرئيس السادات فى شوارع مدينة طنطا.. وعندما اتجه موكبه ناحية مسجد السيد البدوى أسرعنا بدخول المسجد ووقفنا فى انتظاره لتسجيل لحظة دخوله إلى المسجد.
اتجه الرئيس السادات بصحبة شيخ الجامع إلى الطابق السفلى من المسجد وانتحى الإثنان جانبًا ودار بينهما حديث هامس..
أيامها كان الحديث دائرًا عن انتساب أسرة الرئيس السادات إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.. وأغلب الظن أن الحديث الذى كان بيد السادات وشيخ المسجد يدور حول هذا الموضوع.
قلت لنفسى أنت صحفى ومهمتك أن تنقل للقارئ مالا يسمعه ولا يعرفه ولا يراه.
اقتربت من الرئيس السادات وشيخ المسجد البدوى بدرجة تسمح لى أن أسمع ما يدور همسًا.. وفجأة وجدت نفسى طائرًا أسبح فوق أرضية الغرفة..
تلفت حولى فوجدت اثنين من حرس الرئاسة حسبتهما فى البداية من مصارعى الرومان وقد حملانى من ذراعاى والقيا لى فى آخر الحجرة.. وسمعت أحدهما يقول بلهجة حادة: إياك أن تفعل ذلك مرة أخرى.. إياك
وقفت لحظات ألملم أعصابى وكرامتى الجريحة وشعرت بالغضب والمهانة فقررت أن أغادر الغرفة وأصمد إلى صحن المسجد.
جلست مستندًا إلى حائط المسجد أتابع المصلين فى انتظار صعود الرئيس السادات لاستكمال جولته.. وعندما خرج من المسجد قمت للحاق بالموكب.. وفجأة سمعت صوت آمر يصرخ فى المصلين.. اجمع!.. وترك المصلون صلاتهم ووقفوا صفًا واحدًا..
كانوا جميعًا من جنود وصف ضباط وأمناء الشرطة قاموا بتأدية مشهد تمثيلى لعبوا خلاله دور المصلين فى المسجد البدوى طوال زيارة السادات للمسجد.. ووقفوا جميعًا صفًا واحدًا بعد انتهاء مهمتهم .
المشهد الثانى كان فى منزل الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك.. أيامها كانت حرم الرئيس السيدة سوزان مبارك قد بدأت تخطو نحو الشهرة والظهور فى وسائل الإعلام.. وجدت أننى قابلت الأستاذ أنيس منصور رئيس تحرير مجلة أكتوبر مصادفة على باب المصعد وهو على وشك مغادرة مكتبه.. يومها قال لى جملة واحدة: " انتظرنى غدًا على باب المؤسسة فى تمام التاسعة صباحًا"..
جاء الأستاذ أنيس فى موعده وطلب منى الركوب إلى جانبه بينما جلس فى المقعد الأمامى كبير مصورى أكتوبر.
فى الطريق راح الأستاذ أنيس منصور يشرح لى المهمة التى كلّفنى بها.
كانت المهمة تغطية نشاط حرم الرئيس فى مدينة السلام عندما قامت بافتتاح عدد من المدارس الابتدائية أطلق عليها أيامها اسم مدارس الرعاية المتكاملة.
فعلت ما كلفت به بينما كان الأستاذ أنيس منصور يصاحب السيدة سوزان مبارك فى جولتها.. وعندما انتهت المهمة ركبت مرة أخرى إلى جوار الأستاذ أنيس منصور فى طريق العودة إلى المؤسسة.. ويبدو أنه اتفق مع السيدة سوزان مبارك على أن يلحق بها فى منزلها بعد انتهاء جولتها فطلب من السائق التوجه إلى منزل الرئيس حسنى مبارك!
على باب المنزل طلب منا الحرس النزول من السيارة وطلبوا من السائق إبطال محرك السيارة..
كلاب بوليسية.. مرايا عاكسة.. تفتيش يدوى دقيق تحت المقاعد وداخل شنطة العربية وحول الموتور.. وأخيرًا وبعد نحو 15 دقيقة سمحوا للسيارة بالدخول.
طلب منا الأستاذ أنيس منصور البقاء داخل السيارة لحين الانتهاء من متابعة السيدة سوزان مبارك.
انتظرنا حوالى النصف ساعة رحنا نتبادل خلالها الحديث.. قلت كيف تتعرض سيارة الأستاذ أنيس منصور لكل هذه الإجراءات المعقدة ولهذا التفتيش الدقيق.. ورد زميلى المصور بأن الحرس الرئاسى أصبح حريصًا على سد كل الثغرات بعد اغتيال الرئيس السادات.
لكن السائق الذى ظل يتابع حديثنا فاجأنا بقوله: حرس إيه واغتيال إيه؟.. المسدس بتاعى موجود معايا محدش خد باله منه.. وأزاح الجاكيت فظهر المسدس تحته.
كان السائق يحمل سلاحًا مرخصًا باعتباره حارسًا شخصيًا للأستاذ أنيس منصور.. ورغم أن الحرس قام بتفتيش السيارة بمنتهى الدقة لكن يبدو أنه نسى تفتيش ركاب السيارة.
نظرت إلى زميلى المصور والتزمت الصمت.. حتى الآن.
المشهد الثالث فى مدينة كسلا بالسودان.. كنت أيامها فى مهمة عمل تجولت خلالها فى عدد من المدن السودانية وكان ذلك أيام حُكم الرئيس الراحل جعفر نميرى..
هبطت طائرة الرئيس نميرى فى مطار كسلا وكنت وزميلى المصور ضمن الوفد الصحفى المرافق له.
الحرارة وصلت إلى ما قبل درجة الغليان بشرطة وكان من الطبيعى أن نبحث جميعًا عن ماء نروى به عطشنا.
فوجئت بأحد العاملين بالمطار يحمل "جردل" بلاستيك ملىء بالمياه وداخلها قطعة ثلج كبيرة.. بينما أمسك فى يده كوب بلاستيك كان يملأه ويقدمه للشاربين.
اندفع زميلى المصور يحاول أن يحصل على حصة من الماء المثلج قبل أن يفرغ الجردل فنظرت إليه بحدة وقلت له بلهجة آمرة.. إياك.. إياك أن تشرب قطرة ماء من هذا الجردل.. نحن فى السودان والأوبئة تحاصرنا.. كوليرا وتيفود وحمى شوكية وما خفى كان أعظم!
نظر زميلى المصور إلى جردل المياه المثلجة بحسرة فقلت له: اصبر إذا لم نجد مياه معدنية فسنحضر فى المساء الحفل الفنى الذى سيحضره الرئيس نميرى وحرمه.. ومن المؤكد أننا سنجد مياه نظيفة نشربها.
لم نجد زجاجة مياه معدنية واحدة لسبب واحد أنه لا توجد فى مدينة كسلا أى نوع من أنواع هذه المياه المعدنية.. وصبرنا على العطش صبر المجاهدين الأوائل حتى جاء موعد الحفل.
جلس الرئيس نميرى فى الصف الأول وبجانبه زوجته ثريا وجاءت مقاعدنا أنا وزميلى المصور خلفه.. وفجأة حدث مالم يخطر على البال..
أحضر السعاة ثلاثة جرادل وضعوها أمام الرئيس وزوجته.. كركديه وتمر هندى وماء مثلج وثلاثة أكواب بلاستيكية.
لم أنطق بكلمة وإنما اندفعت مع زميلى المصور نشرب من الجردل المخصص للصحفيين.. وشربنا كما لم نشرب من قبل.
المشهد الرابع.. منزل نجيب محفوظ بالعجوزة..
كان كاتبنا الكبير قد حصل على جائزة نوبل فى الأدب.. لكنه لم يستطع السفر إلى استهكهولم لتسلم الجائزة فأرسل بدلا منه ونيابة عنه ابنتاه فاطمة وأم كلثوم..
كلفنى الأستاذ صلاح منتصر رئيس تحرير مجلة أكتوبر فى ذلك الحين بالذهاب إلى منزل نجيب محفوظ وانتظار عودة ابنتيه بالجائزة وتسجيل لحظة تسلمه الجائزة منهما.
ذهبت مع زميلى المصور إلى منزل كاتبنا الكبير فى وقت مبكر وجلسنا فى انتظار عودة فاطمة وأم كلثوم يحملان الجائزة..
لم نضيع الفرصة فقد رحت أتبادل الحديث معه وأسجل كل كلمة حتى دق جرس الباب وجاءت اللحظة التى ننتظرها.
انفتح الباب واندفعت الفتاتان وهما تصرخان.. ورحت أرقب مشهد احتضانهما لأبيهما الكاتب الكبير نجيب محفوظ لكنهما بدلا من ذلك اندفعتا لاحتضان كلب الأسرة.. ثم قامتا بعد ذلك باحتضان الأب والأم!
نظر إلي كاتبنا العظيم نجيب محفوظ وكأنه يعتذر.. ولم تجد صور احتضان الكلب أى طريق للنشر .
وإلى فرصة أخرى أستعيد فيها المزيد من المشاهد الغريبة العجيبة.
    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2