عاطف عبد الغنى يكتب: أحلام الصحفيين .. المستحيلة !

عاطف عبد الغنى يكتب: أحلام الصحفيين .. المستحيلة !عاطف عبد الغنى يكتب: أحلام الصحفيين .. المستحيلة !

* عاجل1-3-2019 | 15:24

فى أى انتخابات، وكل انتخابات يتوجه أكثرنا فيضع أمراضه النفسية فى الصندوق الزجاجى، من النفسنة والحقد واستدعاء الثارات، إلى تفضيل الانتماءات الضيقة على الصالح العام، ويضاف إلى ما سبق عوامل التأثير الخارجية، من الدعاية إلى شراء الذمم والأصوات، وما سبق يعنى تغييب «الوعى الحقيقى للناخب»، وإذا غاب هذا العامل الحاسم، فلا تنتظر نتائج أو مخرجات سليمة من «الصندوق»، الأداة الأهم فى الممارسة الديمقراطية. والديمقراطية التى هى ليست من اختراع حضارتنا، أهم آلياتها الانتخابات (كما هو معروف) لكن للأسف الانتخابات لا تفرز فى الغالب إلا «صنايعية» الانتخابات وإدارتها بغض النظر عن صفات صلاحية المترشح وجدارته وإمكانياته وصدق سعيه فى الإصلاح، وتنفيذ وعوده للناخبين بعدما يحصل على أغلى ما لديهم فى هذا الوقت وهو أصواتهم.

(1)

وكنت ومازلت حريصًا على أن أشارك فى انتخابات وطنى الأصغر وبيتى الثانى «نقابة الصحفيين»، ولم أفوّت تقريبا انتخابات لها دون أن أشارك فيها، منذ أن امتلكت كارنيه النقابة قبل ما يزيد على ربع قرن، وفى الذاكرة أسماء معظم شيوخ المهنة وأساتذتها الأجلاء وزملاء المرحلة الأفاضل الذين عاصرتهم وتولوا مقاعد المجلس أو النقيب، منذ الأستاذ صلاح جلال وحتى الأستاذ عبد المحسن سلامة. ومن بين أسماء النقباء الكثيرة، لابد أن نتوقف عند اسمين بالتحديد، أرى فى صاحبيهما مثالا على استطاعة التمييز بين المنصب الوظيفى الذى وصلوا إليه وتعينوا فيه بقرار من رئيس الجمهورية، وبين دور نقيب الصحفيين الذى يسكن فى 4 ش عبد الخالق ثروت، وأنا أقصد الأستاذين إبراهيم نافع، رحمة الله عليه، ومكرم محمد أحمد أطال الله فى عمره، ووارد أن نختلف مع كليهما أو أحدهما على مستوى العمل المهنى، أو التوجهات، لكنى لا أعتقد أن هناك خلافًا على أداء أحد منهما النقابى. كان وجود نافع، أو مكرم نقيبا يمثل نوعًا من الاطمئنان للجماعة الصحفية بكل أطيافها، وصمام أمان للقفز على أزماتها مع أى جهة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، ويبدوان وكأنهما امتلكا كلمة السر التى تضبط هذه العلاقة الملتبسة، حتى فى أوج توترها، كانا يقودان المعارك بحنكة ليجنبا الصحفيين خسارتها، أو الدخول مع الدولة فى نفق مسدود، وكان التفاوض هو عنوان هذه المعارك مع الاحتفاظ بشموخ وكرامة المهنة والصحفيين، أيا كان انتماؤهم أو أيدلوجيتهم، ولطالما قفزا فوق الأزمات وتجاوزا العثرات دون توريط النقابة فى تنازلات، أو توجيه ذرة تشكيك فى وطنية الصحفيين ونقابتهم، ووقوفهم الدائم فى ظهر الدولة ومؤسساتها، إيمانا من الصحفيين بمصالح الدولة العليا، وأجندتها الوطنية التى يساهمون بشكل كبير فى وضعها وتحديد أولوياتها. وكنا نرى الصحفى نافع أو مكرم فى حوار منشور أو لقاء رسمى أو عام مع رموز الحُكم، وبعد ساعات قليلة نرى نافع أو مكرم النقيب يعلن اختلافه مع هذا المسئول فى شأن يتعلق بالعمل النقابى، أو تراه يعارض تشريعًا يخص الصحافة وترفضه الجماعة الصحفية، ويتحرك معها فى سعيها لتغييره، ولا غضاضة فى أن يغضب بعض المسئولين وأصحاب القرار فى الدولة، لأن هناك قناعة بأن الجميع يعمل للصالح العام، وأن حسن النية  متوفر، فمن أفسد هذه القناعات الآن؟! شخص ؟! أم جماعة؟! أم واقعة؟!.. وهل حدث هذا عفوا أم عن عمد وتربص؟!

(2)

الذى حدث ونعرفه جميعا أن أفرادًا وجماعات مسيسة، وأصحاب أيدلوجيات، انقضت كالطيور الجارحة على النقابة خلال عدد من السنوات الفائتة، واختطفوها ثم سعوا إلى جرها بفجاجة غير مسبوقة لمعترك السياسة، وصراع السلطة. وهؤلاء الذين يحملون «كارنيه» النقابة ومعينون فى المؤسسات القومية وغيرها أغلبهم من «عواطلية» الصحافة، لا يكتبون حرفا فى إصداراتهم التى يقبضون منها، لكنهم من محترفى الكلام، وإدارة المعارك الانتخابية، ونجوم مواسمها. وكانوا عندما يدخلون النقابة، يبرز مظهران غاية فى التناقض، الأول تتحول معهم النقابة إلى كافيه أرخص بضاعته «الكلام» ولا وجود للعمل والنشاط الحقيقى إلا قابلية الاشتعال ضد الحكومة ومؤسساتها.. ولماذا المعارك لأنه لا شعبية للمعارضة الحنجورية دون صدام لتسجيل بطولة حتى ولو كانت وهمية، وبعد أن يعود الصحفيون من غيبوبتهم ويكتشفوا واقع نقابتهم، تبدأ الشكوى والاستغاثة لإنقاذ النقابة.. وهيهات، لابد للصحفيين أن يتجرعوا عضو المجلس الذى خدعهم حتى انتهاء مدته، مع احتمال أن تتجدد الخدعة فى الدورة التى تليها بسبب السهو والخطأ، حتى تحول الأمر إلى ما يشبه صخرة سيزيف الأسطورية، وقد صار مكتوبا على الصحفيين أن تصل أحلامهم وأمانيهم أيام الانتخابات إلى القمة، وبمرور الوقت بعد الانتخابات تنحدر صخرة الأحلام إلى سفح الطموحات، لتبدأ الدورة من جديد مع انتخابات جديدة، وهكذا دواليك لجيلين عاصرتهما.

(3)

أكتب الأربعاء قبل 48 ساعة أو أقل من موعد انعقاد الجمعية العمومية المحدد له يوم الجمعة الأول من مارس (لن تنعقد الجمعية) وقد زارنى عدد كبير من الزملاء الأفاضل المترشحون من كبار السن والشباب، وأصحاب الخبرة فى العمل النقابى والانتخابات، ومستجدين فيهما، وتناثرت حولى أوراق دعاياتهم، واطلعت عليها وأنا أعرف مسبقا أكثر ما تحتويه، وأستطيع أن أؤكد أن 95% أو أكثر مما هو مذكور فى تلك الدعايات لن يتحقق، ليس لارتفاع سقف الطموحات إلى درجة استحالة تحقيقها كأن يقول مترشح إنه سيعمل على إنقاذ المؤسسات القومية وإعادة هيكلتها وإسقاط ديونها، ولكن لغياب وغيم الرؤية عند كثير من المترشحين، هو لا يريد إلا أن ينجح، ماذا لديه ويستطيع إنجازه؟! أعود لأوراقهم، فأجد الوعود كلها متشابهة، ومكرورة وممضوغة ومستهلكة منذ سنوات.

(4)

فماذا يبقى من الأحلام؟.. يبقى لمن يحالفه الحظ بالنجاح، وحتما سوف ينجح نقيب وستة أعضاء، أن يعمل على أن تتكاتف الجماعة الصحفية فى حوار منظم علمى تحتضنه النقابة – يا حبذا - فى مؤتمر عام تتمثل فيه مؤسسات الدولة ويخرج بتوصيات عملية تدرك التدهور والانحدار المتسارع فى المهنة، وفى أحوال الصحفيين أنفسهم، فتوقفه أو تقلل منه على الأقل. ويبقى أن نحافظ على ما تبقى من خدمات حقيقية تضطلع بها النقابة مثل مشروع العلاج ونطورها، وأن نسعى ما استطعنا أن نحقق بعض المكاسب المتعلقة بدخول الصحفيين واستقرارهم النسبى، ولا تتوقف أحلامنا عند البدل، ونسعى لتطوير تشريعات تمتلك من خلالها النقابة ضبط علاقات العمل، بين المؤسسات الصحفية (بكل فئاتها) والصحفيين، ولا نخجل فى السعى لبناء جسور حقيقية للتشاور مع البرلمان والحكومة فيما يخص تشريعات المهنة، وهى أحلام ليست مستحيلة إذا أحسنا اختيار من يمثلنا فى المجلس القادم.. فاللهم ولِّ من يصلح.
أضف تعليق

رسائل الرئيس للمصريين

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2