لايزال الوقت مبكرا جدا , المكان خال , ولاشىء يُسمع سوى صوت النادل وصحبه
وهم يجلون زجاج المقهى , يشف من جهتها عن أكثر من زاوية للرؤية , فهناك سيارة نصف نقل صغيرة تحمل على ظهرها عددا من الألواح الخشبية والعصى
وقطع كبيرة من الزجاج المكسور .
وركن يجمع ما بين عمودين غليظين تضمهما سلسلة حديدية مبرومة , يقفان بلا معنى مقيدين إلى بعضهما بالسلسلة فى انتظار سيارة لاتجىء .
أعمدة إنارة , منسية وهى مضاءة من الليل حتى الصباح , وأحدها مائل على جنبه
على وشك السقوط فى أية لحظة .
رصيف عال لهواة تسلق الجبال من المارة , والمسنون يمتنعون .
عدة سلالم رخامية تناثرت عليها أوراق مهملة , وأتربة من زمن سحيق , وكأن أحدا لم يرد الصعود عليها , ربما هى لا تُفضى إلى شىء ! .
عدة كراسى مقلوبة على ظهرها فى الباحة الخارجية للمقهى , فى انتظار روادها
وعدة أراجيل انطفأت نارها , وخبا فحمها , وأسن ماؤها .
عدة نوافذ فى بناية عتيقة , لم ترها تُفتح أبدا من قبل , ولم يُطل منها وجه إنسان
راقبتها لعل كوة تُفتح , علّ وجها يظهر .
كان هناك فقط قميص مترب منسى يلتف بذراع حديد نافذة , قد عبثت به الرياح فالتف حول نفسه يعتصرها .
لم يبق سواه , هذا الركن البعيد البعيد زاوية للنظر .
عدة نباتات من الصبار مختلفة أنواعها , وبعضها ذى أوراق ممتلئة عريضة مشوكة
وآخرى تبدو كدغل كثيف بأوراق إبرية شائكة .
تعلقت أبصارها بالصبارات المستديرة والإبرية , نفضتها بعينيها مما علق بها من أتربة , تجلت لعينيها شامخة خضراء , حامية نفسها بنفسها , تألقت فى عينيها ,
كانت تتكاثر وتتناسل حتى ملأت عليها المكان .
أدركت أن الطبيعة تشاركها وتقتسم معها زاوية النظر تلك , وأن الصبارات تحولت إلى نظارات كبيرة خضراء بعدسات ممعنة فى الرؤية , مقعرة , ومحدبة , ومكبرة وثاقبة , وواضحة وضوح الشمس , احتضنت الكادر بعينيها , وأدركت المعنى .