د. عزة بدر تكتب « قصة قصيرة »: طبيعة صامتة

د. عزة بدر تكتب « قصة قصيرة »: طبيعة صامتةد. عزة بدر تكتب « قصة قصيرة »: طبيعة صامتة

*سلايد رئيسى6-3-2019 | 13:58

لايزال الوقت مبكرا جدا , المكان خال , ولاشىء يُسمع سوى صوت النادل وصحبه

وهم يجلون زجاج المقهى , يشف من جهتها عن أكثر من زاوية للرؤية , فهناك سيارة نصف نقل صغيرة تحمل على ظهرها عددا من الألواح الخشبية والعصى

وقطع كبيرة من الزجاج المكسور .

وركن يجمع ما بين عمودين غليظين تضمهما سلسلة حديدية مبرومة , يقفان بلا معنى مقيدين إلى بعضهما بالسلسلة فى انتظار سيارة لاتجىء .

أعمدة إنارة , منسية وهى مضاءة من الليل حتى الصباح , وأحدها مائل على جنبه

على وشك السقوط فى أية لحظة .

رصيف عال لهواة تسلق الجبال من المارة , والمسنون يمتنعون .

عدة سلالم رخامية تناثرت عليها أوراق مهملة , وأتربة من زمن سحيق , وكأن أحدا لم يرد الصعود عليها , ربما هى لا تُفضى إلى شىء  ! .

عدة كراسى مقلوبة على ظهرها  فى الباحة الخارجية للمقهى , فى انتظار روادها

وعدة أراجيل انطفأت نارها , وخبا فحمها , وأسن ماؤها .

عدة نوافذ فى بناية عتيقة , لم ترها تُفتح أبدا من قبل , ولم يُطل منها وجه إنسان

راقبتها لعل كوة تُفتح , علّ وجها يظهر .

كان هناك فقط قميص مترب منسى  يلتف بذراع حديد نافذة , قد عبثت به الرياح فالتف حول نفسه يعتصرها .

لم يبق سواه , هذا الركن البعيد البعيد زاوية للنظر .

عدة نباتات من الصبار مختلفة أنواعها , وبعضها ذى أوراق ممتلئة عريضة مشوكة

وآخرى تبدو كدغل كثيف بأوراق إبرية شائكة .

تعلقت أبصارها بالصبارات المستديرة والإبرية , نفضتها بعينيها مما علق بها من أتربة , تجلت لعينيها شامخة خضراء , حامية نفسها بنفسها , تألقت فى عينيها ,

كانت تتكاثر وتتناسل حتى ملأت عليها المكان .

أدركت أن الطبيعة تشاركها وتقتسم معها زاوية النظر تلك , وأن الصبارات تحولت إلى نظارات كبيرة خضراء بعدسات ممعنة فى الرؤية , مقعرة , ومحدبة , ومكبرة  وثاقبة , وواضحة وضوح الشمس , احتضنت الكادر بعينيها , وأدركت المعنى .

أضف تعليق

إعلان آراك 2