نادية صبره تكتب: أردوغان والقضاء والانتخابات

نادية صبره تكتب: أردوغان والقضاء والانتخاباتنادية صبره تكتب: أردوغان والقضاء والانتخابات

* عاجل23-3-2019 | 19:31

في الحادي والثلاثين من مارس الحالي سيتم إجراء انتخابات البلدية التركية والتي أعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم أنه سيخوضها بالتحالف مع حزب الحركة القومية اليميني ضمن تحالف الجمهور الذي خاض به الحزبان الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية الماضية في يونيو 2018.
هذه الانتخابات البلدية المقبلة ينظر اليها المراقبون ليس فقط كانتخابات محلية روتينية لاختيار رؤساء بلديات ، ولكنهم يعتبرونها بمثابة استفتاء شعبي للمشهد السياسي التركي الحالي في ظل تدهور الأوضاع الاجتماعية والسياسية المتدهورة بشكل سريع في تركيا وغموض الرؤية والمستقبل.
المأزق الاقتصادي هو أهم عقبة تواجه الرئيس التركي وحزبه في الانتخابات ، فالاقتصاد التركي يعاني اضطراب في عهد أردوغان بعد أن كان يشابه الصين ، وهناك نقص في نسبة العملات الصعبة وعجز منذ عام ونصف نتيجة انخفاض التصدير والنمو ، وهناك قلق من محاولة أردوغان السيطرة علي البنك المركزي قبيل الانتخابات.
وقد سلطت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية الضوء علي تأثير الوضع الاقتصادي المتردي في تركيا علي مجري الانتخابات المحلية المقبلة فقالت ان العملية الانتخابية أغلب الظن ستكون صعبة علي الرئيس أردوغان لا سيما مع التباطؤ الاقتصادي الحاد ، وانهيار ثقة المستهلك وبحسب الصحيفة فان الانتخابات ستجري في مكاتب ورؤساء البلديات والمجالس المنتخبة عبر 81 محافظة في تركيا ، ولكن المنافسة الشرسة ستكون في العاصمة أنقرة واسطنبول ، ولذلك فان خسارة الحزب ستكون ضربة قاسية لشعبية أردوغان التي تراجعت في استطلاعات رأي داخلية ما بين 32 : 35 % مما سيعكس مدي احباط الشارع التركي الذي يعاني من تردي الأحوال المعيشية ، والذي تظهر علاماته تقريباً في كل مكان.
سياسياً لا يختلف الوضع سوءاً عن الوضع الاقتصادي فأردوغان خسر معظم علاقاته مع الدول العربية خاصة دول الخليج التي تواجه نزق السياسة التركية ، ومازال متورطاً في الحرب السورية بأرتال من الجنود لاهثاً وراء الخلافة العثمانية علي حساب التوسع في الأراضي السورية ، وقد كشف عن هذا المخطط التركي وزير الداخلية (سليمان جويلو) عندما أكد أن كلا من دمشق وحلب كانتا ضمن حدود تركيا ، وأن الشعب السوري عاش تحت الراية التركية أكثر من أربعة قرون ، ويسعي أردوغان جاهداً تعويض خسائره بالحصول علي المنطقة الآمنة شمال سوريا التي يطالب بها منذ 2013 ، والتي هيهات أن يحصل عليها فلا أحد من اللاعبين الرئيسيين في سوريا سيسمح له بالفوز بهذه المنطقة...
فروسيا تريد أن تبقي المنطقة تحت ادارة النظام السوري ، وأمريكا تريد ضمان حماية قوات سوريا الديمقراطية حليفها الرئيسي والتي قامت وحدها بمقاتلة تنظيم داعش وطرده من أراضي سوريا ، ولذلك فهي قلقة من تهور أردوغان ومن أنه سوف يشن هجوماً عنيفاً علي تلك القوات ... والأكراد لا يوجد بينهم كردي واحد يثق في أردوغان الذي يسعي لإحداث تغيير ديموجرافي ، وقيام حرب عربية كردية ليبسط نفوذه ، كما أن العلاقات بين واشنطن وأنقرة تشهد المزيد من التدهور في علاقات البلدين بعد تأكيد الرئيس التركي انه لا تراجع عن حيازة تركيا لمنظومة ( اس 400) للدفاع الصاروخي الروسية وتهديد البنتاجون له.
أردوغان سعي للهروب من الوضع الاقتصادي والسياسي بشن هجوماً علي مصر خاصة بعد النجاح المذهل الذي حققه مؤتمر القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ ، والذي أثار حفيظته الي حد شعوره بالألم ، وبدا فاقداً لصوابه متخلياً عن الدبلوماسية والكياسة التي يجب أن يتمتع بها رئيس دولة ، ولم يجد بداً من مهاجمة شخص ـ الزعيم/عبد الفتاح السيسي ـ الذي نجح في أن يجمع غالبية قادة العالم العربي وقادة الدول الأوربية علي مائدة واحدة متهماً اياه بعدم احترام حقوق الانسان ..!!! متناسيا أنه حبس 88 ألف شرطي وصحفي ومعلم وموظف ، وألقي القبض علي 83 ألف آخرين بالإضافة الي مئات المعتقلين السياسيين من جماعة فتح الله جولن وقتل السوريين في عفرين واحتل أراضيهم وعدل في الدستور لتمديد بقائه في السلطة فترتين أخريين تنتهيا في عام 2029 ..!!
واستخدم أساليب ممنهجة وغير قانونية لإسكات أي قوة تتحداه سواء من السلطة القضائية أو الصحافة أو الأحزاب المعارضة ، والجيش والمثقفين بينما قام بدعم أصدقائه المقربين ، وضرب خصومه السياسيين.
وبعد فشله في الهجوم علي مصر أقحم نفسه في مظاهرات الجزائر قائلاً ان الجزائريين واعين لما يفعلون ، وأن الربيع العربي الذي دمر دولاً عربية لا يشبه الحراك الجزائري ، وأن الجزائريين لا يشبهون العرب ولا أظن أنهم عرباً...!!
وأخيراً حاول استغلال هجوم نيوزيلاندا الارهابي الذي هز العالم واستهدف مسجدين في الدعاية الانتخابية ، فقد قام بإذاعة مقاطع فيديو للمذبحة في تجمعات الحملات الانتخابية في عدة مدن تركية لإثارة أنصاره الاسلاميين المحافظين ومهاجمة خصومه السياسيين ... أردوغان قال: إن الهجوم الإرهابي النيوزيلندي كان جزء من هجوم أكبر ومؤامرة دولية علي تركيا والاسلام !! وكأن هذا الحادث الارهابي الأليم الذي أودي بحياة 50 شخصا منهم ثلاثة أتراك قد جاء لأرد وغان هدية من السماء يستخدمها كدعاية انتخابية ، ويصوره بأنه يكاد يكون موجهاً لشخصه هو بصفته حامي حمي الاسلام والمسلمين ، وليس موجهاً لعموم المسلمين.
أعلم أن السياسة هي فن الممكن ، ولكني لم أري شخصاً يستطيع أن يتغير ويتلون ويرتدي كل الأثواب في وقت واحد ... مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، لقد كان من الممكن لتركيا أن تصبح لاعباً رئيسياً علي الساحة الدولية  إلا أن مطامع أردوغان الحالم بالسلطة أهدرت مكانتها.
أضف تعليق

إعلان آراك 2