إسماعيل منتصر يكتب: «خواطر حرة جدًا» .. تكلم حتى أراك

إسماعيل منتصر يكتب: «خواطر حرة جدًا» .. تكلم حتى أراك  إسماعيل منتصر يكتب: «خواطر حرة جدًا» .. تكلم حتى أراك

*سلايد رئيسى27-3-2019 | 15:12

تكلم حتى أراك.. عبارة قديمة لها حكاية.. وحكايتها أن سقراط الفيلسوف اليونانى الشهير لاحظ فى إحدى المرات، التى كان يلقى فيها الدروس على تلاميذه.. لاحظ أن كل تلاميذه سألوه فأجابهم جميعًا إلا واحد.. لم يسأل ولم ينطق فالتفت إليه سقراط وقال له: تكلم.. تكلم حتى أراك.

والمعنى ليس خافيًا فعندما يتكلم الإنسان تنكشف أفكاره وتظهر مبادئه فتسطع حقيقته.

الإمام الشافعى له حكاية قريبة الشبه بحكاية سقراط.. كان الإمام الشافعى يعانى من آلام فى قدميه تضطره لأن يمدها، وهو جالس فى المسجد يلقى الدروس على تلاميذه.. وذات يوم دخل مجلسه رجل أشيب الشعر تبدو على ملامحه الهيبة فأحس الشافعى بالحرج واستحى من الرجل فضم قدميه رغم الآلام التى كان يعانى منها.

استمر الشافعى يتكلم وهو على هذا الوضع المؤلم لقدميه احترامًا للرجل الوقور مهيب الطلعة.. وظل الرجل صامتًا طوال الدرس وظل الإمام الشافعى متألمًا من وضع قدميه.. وأخيرًا تكلم الرجل.. كيف يتوضأ الرجل إذا حدث وعاش فى الشمس.. ساعتها لن تكون معه قطرة ماء واحدة.. وعندما انتهى الرجل من كلامه أسرع الإمام ومد قدميه أمامه مستريحًا وهو يقول: آن للشافعى أن يمد قدميه.. كأنه أراد أن يقول: إن الرجل المهيب الوقور تكلم فتبين أنه لا مهيب ولا وقور وإنما هو رجل " هايف" ولم يعد هناك مبرر لأن أظل على هذا الوضع المؤلم لقدميّ.

وهكذا الكلام يكشف الحقيقة.. حقيقة الإنسان.. أفكاره.. مبادئه..علمه.. ثقافته.. ضميره.. هكذا الكلام يكشف موضوع الإنسان.

لكن الحقيقة أن الكلام كما أنه يكشف الموضوع فإنه يكشف الشكل أيضًا.. فطريقة النطق ومخارج الألفاظ والالتزام بقواعد اللغة سواء الفصحى أو العامية تحدد بيئة الإنسان والدرجة التى يحتلها فى السلم الاجتماعى.

تستطيع على سبيل المثال أن تفرق بين المواطن البورسعيدى والمواطن القاهرى أو بين أبناء الإسكندرية وأبناء النوبة من الكلام.. من مخارج الألفاظ وطريقة نطق الحروف.

وبنفس الطريقة تستطيع أن تفرق بين العالم، والعالمة.. بين الخفير والأمير.. بين خريج فيكتوريا كولدج وخريج مدارس الزاوية الحمراء.. مع كامل وعظيم احترامى للجميع.. لكن الكلام فى النهاية.. مخارج الألفاظ وطريقة نطق الحروف والالتزام بقواعد اللغة.. كل ذلك يساعد فى تحديد بيئة الشخص وتعليمه وثقافته وأحيانًا وظيفته.

وإذا أردت تطبيقًا عمليًا لكل هذه النظريات شاهد قنوات الإخوان واستمع إلى مداخلاتها التليفونية.. استمع واستمتع.

تتصل أم فلان بالمذيع الذى يبادر بسؤالها.. يقولون: إن الإخوان هم سبب كل ما يحدث فى مصر.. ما رأيك؟

على الفور ترد المتصلة تنفى عن الإخوان هذه التهمة.. حديثها ومخارج ألفاظها وطريقة نطقها للحروف تؤكد أنها من بيئة متواضعة جدًا.. وهى بالطبع تكسر كل قواعد اللغة.. الفصحى والعامية.. وأظن أنه إذا سمعتها شرطة اللغات ستقبض عليها فورًا.. وأظن أيضًا أن نيابة اللغات ستعطيها أربع سنوات حبس على ذمة التحقيقات ومع ذلك تجد بين كلماتها كلمة محشورة لا أظن أنها تفهم معناها.

تقول المتصلة: يا أستاذ فلان الشعب بيحب الإخوان، كفاية أنهم فازوا فى كل الاستحقاقات الانتخابية.. استحقاقات (!!!).. من أين أتت مثل هذه السيدة بمثل هذه الكلمة؟!

سيدة أخرى تتصل من إحدى مدن الوجه البحرى.. أهلا أم فلان، يا ترى إيه أخبار حملة اطمن أنت مش لوحدك عندكم؟

والله يا أستاذ فلان الفعاليات عندنا كانت كويسة قوى.

أم فلان لا يمكن حسب طريقة كلامها ونطقها وألفاظها.. لا يمكن أن تكون حاصلة على أى قدر من التعليم، بالكاد يمكن أن نجاملها ونقول: إنها حاصلة على شهادة الرسوب فى الابتدائية.. ومع ذلك تقول: إن الفعاليات عندهم كانت كويسة قوى.

دعك من مدى صحة ما تقول، فأنا على استعداد لأن آتى لك بمائة رجل وامرأة من نفس مدينتها يثبتون أنها أكذب من مسيلمة وأنه لم تكن هناك فعاليات ولا يحزنون.. لكننى فقط أتسائل من أين جاءت سيدة لها هذه المواصفات اللغوية والكلامية بتعبير " فعاليات"؟!

الإجابة واضحة فإما أن هذه المداخلات التليفونية سابقة التجهيز أو أنها مدفوعة الأجر.. على أية حال ليست قضيتنا.. الكلام ومعناه وما يمكن أن يكشفه من حقائق عن المتكلم هو القضية.

وإذا كنا قد طبقنا نظرية الكلام على المتصلين فى برامج قنوات الإخوان فإن النظرية تصلح للتطبيق أيضا على مذيعى هذه القنوات.

المذيع مفترض فيه أنه يعرف قواعد اللغة ويجيد نطق الحروف، لكننا نستطيع من خلال كلامه أن نعرف الكثير عن ثقافته وأفكاره.. واتزانه العقلى.

ليس مطلوبًا منك إلا أن تستمع للمذيع الإخوانى معتز مطر لكى نتأكد من أنه يعانى نقصًا واضحًا فى اتزانه العقلى.. صراخه.. هدوءه.. غضبه سروره.. ضحكاته الهستيرية ثم نظرة عينيه والتطلع إلى السقف.. كل ذلك يؤكد لك أنه يعانى من خلل عقلى.. هذا من ناحية الشكل، أما من ناحية الموضوع فحدِّث ولا حرج.

فى بداية حملته اطمن أنت مش لوحدك طلب معتز مطر من المصريين أن يطلقوا الصفارات ويدقوا على أوانى المطبخ فى توقيت واحد.. ثم راح يلهم المصريين " بفعاليات" أخرى تساعدهم على الاحتجاج.. اسمع!

ليس مطلوبًا منكم أكثر من الخروج إلى الشوارع خلال الفترة من العصر إلى المغرب.. اخرجوا مع أصدقائكم أو مع أقاربكم لكن احرصوا على ألا يزيد عدد المجموعة الواحدة عن ثلاثة أشخاص.. لا تفعلوا أكثر من التمشية والفرجة على المحلات.. وإذا حدث وقابلت من تعرفه.. لا تصافحه حتى لا تثير الانتباه.

يا سلام (!!!).. يا صلاة النبى (!!!) وهل تخلو شوارع القاهرة وغيرها من المدن من المارة.. منهم من يسير فرادى ومنهم من يسير جماعة.. وماذا أضاف اقتراحك العبقرى.. ما الغريب والمثير للانتباه فى أن يسير الناس فى الشوارع ليتسكعون أو يتفرجون على المحلات؟!

فعالية أخرى.. أطلقوا البالونات فى سماء مصر.. اخرج أنت وأطفالك إلى البلكونة أو اصعد إلى سطح المنزل وأطلق البالونات حتى تمتلئ السماء بها فيعرف المحتجون أنهم ليسوا وحدهم المحتجين.

أيها المختل عقليًا جرّب أن تنفخ بالونة ثم أطلقها فى الهواء.. الرياح إن كانت هناك رياح ستحركها قليلًا يمينًا أو يسارًا ثم فى النهاية ستستقر على الأرض.. باختصار لن تطير بالونات فى الهواء إلى أعلى إلا إذا كانت ممتلئة بغاز الهليوم.. فهل تقصد أن تقوم الحاجة فاطمة والست أم ربيع وعم الحاج فلان وعلان بشراء غاز الهليوم لكى يملأوا بها البالونات فتطير إلى أعلى؟!

وإذا كانت هذه هى فعاليات الأستاذ معتز مطر فأرجو أن يقبل منى مجموعة من الاقتراحات تساعده على ابتكار أنواع أخرى من الفعاليات.

على سبيل المثال أطلب من أولياء أمور التلاميذ الصغار أن يصحبوا أطفالهم إلى مدارسهم، وسوف يجدون أنهم تجمعوا فى توقيت واحد.. توقيت دخول المدرسة وساعتها سينظر بعضهم إلى بعض ويشعرون بالاطمئنان.

اقتراح آخر.. أطلب من الموظفين الذاهبون إلى أعمالهم أن يتناولوا إفطارهم حول عربات الفول التى تمتلئ بها الشوارع.. أطلب منهم ألا يتكلم أحد منهم مع الواقف إلى جواره.. فقط يركز كل تفكيره فى مضغ الطعام. وساعتها سيشعر الجميع بالاطمئنان.

اقتراح آخر وأخير.. أطلب من السيدات والأمهات أن يذهبن إلى محال بيع الخضار والفاكهة لشراء ما يحتاجه الطعام.. أطلب منهم أن يكتفين بالشراء ودفع النقود وعدم الكلام.. وسوف يشعرن جميعًا بالاطمئنان.

هل وصلت فكرتى؟.. مع تحياتى.

    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2