د. محمد داود
الأستاذ بجامعة قناة السويس
كثيرة هى الآيات التى تحث الإنسان على التأمل والتدبر والتعقل ليكشف أسرار المخلوقات، وليقف على عظمة تدبيرها من ذلك قول الله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ) "آل عمران: 190".
وأخرج البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث مع أهله ساعة من الليل ثم رقد، فلما كان ثلث الليل قعد فنظر إلى السماء فتلا قول الله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ) ثم قام فتوضأ ثم استن، ثم صلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذن بلال فصلى ركعتين، ثم خرج فصلى بالناس الصبح، ثم قال صلى الله عليه وسلم (ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها).
والقرآن الكريم يمدنا بتفصيلات للتفكير فى عظيم مخلوقات الله وتعالى "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور" (الملك: 3).
والتفاوت: الاختلاف وعدم التناسب، والخلل..
والفطور: الخلل من شقوق وصدوع.. الخ
ومن آيات القدرة أيضا التى يلفت القرآن أنظارنا إليها ما جاء فى قوله تعالى
"قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (القصص: 71: 73).
ثمرات التفكير فى خلق الله
وإن كان أحدنا يقف متأنيا أمام إنجازات البشر من لوحات فنية أو مشروعات عظيمة يقلب نظره وعقله بين جمالها وعناصر تكوينها ومنافعها.. إلخ.. فكيف بالإنسان يمر بالآيات الإلهية فى كون الله تعالى ولا يلتفت إليها ولا يفكر فى عظمتها ولا يتأملها تأملا إيمانيا ليرى فى عظمة المخلوقات دليلا على عظمة الخالق تعالى، وأيضا ليثمر التفكر والوقوف على قيمة مخلوقات الله تعالى التى سخرها للإنسان، والوقوف على قيمة هذه النعم يحمل الإنسان على شكر المنعم عليها.
ولقد ربط القرآن الكريم بين مسألة الخلق والإيمان بالله " هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ " (لقمان: 11).
أيضا من ثمرات التفكير التعرف على أسلوب التعامل مع هذه المخلوقات والاستفادة منها فى معرفة نواميس الكون والحياة فتكون المخترعات والاكتشافات التى تعود بالخير على البشرية.
وفى مقابل مدح الله للمؤمنين الذين يتفكرون فى آيات الله الدالة على عظمته، فقد ذم الله تعالى الغافلين الذين لا يتفكرون فى مخلوقاته الدالة على عظمته وقدرته، قال تعالى " وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ " (يوسف: 105).
ولقد حثنا القرآن على التفكير المتأنى الذى يتسم بالمنهجية والعلمية، فجاءت آيات كثيرة دعوة إلى التأمل والتفكير والتدبر، من ذلك قوله تعالى "أولم يروا "أولم يتفكروا" "أفلم ينظروا".