قاموس المصطلحات السياسية : " الأبارتايد " (1)

قاموس المصطلحات السياسية : " الأبارتايد " (1)قاموس المصطلحات السياسية : " الأبارتايد " (1)

*سلايد رئيسى9-2-2017 | 20:40

الأبارتايد

د. محمد ماهر قابيل

الأبارتايد هو الفارق العنصري. وكانت تلك السياسة مطبقة في جنوب أفريقيا لفصل الأقلية البيضاء الوافدة المسيطرة عن الأغلبية السوداء الأصيلة المقهورة. كانت جنوب أفريقيا تحت حكم النظام العنصري الذي تمسك بالأبارتايد دولة مستقلة في أفريقيا، وليست دولة أفريقية مستقلة. كانت موجودة جغرافيا داخل أفريقيا لكنها لم تكن تنتمي قوميا إلي تلك القارة. وكان الاختلال بين الجغرافيا وبين السياسة أحد أبعاد تراجيديا الأبارتايد كمأساة جيوبوليتكية تعكس مفارقة لم يكن لها شبيه في العالم إلا على أرض فلسطين منذ إقامة الدولة العبرية الاستعمارية الاستيطانية العنصرية التوسعية بتآمر الإمبريالية والصهيونية معا. وربما لذلك التشابه توطدت العلاقات الوثيقة بين الكيانين على الرغم من الإدانة الإنسانية واسعة النطاق للأبارتايد، والمقاطعة الرسمية والشعبية لحكومة الأقلية البيضاء حتى سقطت التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا عندما توج الحل الديموقراطي لتلك المشكلة كفاح الحركة الوطنية السوداء بتحقيق المساواة بين البيض وبين السود كقيمة سياسية، وإجراء الانتخابات العامة التي شارك فيها الجميع على اختلاف ألوانهم. كان مأزق العزل العنصري هو التناقض مع القانون الطبيعي للوجود الاجتماعي. فالظاهرة الاجتماعية ليست ظاهرة عشوائية تتخبط في كينونتها كيفما اتفق بلا ضابط ولا رابط وإلا كانت حركة التاريخ البشري ذاته عبثية بهذا المعنـى. إن الظاهرة الاجتماعية خاضعة لناموس يفرض قواعده الصارمة التي قد تكون أحيانا أشد حسما من قواعد قانون الوجود المادي. وأية محاولة فردية أو جمعية لانتهاك تلك القواعد القانونية الطبيعية الاجتماعية هي محاولة محكوم عليها بالفشل في الأجل الطويل لأن الطبيعة تعلو دائما في النهاية ولا يعلى عليها. ومن بين مبادئ القانون الطبيعي للوجود الاجتماعي مبدأ المساواة. فالناس كافة متساوون من حيث المبدأ لا يجوز التمييز بينهم من منطلق غير إرادي مثل اللـــــون أو العرق أو الجنس. والقانون الطبيعي للوجود الاجتماعي لا يسمح بالتميز ولا بالإدانة من منطلق غير إرادي. وعلى سبيل المثال فإن بعض المجتمعات المتخلفة أدان المرأة لمجرد كونها امرأة. وبعض الحضارات القديمة كان عنصريا يأخذ بالاستعلاء العرقي. وبعض الأطروحات الفكرية كان يروج لدعوى تفوق جنس معين كالجنس الآري. وكل تلك التجاوزات كان مآلها الزوال لأنها ضد القانون الطبيعي للوجود الاجتماعي الذي لا يقبل التميز أو الإدانة إلا من منطلق إرادي بمعنى أن الشخص يستطيع أن يتميز بإرادته: بخلقه، بعلمه، بعمله. ولا تتحقق إدانته إلا بإرادته أيضا كأن يسرق أو يعتدي أو يقتل بغير حق. وهكذا فإن الأبارتايد عدوان على القانون الطبيعي للوجود الاجتماعي لأن وضع الخصوصية حيث ينبغي أن تسود العمومية تعطيل لآليات هذا القانون. وتعطيل آليات القانون الطبيعي لا يكون إلا بشكل مؤقت. إن ذلك التعطيل يكون بمثابة الوقوف في مواجهة ظاهرة كونية بقصد منع وقوعها ولو في نطاق ما. لقد تراجعت العنصرية في الولايات المتحدة تحت راية دستور عشي الألوان لا يميز بين الأبيض وبين الأسود بفضل النضال من أجل القضاء على التراث الثقافي السياسي للرق. ولم يبق بعدها من بقايا العنصرية في العالم إلا الصهيونية على أرض فلسطين لكنه البقاء المرحلي بطبيعته. إن حركة التاريخ التي صححت ذاتها بذاتها على طريق الشرعية في جنوب أفريقيا هي حركة التاريخ التي تقدمت بثبات نحو إعلاء القانون الطبيعي للوجود الاجتماعي في فلسطين.

    أضف تعليق

    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2