فى أحدى المرات وعلى مدخل البناية قابلت سيدة منتقبة سألتنى إذا كان معى بطاقة المصعد فأجبتها نعم ، قالت أنها جربت بطاقتها أكثر من مرة دون جدوى ، قلت "بسم الله " ومررت البطاقة فتحرك المصعد ، سألتنى عن السبب ولماذا أستجاب المصعد لبطاقتى؟ ضحكت وقلت المصعد لايعمل إلا بذكر الله ثم ضحكت، أثارت إجابتى غضب السيدة وردت بعصبية : أستغفر الله العظيم ،لماذا تقولين ذلك ألا ترين ..ورفعت المصحف فى يدها وقالت نحن حملة كتاب الله وحفظته " آثرت السلامة وعدم الرد ،ولكن السؤال الذى ورد على ذهنى وقتها إذا كان البعض يرى أنهم حملة كتاب الله فكيف يرى الآخرين وفى أى مرتبة يضعهم وكيف يحدث التمايز الدينى بين الناس من قبل بعضهم البعض وهى مهمة إلهية ؟ وكيف نرى بعضنا البعض فى المجتمع من ترتدى نقاب، أو ملتحى أو ترتدى حجاب عادى أو بدون حجاب أو من يعلق صليبا على رقبته؟
المشكلة أصبحت أكثر وضوحا وخاصة بعد تفجيرات الكنائس التى تحرم الناس أعيادهم وتغرقهم فى الحزن والخوف ليس لسبب سوى أن دينهم مختلف، والأديان كلها تبنى على ثقافة الحب والحياة ولكن البعض يصر على نشر الكراهية وتبنى ثقافة الموت والكارثة أنهم يرونها طريقا إلى الجنة وإلا كيف يفكر شخص ما فى تفجير نفسه وإنهاء حياته وحياة آخرين؟ وكيف نرى جميعا الحادث ونعلق عليه؟
فى كل مرة يتحدثون عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى حتى أصبح الأمر شعارا مستهلكا دون جدوى ، ويتم التركيز على أحاديث الوحدة الوطنية التى لا تحتاج إلى تكرار لأنها بالفعل هى الأساس فى المجتمع والأغلبية ترفض العنف ضد الأخرين ومايحدث من قبل المتطرفين والإرهابيين مرفوض من قبل أى عاقل بغض النظر عن دينه.
فهم مجموعة من المجرمين يجب أستئصالهم من المجتمع ومحاربة تلك الأفكار التى تحض على الموت ونشر ثقافته .. وهذه قضية دولة وأمن مجتمع .
وما نلمسه حاليا هو أننا نعيش فى مجتمع منقسم يرى البعض فيه من يغايره أو مختلف عنه أنه شخص غير طبيعى، هم يرون أن من يخالفهم مجموعة من العصاة يستحقون العقاب وعلى الطرف الآخر يرونهم متعصبين وربما متطرفين لهم عالم منفصل ومختلف ،هذه الهوة بدأت فى الاتساع ،أكثر من مرة أشاهد مواقف تتم فيها معاملة المنتقبات بطريقة سيئة وبدون سبب منها مثلا رفض دخولهن بعض الأماكن، والتصوير أثناء استخراج أوراق ثبوتية، حالة من العدواة والرفض دون أسباب واضحة.
وعلى الجهة الأخرى هناك نوع من التعالى يصدر ممن يحتكرون الدين، ويرون أنهم فى مرتبة أعلى ولذا ستجد أن الكثيرين يشعرون بالإساءة إذا سمعوا من يدعو لهم بالهداية مثلا ويرون فيها نوعا من السخرية والتقليل من شأنهم.
الحرية هى أن يختار كل إنسان حياته بالصورة التى يراها مناسبة دون محاسبة غيره وكأنه إله، والدين ليس فقط تلك المظاهر التى يتمسك بها البعض دون فهم لأبسط القواعد وهى المعاملة الطيبة والابتعاد عن الخشونة والتعالى، وإلا أصبحت العزلة هى شأن كل جماعة ترى من يخالفها كافر أو عاصى يستحق الأجتناب والقطيعة وصولا إلى القتل.