مصطلح «الدولة العميقة» الذى صدرته لنا «الميديا» الغربية إبان زخم الفوضى فى أحداث الربيع العربى لتمرر من خلاله بعضا من أفكارها التى تصب فى صالح مخططاتها لمصر والمنطقة العربية، هذا المصطلح نفسه نستطيع أن نرده لأصحابه الآن حين نقرر أن الدولة العميقة فى أمريكا استطاعت تعطيل صدور القرار الذى صدّع به ترامب رؤوسنا حال كونه مرشحًا رئاسيًا، وخلال أيامه الأولى بعد أن سكن البيت الأبيض، حين كان يتوعد الإخوان تصريحًا وتلميحًا وبشتى الطرق بأنه سوف يدرج جماعتهم على القائمة الرسمية الأمريكية التى تشمل المنظمات الإرهابية على مستوى العالم، وبعد مائة يوم مرت من حكمه يسأل كثير من الخبراء والكُتّاب الأمريكيون: ماذا أصاب ترامب؟! لماذا نكث فى وعده، وتغير من ناحية الإخوان؟!
(1)
فى الثانى من شهر أبريل الحالى صدر قرار محكمة النقض المصرية برفض طعن 18 من قيادات الإخوان على قرار النائب العام الصادر بإدراجهم على قائمة الإرهابيين حسب قانون الكيانات الإرهابية.
وصدور القرار من «النقض» معناه أن الحكم الذى شمل أقطاب الجماعة وبينهم المرشد الحالى (بديع) والمرشد السابق (عاكف) إضافة إلى عدد من نجومها الذين لمعوا قبل أن يحترقوا خلال عامين لا أكثر ومنهم، الكتاتنى، والشاطر، والبلتاجى، والعريان، والبيومى، هؤلاء وغيرهم باتوا موسومين بصفة إرهابى، مع ما يستتبع هذا الوسم القضائى من تبعات قانونية يشملها ويوضحها قانون الكيانات الإرهابية الصادر فى شهر فبراير من عام 2015، هذا القانون الذى يشتمل على قائمتين واحدة تسمى «قائمة الكيانات الإرهابية» والأخرى «قائمة الإرهابيين» ويدرج على الأولى التنظيمات والجماعات وما فى حكمها، بينما يدرج على الثانية الأشخاص الطبيعيون سواء أكانوا أفرادًا، أو فى إطار كيان إرهابى.
ويعرّف نص القانون كلا من الإرهابى والكيانات الإرهابية تعريفا دقيقا، وإذا ما أسقطنا التعريفين (الديباجات متاحة على شبكة المعلومات لمن يريد العودة إليها) على الجماعة ككيان تنظيمى، والأفراد المنتمين إليه، وقمنا بمقارنة التعريف أو التوصيف القانونى بأفعال الجماعة وبعض المنتمين إليها من المحبوسين، أو الطلقاء الذين يصرون على مواصلة الانتقام العنيف من الشعب (وداخله الجيش والشرطة)، لن نضل الحُكم على هذا الفصيل الذى أصابه الجنون بعد أن قرر المصريون إقصائهم عن السلطة قبل ما يقرب من 4 سنوات وقد ظن الإخوان أنهم مواقعوها إلى الأبد، فخيّب الله ظنهم، ومن يومها لم يهدأوا ولم يثنهم عن غيهم أرواح المئات التى أزهقت على مذبح غرامهم بالسلطة الذى يسمونه تمكينًا، وما هو إلا تمكين من رقاب العباد وأفئدتهم، وأقدارهم التى لا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى.
وأدرج الكوادر الإخوانية سالفة الذكر على قائمة الإرهابيين جاء استنادًا إلى اتهامهم فى قضية «أحداث المقطم» هذه الأحداث التى وقعت أمام مقر مكتب الإرشاد الكائن فى المقطم، وقد سقط جراء أحداث العنف تلك 9 قتلى وما يقرب من مائة مصاب.
وبالتزامن مع صدور حُكم محكمة النقض الذى وسم الجماعة وأفرادها فى مصر بالإرهاب، كان مراقبون وكُتّاب رأى وسياسيون فى أمريكا يعلنون عن اندهاشهم من صدور مذكرة من الخارجية الأمريكية تنصح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعدم إصدار قرار إدراج الإخوان على قائمة الإرهاب الأمريكية الرسمية، وفى قول آخر تعطيل هذه القائمة وعدم تعيين منظمات خارجية كمنظمات إرهابية، وهذه المذكرة التى سبقها عمل كثير من الإخوان فى أمريكا جاءت بمثابة عامل الحسم فى تأجيل وربما إلغاء قرار إدراج الإخوان على قائمة الإرهاب.
(2)
وهذا الموقف السابق ربما يغرى البعض على أن يقرر أن موقف الإدارة الأمريكية الحالية من الإخوان بات غامضا، لكن قراءة متأنية للأحداث يكمن أن تكشف الكثير، وتفضى إلى فهم ما انتهى إليه صُنّاع القرار فى الإدارة الأمريكية من عدم إصدار القرار الذى كنا ننتظره، ونرى صدوره أشبه بصدور قذيفة مدفع مؤثرة فى الحرب على الإرهاب، وعدم صدور هذا القرار ليس معناه سكون أو عدم فعل من الإدارة الأمريكية، ولكن معناه أن فعلا سلبيا صدر عنها وسوف تعود تبعاته على أمريكا ذاتها التى انتصر فيها الرأى الذى ما زال يعتمد سياسة اللعب بورقة الإخوان، ويرى أن إعلانهم جماعة إرهابية سوف يحرق هذه الورقة، وهو فكر تتبناه كوادر الدولة العميقة أو الباقون من عناصر إدارة الرئيس أوباما فى وزارة الخارجية الأمريكية، ووكالة الاستخبارات الأمريكية الـ (CIA) وفى هذا الصدد نشير إلى ما كشف عنه موقع «بوليتيكو» الإليكترونى فى أوائل شهر فبراير من هذا العام، وقد نشر الموقع تقريرًا استخلصه من مذكرة صادرة عن وكالة الاستخبارات (CIA) تفيد رفض الأخيرة و نفورها من إجراء يتم فيه تسمية أمريكا للإخوان جماعة إرهابية، وجاء فى هذه المذكرة أيضا أن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يزيد أعمال التطرف والعنف ويمثل وقودًا لهما.. والسؤال: هل أخافت هذه المذكرة الرئيس ترامب..؟!
(3)
عاملان آخران كان لهما تأثير قوى فى الفعل السلبى للإدارة الأمريكية بشأن الإخوان، الأول هو هذه الحملة الإعلامية المنظمة التى رصد لها الإخوان 5 ملايين دولار وجهوها لشراء تأييد وسائل إعلام أمريكية ومنها صحف مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«فورين بوليسى»، هذا غير توظيف كتائب إليكترونية تقوم بالتعليق على ما تنشره المواقع الإليكترونية الناطقة بالإنجليزية، وتتابع ما ينشر وتعلق عليه، أو تنشر وتعلق فى مواقع التواصل الاجتماعى ما تضغط به على أعصاب الإدارة الأمريكية..
وفى هذا السياق ذاته جاء مقال جهاد الحداد المنشور على صفحة كاملة استأجرتها الجماعة من صحيفة «نيويورك تايمز» والتى منحت الجماعة فرصة التوجه للداخل الأمريكى لتجميل وجه الجماعة وسمعتها ومواقفها التى تدعى أنها سلمية ناهيك عن التعبير عن مظلوميتها، والحداد هو مهندس حملة الضغط الإعلامية أما عرّابها فهو مؤسسات مدنية أمريكية أهمها مؤسسة كلينتون التى قامت بدور حلقة الوصل بين الحداد و إدارة صحيفة «نيويورك تايمز» والمؤسسة الأخرى الضالعة فى هذا الأمر هى مؤسسة «كير» التى تدعم النشاطات الإخوانية فى أمريكا، وغيرها من نشاطات توصيل الدعم المادى القادم للجماعة من الخارج وتمثل غطاء لقطر وغير ذلك من نشاطات أهمها القيام بدور جماعات الضغط حيث تمثل «لوبى» قوى جدًا ضد أعداء الجماعة فى الإدارة الأمريكية الحالية وضد من يهاجمها فتقوم بمهاجمتهم على أساس حقوق المواطنة واضطهاد الأقليات وتلاحقهم قضائيا.
(4)
والفقرة الأخيرة من الكلام السابق تسلمنا إلى ملحوظة مهمة جدًا من وجهة نظرى وهى أن المؤسسة التى تسمى «كير» ويرمز هذا الاختصار لاسمها وهو «مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية» تخلط هذه المؤسسة فى عملها كثيرًا ما بين الدفاع عن المسلمين كأقلية دينية أمريكية هى بالفعل تحارب الآن اجتماعيًا وسياسيًا بتهمة الإرهاب، وهى بالفعل الآن مضطهدة ومتهمة فى الولايات المتحدة، وبين دعم ومساندة جماعات منسوبة للإسلام السياسى، ومتورطة فى أعمال عنف مثل الإخوان، وهذا الخلط أضر كثيرًا ليس فقط بالمسلمين، ولكن أيضا بالإسلام كدين، وقضية عادلة، لكن للأسف وقعت فى أيدى محامين فشلة كما كان يقول العالم المستنير المرحوم الشيخ محمد الغزالى.