بَيْن كَسْرِالقلب وجَبْرَه (خَيْط رفيع) إسْمه (الأسلوب )..
ومِنْ فنونِ الأدْبِ.. رُقىّ الحَرْفِ.. رقّة الحديث.. تضافُر الكلمات لِين مَعْنى.. صدق مَسّ نَبْضِ وِجْدان.. إثارة مَعانى لأجْمْلِ حِسّ..وَصْل الفِكْر دون خَدْش.. أو جَرْح عادات.. أو إيلام أعْرِاف.. أو تَكسر تقاليد.. أو رَمْىّ أحْجَارِ.. أو سِيْاط جَلْد عَجْزٍ؛ وضِعْف عَنْ تعاليم أدْيَان..أو إعلان فَضْحٍ دون سَتْرٍ..
اختيْار اللفظ المُنْاسبالمُهّذّب مِنْ وصايْا جميع الأديْان؛ دون استثناء..
والكلمة الطيّبة تعدّ من عظيم الصّدقات، التى يُثَابُ عليها الإنسان.. وعنوان وتقدير وتقييم الشعور والإنْطِباع عند اللقاء الأوّل..
وكان الشّافعى يرحمه الله يقول:
ـ تحدّث حتى أعْرَفك..!
وفى إحْدَى اللقاءات.. كان في حِيرة مِنْ أمْرِ رَجُلٍ صامت.. ويَنْظر إليْه الإمامُ الفاضل.. ويلمّ قدميه؛ تهيباً وتوقيراً وإجلالاً لسُكاته المُريب..
فإذا ما تحدثّ.. جاء كلامه دون المِسْتَوى.. فقال مأثورته الشّهيرة:
ـ آن للشافعىّ أن يمُدّ قدميه..!
ولكُلّ مقـامٍ مقـال..
فيُقال للمريض (معافى).. و للأعْمَى (بصير).. وللأعْوَرِ(كريم العَيْنِ)..
و كان هارون الرشيد؛ قد رأى في بَيْته ـ ذات مَرةـ حزمة من (الخَيْزَران)..
فيسألُ وزيره الفَضْل بن الربيع:
ـ ما هذه..؟
فأجابهالوزير: (عروق الرّماح) يا أمير المؤمنين..!
لماذا لم يقل له: إنّها (الخيزران)..؟
قمّة الأدب فى الحوار.. والتسامى فى الخُلق.. والحضور السّامى التلقائى.. فِعْل وسلوك عقيدة.. وتطبيق حَىّ لمفهوم (الدين المعاملة).. وقوله صلى الله عليه وسلم (إنّما جئتُ لأتمّم مَكْارِم الأخْلاقِ..!)
وذلك لأنّ أمّ هارون الرشيد؛ كان إسمها (الخَيْزَران)..!
فالوزير يَعْرِفُ مَنْ يخاطب؛ فلذلك تحلّى بالأدب الجَمّفى الإجابة..
،،،،
وأحد الخلفاء الراشدين يسْأل ولده من باب الاختبار:
ـولدى..
ما جَمْع كلمة (مِسْوَاك)..؟
فيجيبهالإبن الجميل الخُلق والخِلقة بالأدب الرفيع:
ـ ضد مَحَاسِنك يا أمير المؤمنين..!
ولَمْ يَقُل الوَلد (مَسْاويك)..!
لأنّ الأدب يُهذَّب لِسَانه، ويُشَهّد طِباعه.. ويُزيّن روحه.. وتزدان شفتاه بأرْوَع كَلم.. وأحْكَم عِبْر.. ويضربُ النموذج الأمثل لدُرّ ثمار التربيّة فى الإسْلامِ.. الوَلد الصّالح..
ويخرج الخليفة-رضي الله عنه- يتفقد المدينة ليلْاً، فيرى ناراً موقدة، فيقف، ويُنادى:
ـ يا أهل الضَّوء..؟
ويختارُ مِنْ النّارِ إيجابيّة النّور.. وماتبعثه مِنْ ضِيْاء.. رَغْم رؤيْته لألسنة النّار تَصّاعد أمام كُلّ وَجْه..
ويكْرَه أنْ يقولُ:
ـ يا أهل النَّار..!
ولمّا سُئِل العبّاس- رضىّ الله عنه، وعَنْ الصّحابة أجْمَعين:
ـ أنْتّ أكْبَرُ أمْ رسول الله صلى الله عَليْه وعلى آله وسلّم..؟
فأجاب العَبّاس قائلاً:
ـ هو أكْبَرُ مِنّي..وأنا وُلدت قبله!
ما أجملها مِنْ إجابة.. في قمّة التأدّب لمقام رسول الله -عليه وعلى آله الصلاة والسلام..
اختيار الألفاظ قيمة..تضيعُ للأسف فى مجتمعاتنا.. وأصبح بعضنا يبرّر ذلك لنفسه ببعضِ الكلام مثل:
ـ أنا صريح..وأتكلّم بطبيعتى.. أو أنّه بذلك يبتعد عن النفاق..أرجوك تقبّلنى كما أنا..وغيرها
حتى فى الحُبّ.. أسمى علاقة بَيْن الرجل والمرأة؛ بتتمة الزواج.. رِزْق شَرْعِ رَبّ.. نجدُ مَنْ يَأتى فيقول:
ـ الذى يُحِبّك.. يتقبّلك كما أنْتّ!
وهذا خطأ..!
إنّما هو الحضور الأوّل.. ولحظة البدايْة.. والذى يحبّك فى الله حقّاً..ويُكِمّل طريق الحُبّ وأنْتّ؛ مَنْ يقفُ بجانبك.. ويحتويك.. ويُسَاعِدُك، لتكون أفضل إنْسان على وَجْه الأرْضِ.. وليْس احْتِواءِ عَيْب.. سْرعان ما يتنامى ومسيرة الحياة شوكاً ومُرّاً، ليَفْصلُ بَيْن المُحَبّين.. ويفسدُ مسيرة عَيْشِهما..
وجميعها دعاوى غَيْر مُقْنِعة.. وغَيْر مَنْطقيّة.. وتبتعدُ عَنْ السبب الحقيقى..وهو الضّعف البَشْرى.. وعَدْم القدرة على تغيير سوء الطِبْاعِ.. بل والتجرؤ على عَدْمِ الاعْتِرافِ بها؛ لتحويلها إلى ايجابيّة.. وجِهاد نفس ومُكَابدة؛ فى المناطق المُحَرّمة مِنْ الأفكار قولاً وفعلاً.. واعْتِيْاد السّلب.. والدّين والأخْلاق والقيْم الإنسانيّة ونظريّات التنميّة البشريّة منها بَرْاء..
ولنا فى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إسْوَة حسنة.. عندما زار جاره اليهودى المريض.. ولم يَجِد القمامة، التى كان يلقيها يلقيها على بابه يوميّاً.. فيقولُ مأثورته الخالدة:
ـ عاملُ الإنسان بالكَرْمِ.. عَلّه يَجْرَحك كَرْمه!
وليْس أفضلُ.. ولا أيْسَرُ مِنْ الأسْلوبِ المُنْاسب جُود نفس.. وجَبْر خاطر إنْكِسَارِ قلب..
وإنْ كُنت لاتستطع البُعْاد عَنْ سوء الحديث.. وتعجز وتفشلُ عن رَدْعِ الآخرين،ومنع أذيْة سوء لفظهم.. إغلق آذانك.. و
وابْتَعِد فى هدوء..!
وقد جاء شَخْصٌ لشيخٍ جليل.. فقال:
ـ فُلانٌ شتمك.. وتفوّه عَليْكَ بسوء فى أحد المجالس!
فقال الشيخ الطيّبُ:
ـ إنْ كان الرجلُ رمانى بسَهْمٍ؛ فلَمْ يصبنى..
فلماذا حَمَلت أنْت السّهْمَ، وغرسته بقلبى..!
،،،،
فالكلمة؛ إنْ لَمْ تَجْبُر خاطر.. لا .. لاينبغى أن تدعهاتجرح قلباً..
بل الأقسى أحْياناً تقتل..!
وبالأمس.. رحل عنّا الشّاعر الكبير صلاح عبد الصبور بسبب (كلمة)..
عندما قال له شاعر زميله.. وراح يعنّفه.. ويتّهمه بالخيانة؛لأنه لم يتخذ موقفاً واضحاً من معاهد السلام المصريّة الاسرائيلية وقتها..( كامب ديفيد)، وربّما رماه بالتأييد لها.. وقال له:
ـ لقد خنت ياصلاح..!
والاختلاف فى وجهات النظر لا يبرّر سوء فعل قول..!
والله تعالى يقول:
ـ (وقولوا للناس حسناً).. (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن).. (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه..)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرسم لنا معالم الطريق:
ـ اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة.. إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاًيرفعه بها درجات..
وأيضاً.. والكلمة الطيبة صدقة.. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت..
فالأسلوب الحسن مجموعة مِنْ كلمات طيّبة وجميلة اللفظ والمَعْنى.. تقرّب وتؤلّف الأفئدة.. وتُذْهِبُ حُزْنها.. وتمسح على بأسها..وتجبر بخاطر سامعها.. وتخلف الأثر الطيّب بالنفوس..
وغالباً ماتفتحُ أبواب الخير.. وتسدّ مسارات الشرّ.. وتؤدى إلى الأعمال الصالحة وتزيّنها.. وأكثرُ تحتضنه؛ عندما يرافقها ودّ بسمٍ..
ولا بَعْد الإبداع المُعْجِزِ لقوله تعالى:
ـ ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.. صدق الله العظيم