دار المعارف
مساء اليوم الأحد تستطلع دار الافتاء هلال شهر رمضان، ومن المنتظر أن يكون اليوم هو المتمم لشهر شعبان عام 1440هــ ، وغداً الاثنين هو غرة شهر رمضان لعام 1440هــ ، وسوف تعلن عدد من الدول العربية بدر شهر رمضان اليوم أيضا، وكذا عدد من الدول الإسلامية فى بقاع الأرض المختلفة، سوف تحتفل بقدوم الشهر الكريم.
والمصريون المحدثون ، ومنهم من هو حى يرزق من كبار السن يتذكرون وقائع ليلة استطلاع هلال رمضان ، التى مازال باق منها بعض الطقوس والفعاليات مثل زفة الطرق الصوفية، وأبرزها الحامدية الشاذلية والرفاعية، فيها عدد من اتباع الطرق الصوفية امام جامع الجعفرية فى الدراسة ويسيرون فى مركب يتقدمهم شرطة الخيالة وينزلون من الدراسة إلى مسجد ومقام الامام الحيسن رضى الله عنه ، فيقرأون لصاحب المسجد والمقام فاتحة الكتاب ثم يقدمون التحية لاشرف خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم ويتوجهون بالتحية لمشايخ الكبار، فى القاهرة الفاطمية وأحيائها ، وكل المظاهر تشير إلى قدوم الشهر الكريم .
فى الأحياء والشوارع
فى الأحياء والشوارع القديمة فى احياء القاهرة وغيرها من المحافظات ينطلق الصبية والاطفال لتعليق الزينات يتوسطها فانوس رمضان التقليدى المصنوع من الزجاج والصاج أو الورق الملون على أشكال مختلفة منها الجامع أو الكعبة المشرفة، وتنشر سراوقات الجوامع لصلاة التراويح أو خيم موائد الرحمن وخيم بائعى الكنافة والقطايف أو فى المخابز
مظاهر البهجة
مظاهر البهجة العارمة بشهر رمضان بما فيها ليلة الرؤية بدأت فى مصر مع الفاطميين الذين جاءوا من بلاد المغرب، وفتحوا مصر بقيادة القائد جوهر الصقلى، واستقرت لهم الأمور فها ، فقرر معزُّ الدين الفاطمي ودخل معز الدّين الفاطمي مصر في سنة 362هـ المُوافقة لسنة 972م، لتصبح مقرَّ حكم الفاطميين، بعد أن نقلوا عاصمة دولته من المهديَّة بإفريقية " تونس" إلى مصر وشرعوا فى بناء القاهرة المعزية عاصمة الدولة في 17 شعبان سنة 358 ه ـ(6)
واستن الخلفاء الفاطميون طقس استطلاع هلال رمضان، وبنى الوزير بدر الجمالي مسجدا له على سفح المقطم اتخذت مئذنته مرصدا لرؤية هلال رمضان.
وكانوا يخرجون في احتفال كبير لإعلان حلول شهر رمضان، ويبدأ خروجهم من (أحد أبواب القصر الفاطمي) باب الذهب وأمامهم الجند تتقدمهم الموسيقى، ويسير في هذا الاحتفال التجار صانعو المعادن والصاغة وغيرهم، يتبارون في إقامة مختلف أنواع الزينة على دكاكينهم م فتبدو الشوارع والطرقات في أبهى زينة.
المماليك بعد الفاطميين
ومن بعد الفاطميين، حافظ المماليك على الاحتفال باستطلاع رؤية هلال رمضان، وكان قاضي القضاة الشافعي (القاضي الرسمي بالدولة المملوكية) ومعه قضاة المذاهب الثلاثة (الحنفي والمالكي والحنبلي) يقومون باستطلاع هلال شهر رمضان، ويشترك معهم المحتسب وكبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف.
كان القضاة يشاهدون الهلال من منارة مدرسة المنصور قلاوون، فإذا تحققوا من رؤيته أضيئت الأنوار على الدكاكين وفي المآذن وتضاء المساجد، ثم يخرج قاضي القضاة في موكب تحف به جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس والشموع حتى يصل إلى داره، ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام.
احتفالات المصريين
رصد المؤرخ محمد بن شهاب الدين بن إياس في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور" احتفالات المصريين باستطلاع هلال شهر رمضان في أواخر العصر المملوكي وأوائل الاحتلال العثماني، ففي استطلاع هلال شهر رمضان لعام 920 هجرية (الموافق 1514 ميلادية) "خرج العلماء والوجهاء يتقدمهم قضاة المذاهب الأربعة بالمدرسة المنصورية، وحضر الزيني بركات بن موسى المحتسب، فلما ثبتت رؤية الهلال، انفض المجلس وركب المحتسب ومشى أمامه السقاؤون بالقرب، وأوقدوا الشموع في الدكاكين وعلقوا المواقد والقناديل على طول الطريق إلى بيت المحتسب".
وبعد أن احتل العثمانيون مصر عام 922 هجرية (الموافق 22 يناير 1517)، وكان المذهب الحنفي هو المذهب الرسمي للدولة العثمانية فقد اقتصر هلال شهر رمضان على قاضي المذهب الحنفي، وهو ما أثار غضب قضاة المذاهب الثلاثة الأخرى.
سفح المقطم
وظل سفح المقطم هو المكان الذى يتم فيه استطلاع الهلال في العصر العثماني، فيخرج قاضي القضاة التركي ومعه المحتسب في موكب مهيب، ويتوجهون إلى موضع مرتفع بجبل المقطم حيث يترقبون الهلال، فإذا ثبتت رؤيته عادوا وبين أيديهم المشاعل والقناديل، ويعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان ويعود إلى بيته في موكب حافل يحيط به مئات الجنود.
واشتكى المصريون من العثمانيين طوال فترة احتلالهم لمصر حيث حولوا مشهد استطلاع هلال غرة شهر رمضان من احتفالات وبهجة إلى مناسبة تسبب لهم العنت، والآلام، التى تبدأ بمجرد الإعلان عن غرة الشهر الكريم، فينطلق عساكر الاحتلال العثمانى من "الإنكشارية والسباهية" في الشوارع لطلب الإتاوات من الأهالي تحت اسم "مال الهلال"، ويعتبرونها هدية واجبة على الرعية، لأنهم أخبروهم بقدوم شهر رمضان وعيد الفطر، عن طريق إطلاق 21 طلقة مدفع في مساء يوم 29 من شهر شعبان.
وفرضت سلطة الاحتلال العثمانى علي أعيان القاهرة إقامة "سماط" (وليمة) يوميا في بيوتهم، يقدمون فيها أجود الأطعمة من لحوم وأرز وفاكهة لجنود الانكشارية، والسباهية، ونال الفقراء والفلاحون نفس ما أصاب أعيان العاصمة، ففرضوا عليهم تقديم وجبتين للجنود في المناطق البعيدة عن قلب العاصمة والأقاليم.
الفرحة باقية
وزال الاحتلال العثمانى عن مصر بدخول الحملة الفرنسية عام.... وبعد جلائها يأتى عصر محمد على، وتظل الاحتفالات الشعبية عند المصريين بليلة الرؤية والشهر الكريم، فى الحياء والشوارع، وخاصة الشعبية منها، إلى أن أتى عصر الراديون والتليفزيون، ومن بعدهما الفضائيات والكمبيوتر، لتقل تدريجيا مظاهر الاحتفال خاصة فى الأحياء الراقية، لكن الفرحة تبقى فى القلوب لا تتغير.