نادية صبرة تكتب: رسالة من أبو بكر البغدادي

نادية صبرة تكتب: رسالة من أبو بكر البغدادينادية صبرة تكتب: رسالة من أبو بكر البغدادي

* عاجل11-5-2019 | 20:45

يوم الحادي والعشرين من أبريل الماضي كان يوماً عصيباً في تاريخ "سريلانكا" تلك الجزيرة الهادئة الواقعة جنوب شرق آسيا ويقطنها 21 مليون نسمة بينهم 70% بوذيون وأقلية كاثوليكية و10% من المسلمين و7% من المسيحيين.
فقد شهدت العاصمة السريلانكية "كولمبو" تفجيرات دامية استهدفت ثلاث كنائس وثلاث فنادق فخمة أثناء الاحتفالات بعيد الفصح أدت إلى مقتل 207 أشخاص وإصابة 450 آخرين. هذا العدد الكبير من الأرواح التي ازهقت على أبواب الكنائس والفنادق ماتت دون أن تعرف بأي ذنب قتلت؟ ولماذا؟ وحده "زهران هاشم" الانتحاري الذي بايع تنظيم داعش وفجر نفسه في هؤلاء الضحايا يعرف إجابة هذا السؤال. ولا شك أن خطابات الكراهية لعبت دوراً رئيسياً في التحريض على هجمات سريلانكا فلو تتبعنا تاريخ هذا الانتحاري سنجد أنه أعلن ولائه لزعيم تنظيم داعش "أبو بكر البغدادي" بشكل علني عبر صفحته في الفيسبوك وأسس جماعة تسمى "التوحيد الوطنية" كما أنه كان على علاقة صداقة وطيدة بيوسف القرضاوي مفتي الإرهاب الذي ترأس لعدة سنوات المنظمة المشبوهة التي تسمى "الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين" التي لا أحد يعرف من يقوم بتمويلها بالضبط ويحدد لها الخطط والأهداف والتي سارعت بإصدار بيان تستنكر فيه الزج باسم القرضاوي في هذه التفجيرات رغم أن القرضاوي أعلنها صراحة صوت وصورة أنه لا ضرر من القيام بالعمليات الإنتحارية إذا رأت الجماعة أنها في حاجة ليفجر شخصاً نفسه في الآخرين بشرط أن تقوم الجماعة بتدبر هذا الفعل بأقل الخسائر الممكنة!!. وتزامناً مع تلك التفجيرات عاد "أبو بكر البغدادي" زعيم تنظيم داعش الإرهابي للظهور مجدداً عبر إصدار مرئي هو الثاني له بعد مرور خمس سنوات منذ آخر ظهور له في عام 2014. والأول له عقب سقوط التنظيم في قرية الباغوز السورية في مارس الماضي. حيث كان "البغدادي" من ضمن مجموعة قادة داعش المحاصرين داخل القرية في منطقة لا تتعدى عدة كيلو مترات وكادت قوات سوريا الديمقراطية تحكم قبضتها عليه وبقدرة قادر تبخر هو ومجموعة من المقربين جداً منه وانتقل إلى منطقة آمنة تسيطر عليها القوات التركية!
الفيديو مدته 18 دقيقة ويحمل عنوان "في ضيافة أمير المؤمنين" أراد "البغدادي" المطلوب الأول حول العالم من هذا الظهور أن يثبت للعالم أنه بخير وفي صحة جيدة وليس مصاباً وأن كل ما تردد عن مقتله أو إصابته لا أساس لها من الصحة. كما أعلن أن معركة الباغوز قد انتهت (في إشارة إلى طرد التنظيم من شرق سوريا) ولكن الحرب من وجهة نظرة لم تنتهي بعد لأن الله أمرنا بالجهاد ولم يأمرنا بالنصر، كما انتقد الاحتجاجات في كلاً من السودان والجزائر داعياً الشعبين لكي يحملوا السلاح ويقاتلوا ضد حكوماتهم إذا كانوا يريدون إحداث التغيير!
أما أخطر ما جاء في الفيديو هو اعترافه بتفجيرات سريلانكا الدامية معتبراً أنها غزوة الثأر لقتلى وجرحى التنظيم في الباغوز داعياً عناصره داخل سريلانكا بمواصلة العمليات الإرهابية كما أعطى إشارات واضحة بإستهدافه المسيحيين خاصة في المناطق التي يتواجد فيها أتباع داعش عندما قال بالنص: - ((إن معركة الإسلام وأهله طويلة مع الصليب وأهله، وأنه سيكون بعد هذه المعركة ما بعدها))!! ومنذ ظهور البغدادي الإرهابي الاخطر عالمياً وأجهزة الاستخبارات الكبرى تعكف على دراسة هذا الفيديو بشكل دقيق في محاولة للتوصل للمكان الذي يختبئ فيه البغدادي ولكني أرى أن الأهم من التوصل لمكان اختبائه هو فهم الرسالة التي أراد إيصالها للعالم وهي رسالة واضحة صريحة لا لبس فيها "الإرهاب قادم وسينتشر بقوة" وربما يكون لتركيا دوراً في هذا الظهور أي أن ظهور البغدادي جاء بأمر تركي وبتنسيق مع الأتراك لأن كل الدلائل تشير إلى وجوده في منطقة يسيطر عليها الجيش التركي فتكون تركيا بذلك تسعى لإيصال رسالة لأمريكا كما أن "البغدادي" والذي رصدت الاستخبارات الأمريكية مبلغ 25 مليون دولار مكافأة لمن يساعد في القبض عليه منذ إعلانه الخلافة في العام 2014 من مسجد النوري في مدينة الموصل العراقية وتسعى للإيقاع به دون جدوى حيث تم الإعلان أكثر من مرة عن مقتله.
أراد أيضاً إيصال رسالة لخلاياه العنقودية وخلاياه النائمة المنتشرة في أكثر من 70 دولة حول العالم يطمئنهم فيها بأن التنظيم لم ينتهي حتى لو فقد آخر معقل له في مشرق سوريا وفقد أراضي كان يسيطر عليها بحجم بريطانيا في مدن كبرى مثل "الموصل" التي طالب سكانها بالولاية له ودفع جباية وضرائب بالإضافة لعائدات النفط التي تقدر بملايين الدولارات حتى لو فقد كل هذا فالتنظيم ما زال يتحصن في مخابئ سرية عديدة ومتغيرة باستمرار ولذلك فهو ما زال قوياً قادراً على جلب الأنصار والمقاتلين من جميع أنحاء العالم.
أراد البغدادي أن يثبت لأنصاره من متطرفي داعش أن بقاءه على قيد الحياة حتى الآن فشل ذريع للولايات المتحدة في استهدافه وأن التنظيم سيغير من استراتيجيته الفترة المقبلة لتكون سياسة التنظيم الجديدة هي الاستنزاف والقيام بعمليات مفاجئة وفي أماكن متغيرة غير متوقعة ولا يحدها حدود.
فهل يعي العالم رسالة البغدادي ويقرؤها جيداً؟ لا يمكن هزيمة داعش ما دمنا نعول على أمريكا وحدها في القضاء عليه لا بد من وجود رؤية شاملة لمحاربة التنظيم تتبناها جميع دول العالم ما دام إرهاب داعش لا يستثني دولة بعينها بل يطال جميع الدول.
داعش أصبح أقوى مما كان عليه هذه حقيقة لا بد أن نعترف بها اصبح له أمراء وأتباع وقادة يأتمرون بأوامره ويؤمنون بأفكاره المتطرفة في كل العواصم العربية والافريقية والأسيوية والأوربية.
ولذلك فالقضاء على تنظيم داعش سيستغرق وقتاً طويلاً ربما يصل إلى سنوات لأن المعركة مع هذا التنظيم الإرهابي ليست أمنية ولا عسكرية فقط ولكنها فكرية أيضاً.. ولعل أهم مؤشرات بداية الانتصار على داعش هي التخلص من "البغدادي" نفسه ثم من مقاتليه وأتباعه الذين يشكلون عصب التنظيم ولأن "البغدادي" أراد بظهروه هذا أن يحول نفسه إلى رمز يلتف حوله كل الإرهابيين حول العالم.
أضف تعليق