نادية صبرة تكتب: إشاعة حرب!

نادية صبرة تكتب: إشاعة حرب!نادية صبرة تكتب: إشاعة حرب!

*سلايد رئيسى21-5-2019 | 17:48

تطور ملفت ومثير شهدته منطقة الخليج العربي خلال الأيام الماضية بدأت باستعدادات أمريكية وإرسال قطع بحرية إلى منطقة الخليج كحاملة الطائرات الأمريكية "ابراهام لينكولن" التي تحركت إلى منطقة عمليات الأسطول الخامس بالخليج العربي والبحر الأحمر وبرفقتها قاذفة "بي-52" في رسالة واضحة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيران التي يتهمها بإنتهاك سيادة دول الجوار وأيضاً للرد على تهديداتها المستمرة بإغلاق مضيق هرمز وعدم عبور ناقلات النفط لأي من الدول الأخرى بعد تشديد واشنطن من العقوبات عليها ومنعها من تصدير النفط الإيراني.

وقد أعقب هذه التحركات حادث إعتداء غامض استهدف أربع سفن تجارية اثنين منها تتبعان السعودية وواحدة إمارتية وأخرى تحمل علم النرويج بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة وهي سابقة خطيرة تهدد أمن وسلامة الملاحة البحرية وقد أدانت جامعة الدول العربية الحادث كما أدانته عدد من الدول العربية والخليجية. وبعدها بيومين تم استهداف محطات ضخ النفط التابعة لشركة "أرامكو" السعودية بمنطقتي الدوادمي وعفيف بطائرات مسيرة واعترف بالواقعة أحد أذرع إيران في المنطقة وهم الحوثيون. فازدادت الأمور تعقيداً وتوالت الإدانات العربية والعالمية للحادث لما يمثله من خطورة على إمدادات النفط بالعالم.

وقد اتجهت أصابع الإتهام وبقوة في تلك الحادثتين إلى إيران دون غيرها لعدة أسباب أولها أن الهجوم على المصالح الأمريكية مباشرة هي مغامرة لا تجرؤ إيران على القيام بها كما أنها لا تستطيع المساس بأمن إسرائيل فالأهداف العسكرية الإيرانية في سوريا وكذلك لحزب الله تلقت العديد من الضربات الإسرائيلية دون أن تقوم بالرد عليها إذا فليس أمامها سوى الإنقضاض على اي أهداف تابعة للسعودية والإمارات بإعتبار أنهما حليفتين للولايات المتحدة ولأنهما أعلنا أنهم على استعداد لسد العجز الناجم عن إنقطاع إمدادات النفط الإيراني الذي يمثل 5,2% من صادرات النفط على مستوى العالم. ثم إندلعت التصريحات النارية بين واشنطن وطهران فقد أجاب الرئيس ترامب عند سؤاله إذا كان ينوي شن حرباً على إيران قائلاً: سنرى ما سيحدث مع إيران إذا قاموا بفعل أي شيء سيكون خطأ فادحاً فهم سيعانون كثيراً حينها" إلا أنه نفى ما نشرته وسائل إعلام أمريكية عن إعتزامه إرسال 120 ألف جندي إلى منطقة الخليج ووصفها بأنها تقارير مفبركة كما صرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في موسكو قائلاً: نتطلع أن تتصرف إيران كدولة طبيعية وأضاف أن بلاده لا تريد الحرب مع إيران بهدف تغيير سياساتها التدميرية ولكن من الطبيعي أن نرد بشكل مناسب في حال تعرض المصالح الأمريكية للخطر.

إذاً فالرئيس ترامب وكبار مساعديه يؤكدون أنهم لا يسعون إلى حرب مع إيران لكن على أرض الواقع كل الإجراءات التي تقوم بها الولايات المتحدة خلال الشهر الماضي بداية من قرار حظر صادرات النفط الإيراني إلى بدء إرسال معدات حربية إلى قاعدة العديد في إمارة قطر تريد أن تبدو في الصورة سيناريو الحرب فهل أمريكا جادة حقاً في تنفيذ تهديداتها والدخول في مواجهة عسكرية مع إيران من المؤكد ستطول سلبياتها حال حدوثها الجميع منطقة الخليج وواشنطن فلا حرب دون خسائر على جميع الأطراف.

 الاحتمال الأكبر أن أمريكا لا تنتوي الحرب حقيقة مع إيران فالرئيس ترامب ليس رجل حرب ولا سياسي مخضرم وإنما هو تاجر ورجل أعمال يتعامل مع العالم من هذا المنطلق وقد دمر بسياسته هذه أسس العلاقات الدولية كما وصفه بذلك وزير الخارجية الفرنسي (جان إيف لودريان). هو يريد أن يلغي كل ما قام به سلفه (باراك أوباما) من اتفاقيات وإعادتها من جديد لينجزها بشكل جيد على حد قوله وأولها الإتفاق النووي. ترامب يصعد ليجلس على المائدة يتفاوض مع إيران تحت تهديد السلاح وأن يقبض فاتورة التصعيد التي بالطبع ستكون باهظة التكاليف تتجاوز مئات المليارات من الدولارات. بدليل أن هناك أنباء عن قيام سلطنة عمان بوساطة بين الولايات المتحدة وإيران بعد إتصال هاتفي بين بومبيو وزير الخارجية الأمريكي ونظيره العماني (يوسف بن علوي) تمت فيه مناقشة دور الوساطة ومحاولات التهدئة خاصة وأن عمان تقع على مضيق هرمز وتتمتع بعلاقات طيبة مع جميع الأطراف كما أن هناك جبهات تفاوض عبر كلاً من قطر والعراق إضافة إلى سويسرا التي ترك الرئيس ترامب لديهم رقم هاتف في البيت الأبيض خصيصاً للإيرانيين في حال قبولهم التفاوض.. إذاً فكل ما يحدث ونراه من تصعيد تجاه إيران وتهديدات تزداد حرارتها يوماً بعد يوم كان آخرها تغريدة الرئيس الأمريكي التي قال فيها: "أنه إذا أرادت إيران الحرب فهذه ستكون نهايتها رسمياً" ما هي إلا إشاعة حرب. نعم الرئيس ترامب يريد في اعتقادي إشاعة أجواء الحرب في المنطقة وأن يشعر الجميع بدق طبولها فكل التحركات الأمريكية الواضحة من إعادة تشكيل وتسليح القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة وإعادة نشر قواتها في مياه الخليج وبعضاً من أراضيه هو لردع إيران وحثها على التفاوض. ترامب يبحث عن انتصار سياسي خارجي لا يريد أن ينهزم كثيراً أمام إيران لا عسكرياً ولا سياسياً. يريد ضمان أمن إسرائيل (العدو الأول والمباشر لإيران) والتي يمثل النشاط النووي الإيراني خطر كبير عليها، يريد التهديد بالقوة العسكرية إضافة إلى الحصار الاقتصادي والحصار الدولي حتى تخضع إيران للشروط الأمريكية وبالطبع استنزاف دول المنطقة الغنية وتحقيق الشعار الذي يرفعه منذ بدء حملته الانتخابية في العام 2016 "الدفع مقابل الحماية" والذي واجه به دول الخليج ولا يترك مناسبة يتحدث فيها إلا ويردده. إن فتيل الحرب لم يشتعل حتى الآن ولكن ما زال التحريض على حدوثها مستمر حتى من داخل الإدارة الأمريكية فمايك بومبيو وزير الخارجية وجون بولتون مستشار الأمن القومي لديهم حماس شديد لإستصدار الرئيس ترامب قرار الحرب. والكل بترقب ولذلك فهناك تخوف من حرب الصدفة التي حذر منها وزير الدفاع البريطاني (جيرمي هانت) حين قال: إن هناك خطر نشوب نزاع بالخطأ نتيجة تصعيد غير مقصود من أي من الطرفين.

أخيراً: فإن إيران صرحت على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف: لا نريد الحرب ولا نسعى لها والحرب ليست نزهة ولن تفضي إلى شيء!

كما صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني قائلاً: لن نستسلم أمام أي نوع من الغطرسة والترهيب وليس لدينا خوف من التفاوض والحوار.

السؤال الذي ستجيب عنه الأيام القادمة والتي بالطبع ستشهد العديد من الأحداث الهامة والمتلاحقة وأولها مؤتمري القمة العربية والخليجية التي دعا لهما العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في مكة المكرمة في الثلاثين من مايو الجاري هل ستصمد إيران حتى إنتخابات الرئاسة الأمريكية في العام القادم أملاً في تغيير الرئيس ترامب؟

أم سوف تستطيع أمريكا احتواء إيران واخضاعها للتفاوض لأن الحرب إذا اندلعت ستكون هي الثالثة في منطقة الخليج ولن تقتصر على الولايات المتحدة وإيران فقط وإنما ستكون حرباً عالمية تتدخل فيها جميع الدول بحثاً عن مصالحها الاستراتيجية وستتأثر جميع دول المنطقة سواء بشكل مباشراً أو غير مباشر أي أن الخطر سيطال الجميع....!

    أضف تعليق

    إعلان آراك 2