عاطف عبد الغنى يكتب: مهمة لإنقاذ الروح الإنسانية (1-2)

عاطف عبد الغنى يكتب: مهمة لإنقاذ الروح الإنسانية (1-2)عاطف عبد الغنى يكتب: مهمة لإنقاذ الروح الإنسانية (1-2)

* عاجل24-5-2019 | 13:48

كان يومًا أسود فى تاريخ البشرية، ربما الأكثر سوادًا يوم الاثنين السادس من أغسطس عام 1945 وفيه ألقت أمريكا سلاحها الذرى الفتّاك الرهيب فى هيئة قنبلة، أطلقت عليها اسم «الولد الصغير» على مدينة «هيروشيما» اليابانية فحصدت أرواح 140 ألف شخص فى الحال، وبعدها بثلاثة أيام ألقت قنبلتها الثانية وكانت تسمى هذه المرة «الرجل البدين» فقتلت 180 ألف شخص ومحت الوجود الإنسانى وآثاره على مساحة كبيرة من الأرض فيما بقت الآثار المدمرة للقنبلتين لأجيال ولسنوات كثيرة تالية كامنة فى جينات من بقوا أحياء وتأثروا بالرماد الذرى الناتج عن التفجيرين. والمدهش والأكثر غرابة فى تبرير هذه الجريمة الإنسانية غير المسبوقة هو ما قاله الرئيس الأمريكى هارى ترومان الذى أصدر أوامره بارتكابها، وقد خرج على العالم فى التاسع من أغسطس ليعلن أن « الله يقف إلى جانبنا نحن الأمريكيين فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الذرية، ونصلى أن يرشدنا الله لاستخدامها بطرقه ولأغراضه». وبرر ترومان الجريمة بالقول إن الهدف منها هو «إنقاذ أرواح المدنيين الأبرياء» من هيروشيما التى اعتبرها الأمريكان قاعدة عسكرية (!!) .. هذه هى ثقافة الحرب الأمريكية المعاصرة التى تمتد جذورها العميقة بطول التاريخ الاستعمارى للرجل الأبيض الغربى، كما جاءت فى ورقة بحثية، طرحها المفكر اليسارى المعروف بعدائه الشديد للعولمة وأيدلوجياتها المدمرة، أستاذ الاقتصاد بجامعة أوتاوا الكندية ميشيل شوسودوفسكى في الجلسة الختامية لمؤتمر حوار الحضارات الآسيوية، الذى انعقد فى العاصمة الصينية بكين، ونظمته الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية (CASS) خلال يومى 15 - 16 مايو الحالى.

(1)

«التاريخ.. أجندة حرب الناتو الأمريكية» هو العنوان الذى انطلق منه شوسودوفسكى، ليفضح دعاة الحرب، أعداء السلام، محذرا أن العالم يقف الآن فى مفترق طرق خطير، حيث يتم دعم ثقافة الحرب والغزو العسكرى، وتعرض الحرب من الولايات المتحدة الأمريكية، وحلف الناتو، على الرأى العام العالمى كمسعى لصنع السلام ، وطريق يؤدى فى النهاية إلى قيم الديمقراطية الغربية، وأنهم فى مهمة دائمة لأجل فرض هذا على العالم. وعندما تصبح الحرب سلامًا، وتتوارى قيم الحوار، والدبلوماسية، فى حل النزاعات، إلى أدنى مستوياتها لابد أن ينقلب العالم رأسًا على عقب. لقد منح الأمريكان أنفسهم وحلفائهم تفويضا إنسانيا بالقتل، ونشر ودعم ثقافة الحرب والغزو العسكرى، ومارس حلف الناتو سلوك العقاب القاسى للمارقين، والمتمردين، بموجب مسئولية الحماية التى يتولاها من نفسه، بدعم أمريكا وحلفائها. يقول شوسودوفسكى إن هذه هى ثقافة العنف الاستعمارى التى ورثها الأمريكان عن الإمبراطورية البريطانية، وتلقى بتأثيرها على طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية المعاصرة، والتى تعتمد فى جزء كبير منها على العسكرة على المستوى العالمى، والولايات المتحدة لديها اليوم أكثر من 800 قاعدة عسكرية فى 80 دولة أجنبية (!!) ويرصد عدو العولمة اللدود، كيف مرت عقيدة الحرب الأمريكية بمرحلة تحول جذرى مع العام 2001 (عام تدمير برجى التجارة العالمى)، وفى هذا العام طرحت أمريكا جيلا جديدا من الأسلحة النووية التكتيكية للاستخدام، وفى ذات العام تم إلغاء مبدأ «التدمير المؤكد المتبادل» (MAD) الذى ساد خلال حقبة الحرب الباردة، بين القطبين العالميين، الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتى، ولجّم أمريكا عن استخدام السلاح النووى. وراجع مجلس الشيوخ الأمريكى الموقف من استخدام السلاح النووى، وأقر مبدأ جديد يتمثل فى وجوب استخدام الأسلحة النووية فى «الضربة الأولى» على أساس وقائى وكوسيلة للدفاع عن النفس ضد كل الدول التى تمتلك أسلحة نووية أو لا تمتلكها (!!) وخلال السنوات التالية للعام 2001 شنت بالفعل الولايات المتحدة وحلفاؤها فى الناتو مغامرات عسكرية استخدموا فيها الأسلحة النووية التى تتراوح قوتها التفجيرية من ثلث إلى 12 مثيل من حجم القنبلة التى ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية، ولم يلتفت العالم لهذه الحقائق لأن إعلام الغرب لم يسمح بذلك.

(2)

المصالح الاقتصادية الغربية تدعم بشدة – أيضا – ثقافة الحرب، وفى الغرب يقف تجار الحروب وجماعات المصالح المسيطرة على صناعة النفط، والمجمّع الصناعى العسكرى، و وول ستريت، جماعات الضغط السياسية أبرزها اللوبى الصهيونى خلف هذه الثقافة، ويتضافر هؤلاء جميعا، فى ممارسة التأثير على السياسية الخارجية الأمريكية. وخلال الـ 200 عام الأخيرة التى شهدت المد الاستعمارى الأوروبى المدعوم بالغزو العسكرى والتبعية السياسية تم تأسيس الاقتصاد الاستعمارى، وفرض علاقات الهيمنة وتوطيد نفوذ الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، وبالتواز تم فرض القيم الثقافية الغربية (الأنجلوسكسونية، والفرنكفونية)، خاصة فى قارتى آسيا وإفريقيا، بما فيها لغة المستعمر، وذلك مقابل تقويض حضارات الآخرين، وحدث هذا خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، وقبل أن يرث الاستعمار الأمريكى، الإمبراطوريتين فى القرن العشرين، وتحديدا بداية من الحرب العالمية الأولى.

(3)

ونعود إلى شوسودوفسكى، ورؤيته لثقافة الحرب التى ينشرها ويفرضها الغرب على العالم، حيث يوضّح الأخير كيف تحوّل هذا الإجماع الشيطانى فى الغرب على شن الحرب إلى فعل يتمثل فى عسكرة صناعة الثقافة، وقد تحالفت فى هذا قلعة صناعة الترفيه الأمريكية «هوليوود» مع وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» لخلق ما يسمى «المجمّع العسكرى الترفيهى» وخصص «البنتاجون» نسبة كبيرة من ميزانيته لدعم ثقافة الحرب، ولك أن تعرف أن هوليوود تنتج الأفلام التى ينجذب لها المشاهد ويتأثر بها وجدانه، دون أن ينتبه المشاهد إلى أن المادة المقدمة له مهندسة كأداة للتجنيد، والعلاقات العامة العسكرية، إضافة إلى الربح التجارى (!!) ويؤكد شوسودوفسكى أن هناك تأثير مماثل على مشاهدى المحطات التليفزيونية التى تدعمها وزارة الدفاع الأمريكية أيضا، فى الوقت الذى يتم فيه التعتيم على ميزانيات الخراب والدمار والموت الذى تنشره أمريكا فى العراق وأفغانستان واليمن وسوريا وتروج الدعاية ووسائل الإعلام الأمريكية ما يفيد أن المدنيين فى هذه البلدان التى مزقتها الحروب مسئولون عن موتهم، وتنشر مثل هذه الروايات فى وسائل الإعلام الغربية، بينما تصمت نفس هذه الوسائل عن حقائق مثل أن عدد الوفيات التى حدثت فى اليمن خلال 3 سنوات تقريبا، منذ عام 2015 تبلغ 233 ألف حالة، منها 140 ألف طفل قتلوا وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة!

(4)

.. والسؤال: أليس هناك من بديل لهذه الثقافة التدميرية حتى ننقذ الروح الإنسانية؟! .. انتظروا الإجابة فى العدد القادم
    أضف تعليق

    حظر الأونروا .. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2