إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: نظرية الإنسان والنملة!

إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: نظرية الإنسان والنملة!إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: نظرية الإنسان والنملة!

*سلايد رئيسى29-5-2019 | 13:33

لم أدرس الفلسفة بحُكم التحاقى بالقسم العلمى فى مرحلة الدراسة الثانوية.. لكننى استطعت عن طريق القراءة الاقتراب من هذا العالم المثير.. عالم الفلسفة والفلاسفة..

القراءة التى أعنيها هى القراءة بمفهوم جيلنا.. قراءة الورق والكتب وليست قراءة الفيس بوك وتويتر التى ابتليت بها الأجيال الحديثة!

المهم أن القراءة بالنسبة لى كانت الزورق الذى أبحرت به فى بحار الفلسفة العميقة.. حتى ولو كان ذلك بمحازاة الشاطئ!

وهكذا عرفت أسماء مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو ونيتشة وابن سيناء وغيرهم.. كما عرفت أن الفلسفة بمعناها اللغوى تعنى حب الحكمة.. أما بمعناها الاصطلاحى فتعنى العلم والمعرفة والتأمل والتفكير القائم على البحث عن الحقائق وتحليلها وتفسيرها.

ودفعتنى كتب الفلسفة فى أحيان كثيرة إلى تقمص شخصية الفيلسوف فكنت أطرح على نفسى الأسئلة الصعبة المعقدة وأحاول أن أبحث لها عن إجابة..

ثم اكتشفت أن لى صديقا يشاركنى نفس الهواية.. هواية التفلسف إن صح التعبير.

كنا نمضى أوقاتًا طويلة سويًا.. نجلس على مقهى أو مقعد أمام النيل أو فى حديقة عامة أو فى المنزل.. ولم نكن نفعل أكثر من الكلام.. نطرح الأسئلة ونحاول الإجابة عنها.. كل بأسلوبه وطريقته الفلسفية!

وذات يوم لا أنساه.. رحنا نناقش قضية الكون..

قال صديقى متفلسفًا.. عن أى كون نتحدث عن الكون الذى ندركه وندرك أبعاده بعقولنا البشرية أم الكون الذى لا نعرف عنه شيئا.. ولا نستطيع إدراكه بحواسنا.. وهل يكون هذا الكون موجودًا فى هذه الحالة؟!

وناقشنا قضية الإنسان والكون.. وقال صديقى.. الإنسان لا يمثل حتى نملة بالنسبة للكرة الأرضية فما بالك بالنسبة للكون؟!

وجاء دورى للتفلسف فقلت له.. السؤال الأصعب كم تمثل النملة نفسها بالنسبة للكون؟!

وتساءل صديقى.. هل من أجل الإنسان.. هل المخلوق الذى لا يساوى حتى النملة.. خلق الله الكون؟!

عند هذا الحد سكتت شهرزاد عن الكلام المباح.. عند هذا الحد صمتنا وتوقف الحديث.. وأظن أن السبب أن كلانا خاف أن نشطح عقولنا فنذهب بعيدًا ونقع فى الهاوية (!!!)

ورغم مرور ما يقرب من أربعين عامًا على هذه الحادثة إلا أن السؤال لا يزال يطفو بين الحين والحين على سطح تفكيرى.. هل خلق الله كل هذا الكون الذى يستحيل إدراكه من أجل الإنسان.. من أجل هذا المخلوق الذى لا يساوى حتى نملة؟!

ولم أصل أبدًا إلى إجابة.. لكن حدث مؤخرًا ما جعلنى أفكر بطريقة مختلفة.. فقد بعث لى صديق بمقال قديم كتبه الدكتور مصطفى محمود.. قرأته فعدت من جديد أتقمص شخصية الفيلسوف!

يقول الدكتور مصطفى محمود فى مقاله.. هل سأل أحدكم نفسه عن كمية السباكة داخل جسمه.. مجموع المواسير داخل العمارة التى هى بدنه.. بما فيه من آلاف الوصلات والمجارى التى يجرى فيها الدم والبول والطعام والفضلات وعوادم التنفس والهضم.

هل تعلم أن طول مواسير الدم فى جسمه تبلغ وحدها 8 آلاف ميل.. أى أطول بكثير من المسافة بين القاهرة والخرطوم.. مواسير أكثر ليونة من الكاوتشوك وأكثر متانة من الحديد وأطول عمرًا من الصلب الكروم.. وفى بعضها صمامات لا تسمح بالسير إلا فى اتجاه واحد (!!!)

أدهشنى ما قرأت فرحت أبحث عن معلومات مماثلة لجسم الإنسان فوجدت ما أصابنى بالذهول.

عرفت.. على سبيل المثال.. أن عدد الخلايا فى جسم الإنسان يصل إلى مائة تريليون.. (التريليون يساوى ألف مليار).. وأن كل خلية تخفى فى طياتها العديد من المعلومات والخصائص الفسيولوجية للكائن الحى.. لكن أين تختفى هذه المعلومات السرية ؟!

توجد فى كل خلية نواة "DNA" تحتوى على كل المعلومات عن جسم الإنسان مثل لون الشعر والعيون والأعضاء الداخلية والمظهر الخارجى للجسم وتخزن هذه المعلومات فى النواة بطريقة الرموز.

ويبقى أن تعرف أن هذه المعلومات المخزنة داخل الـ "DNA" تحتاج إلى 900 مجلد بحجم الموسوعات الضخمة لاستيعابها (!!!)

وعرفت أن سرعة "عطس" الإنسان تصل إلى 100 ميل فى الساعة وأن جميع أجهزة الجسم تتوقف تمامًا أثناء العطس.. وأن كل بوصة مربعة من الجسم البشرى لديها ما معدله 32 مليون بكتيريا (!!!)

وعرفت أن كمية الحرارة التى تنبعث فى اليوم الواحد من جسم الشخص العادى.. كافية لجعل 40 لترًا من الماء تصل إلى درجة العليان.

وعرفت أن حجم الجنين البشرى فى نهاية أسبوعه الثالث لا يزيد على حجم بذرة السمسم.. أما وزنه فلا يزيد على وزن قطرة ماء!

وعرفت أن عدد كرات الدم الحمراء فى جسم الإنسان يصل إلى 25 بليون كرية.

وعرفت ما هو أغرب وأعجب.. عرفت أن القرنية الموجودة فى عين الإنسان تتغذى بما يسمى طريقة الحلول.. حيث تقوم الخلية الأولى بأخذ غذائها من الخلية المجاورة لها.. ويتسرب الغذاء من خلال الغشاء الخلوى دون وجود أى شعيرات تعيق الرؤية!

أما شبكية العين فإن المليمتر المربع منها يحتوى على ما يقرب من مائة مليون مستقبل ضوئى وذلك من أجل دقة ووضوح الرؤية.. كما أنها تستطيع أن تفرق بين 8 مليون لون.. ولو أن اللون قد تدرج إلى 8 آلاف درجة فإن العين السليمة قادرة على التفريق بين درجتى اللون!

أما مخ الإنسان فهو أعجوبة الأعاجيب.. اسمعوا يا حضرات!

يقوم المخ كل يوم بإنتاج طاقة كهربائية تتراوح ما بين 12 إلى 25 وات.. وهى كافية لإنارة مصباح صغير!

ويقوم المخ بحوالى مائة ألف تفاعل كيميائى.. فى الثانية الواحدة!

أما المخ نفسه فيتكون من حوالى مائة مليار خلية عصبية وتريليون خلية متفرعة.. وهو ما يعادل نصف عدد النجوم فى مجرة درب التبانة بالكامل.. حوالى 200 مليار نجم (!!!)

وإذا اعتبرنا المخ البشرى جهاز كمبيوتر فإن هذا الجهاز يمكنه معالجة 38 تريليون عملية فى الثانية الواحدة (!!!)

وإذا كانت قدرة المخ البشرى على التذكر تعد نعمة كبيرة فإن النسيان أيضا نعمة.. حيث أن التخلص من المعلومات غير المفيدة أو الضرورية يساعد الجهاز العصبى على الحفاظ على مرونته وكفاءته!

عزيزى القارئ.. هل وصلك المعنى الذى أردت الوصول إليه.

الإنسان الذى له كل هذه الخصائص.. ويحمل كل هذه الإمكانات الخرافية.. الإنسان الذى تقاس أعضائه وخلاياه وعملياته الحيوية بأرقام فلكية.. ليس نملة.. ولا يمكن أن يكون بالنسبة للكون نملة.. فهو يحمل فى داخله معجزات لا تقل عن معجزات الكون.. ولو سمح لى القارئ أن أمارس هوايتى القديمة وأتقمص شخصية الفيلسوف فإننى أقول إنه لو كان للكون عقل.. لو كانت النجوم والكواكب والأقمار والأجرام السماوية تفكر.. لنظرت إلى الإنسان على أنه معجزة.. معجزة لا تستطيع إدراك أولها وآخرها.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2