كتب: محمد أحمد
تتميز عبادات الإسلام بأنها متنوعة تراعي أحوال الإنسان من نشاط وقوة وكسل، فتتنوع العبادات وفقاً لأقسام الحكم التكليفي فهناك الواجب، والحرام، والمباح، والمندوب، والمكروه
فالعبادات التي شرَعها الله - سبحانه وتعالى - منها ما هو مَفروض، ومنها ما هو مندوب، وهي في جملتها قليلة جدًّا؛ بحيث يستطيع الإنسان العادي أن يَقوم بها دون مشقَّة أو تعَب، قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [البقرة: 286].
فمثلاً الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة، غير أنها خَمسون في الأجر والثواب، والزكاة نِسبة قليلة من المال - بشروط مخصوصة - لمُستحقِّيها، والحج مرة واحدة في العمر، وليس ذلك فحسب؛ بل لمن استطاع إليه سبيلاً، والصيام شهر واحد في العام، ومِن طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وربما كان الأثر الدنيوي للعبادة في الإسلام ناتجًا من التصور الذي رسمه الإسلام لأهداف وجود الإنسان في الأرض ولعلاقته بها، وقد حكمت هذا التصور ثلاثة اعتبارات:
1.اعتبار إعمار الأرض هدفًا دينياً:
فحينما يقوم المسلم بأي إعمار في الأرض _ وإن كان القصد منه المنفعة الخاصة _ فإنَّ له أجرًا بذلك، ويدلُّ على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» (رواه أحمد). وحينما يقوم بقضاء أي شهوة خاصة فإنّ له بها أجرًا؛ شرط أن ينوي بها التَّقوِّي على طاعة الله، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبًا الصحابة: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» (رواه مسلم).
2. اعتبار الإنسان خليفة في الأرض:
اعتبر القرآن الكريم الإنسان جديرًا بأن يكون خليفة في الأرض؛ إذا أصلح ولم يفسد فيها ولم يسفك الدماء، ويؤكِّد ذلك استنكار الملائكة أن يجعل الله سبحانه وتعالى الإنسان خليفة له يفسد ويسفك الدماء، وهذا يقتضي أن لا تقع من الإنسان الخليفة تلك الأخطاء بل يقوم بعكسها: الإعمار وعدم القتل، قال سبحانه وتعالى: (وإذْ قالَ ربّكَ للملائكةِ إنّي جاعِلٌ في الأرضِ خليفةً قالوا أَتَجْعَلُ فيها مَن يُفْسِدُ فيها ويسْفِكُ الدماءَ ونحنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لكَ قالَ إنّي أعلمُ ما لا تعلمونَ).
3. اعتبار علاقة الإنسان بالكون علاقة تكامل:
اعتبر الإسلام الكون مسخَّرًا للإنسان، واعتبر الإنسان ممكَّنًا في الأرض، لذلك فإنَّ العلاقة بين الإنسان والكون علاقة تكامل، قال سبحانه وتعالى: (ولقد مَكَّنَّاكُم في الأرضِ وجعلنا لكم فيها مَعايِشَ قليلًا ما تشكرونَ)، وقال سبحانه وتعلى أيضًا: (وسَخَّرَ لكم ما في السماوات وما في الأرضِ جَميعًا منه).
من هنا كانت العبادة في الإسلام ذات نتائج نفسية واجتماعية وجسدية تُعيْن الإنسان على مواجهة الواقع المحيط به وعلى إعمار الدنيا، وسنأخذ صيام رمضان نموذجًا.
النتائج النفسيَّة والخلقية:
عندما يمتنع المسلم في صيامه عن تلبية شهوتَين لصيقتين بذاته، محبوبتين لنفسه، هما الطعام والنساء، فإنَّ لذلك نتائج نفسية؛ أبرزها تنمية حبِّ الله في ذات المسلم، لأنّه يمتنع عن تلبية تينيك الشهوتين من أجل محبوب أعظم هو الله، وتكون نتيجة ذلك التخلص من عبودية الشهوات، والانتصار على الذات، وتقوية الإرادة الشخصية، ولاشكَّ أنَّ مثل هذه الثمرات ضرورية من أجل نجاح الإنسان في القيام بأعباء الدنيا ومواجهة مشاكل الحياة اليومية المختلفة بإرادة قوية وعزيمة ثابتة.
النتائج الجسدية:
إنَّ للصيام آثارًا كبيرةً على جسد الإنسان، فهو يطهِّر جسم الإنسان من السموم الضارة، ويساعده في التخلص من الكميات الزائدة من المواد الغذائية والفضلات الناتجة من العمليات الحيوية المختلفة بالجسم، بالإضافة إلى فوائد الصوم في إراحة وظائف الهضم والتمثيل الغذائي، وإمداد خلايا الجسم بالحيوية والنشاط. وتشير الدراسات الحديثة إلى أنَّ أول الأعضاء التي يتغذى عليها جسم الإنسان أثناء الصوم هي الأعضاء المصابة بالأمراض أو الشيخوخة وخاصة المحتقنة والمتقيحة والملتهبة حيث تكون أول الخلايا المستهلكة وأول ما يتأكسد. وتشير الدراسات الحديثة أيضًا إلى أنَّ الصيام يرفع النوع المفيد من كوليسترول الدم بنسبة ثلاثين في المائة في نهاية شهر رمضان، والجوع وسيلة طبية معروفة قبل الإسلام لمعالجة كثير من الأمراض، كما أنَّ الصيام يعيد توازن الجسم في كثير من الأملاح والمعادن.