كتب: عاطف عبد الغنى
فى مثل هذه الأوقات العصيبة، التى يمر بها السودان الشقيق، ومن قبلها مرت بها أقطار عربية عديدة، ومنها مصر، من السهل جدا أن تختلق القصص الوهمية التى تشيط الأعصاب، وتشعل الغضب، ومن السهل جدا – أيضا - أن تصادف هذه القصص المغفل الذى يصدقها.
هل تتذكرون أيام الفوضى فى مصر، مشهد المرأة التى كانت ترتدى العباءة السوداء، والشخص الذى يرتدى ملابس ميرى على "كوتش"، واندفاع المرأة فى قلب ميدان التحرير وسط ثلة من الجنود، ليقابلها الذى يرتدى الكوتش "الطرى" بالضرب، ويدفعها إلى الأرض، ويركلها لتنفك دبابيس العباءة فى وقت قياسى وتسفر عن بنطلون جينز وملابس داخلية، لأمرأة مستعدة لمثل هذا المشهد، وبينما كانت تتلوى فى الأرض مثل الحية، وزميلها فى التمثيلية يركلها بقدمه، ويحاول الجنود منعه وتخليصها، وتغطيتها، كان هناك من يصور المشهد بتليفونه المحمول لينقله للداخل والخارج، فى محاولة لوصم جنود الجيش أو الشرطة بنقيصة مهاجمة النساء فى ميدان التحرير، وجريمة التحرش بهن لإشعال غضب وحمية المصريين، الذين لا تقبل نخوتهم ولا رجولتهم مثل هذه الانتهاكات.
وتكفلت الأيام بفضح التمثيلية والممثلين، ومن حسن الحظ أن الغالبية العظمى من المصريين لم يصدقوا المشهد، وكانوا نقاده قبل أن يتم الكشف عن أطرافه من نشطاء الخراب الذين انتشروا فى ربوع مصر فى هذا التاريخ.
الآن يحدث شىء شبيه فى السودان، حيث تروج بعض وسائل الإعلام الغربية لاتهامات محددة تحاول أن تلصقها بقوات الأمن السودانية، مدعية أنها تقوم باغتصاب النساء، وعلى رأس هذه الوسائل الكاذبة الـ «بي بي سي»، التى نشرت تقريرا لمراسلتها فى الخرطوم، وتدعى: كاثرين بايورهتنجا، وذلك على الموقع الأليكترونى العربى، وحمل التقرير عنوان: " أزمة السودان: الاغتصاب سلاح ضد الثورة."ز
واستهلت المراسلة تقريرها بالقول: " اغتصبت وحدة ذات نفوذ في قوات الأمن السودانية النساء أثناء فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش منذ 3 يونيو/حزيران، حسبما قال شهود لبي بي سي."
وأضافت فى فقرة تالية: "وتنفي السلطات العسكرية المزاعم، ولكن خالد، الذي تم تغيير اسمه لحماية هويته، أطلع بي بي سي على الاعتداءات الجنسية التي شاهدها يوم الفض الوحشي للمظاهرات."
وتمضى رواية الموقع منسوجة على شاهد وهمي، وتتصاعد فيها الأحداث، مثل أحداث فيلم هندى تجارى حتى تصل إلى محاولة الجنود لاغتصاب الشاهد نفسه، أو كما جاء فى قصص الخيال الجنسى لـ «بي بي سي»:
وبينما كان خالد يهم بمغادرة المسجد، (أوصل إليه أمرأتين تم اغتصابهما حسب مزاعم التقرير) قبض عليه مجموعة من الجنجويد، ووجد نفسه لاحقا في مواجهة أحد الجنود الذين اعتدوا على المرأتين، وقال خالد "دفعني إلى الأرض وأحضر قضيبا معدنيا"، ووجد خالد نفسه في المبنى الذي اغتصبت فيه النساء.
وأضاف "حاولوا خلع ملابسي واغتصابي. كنت اصرخ حتى يأتي من ينجدني. بعد ثلاث أو أربع دقائق بدأ إطلاق النار قربنا. بحثوا في المكتب قربنا وقالوا من الأفضل أن نخرج".
إثر ذلك فر خالد وتمكن من الهرب على الرغم من تعرضه للضرب من قبل الجنجويد."
ونكتفى بالقدر السابق من الكذب "المنعكش"، ولا يسعنا إلا أن نقول: حسنا لقد انتهت القصة بالنسبة للشاهد الوهمى نهاية سعيدة، ولم يتم اغتصابه، حتى يتمكن أن يصل للميديا الغربية ويحكى قصته.
أى خيال مريض هذا سوف يستمر فى تصدّيره الإعلام الغربى التآمرى، الذى لا يفتأ أن يدعو أعلامنا للأخذ بمعايير المهنية، والموضوعية، بينما يوصل هو انتهاك كل المعايير، وأولها المعايير الإنسانية، والأخلاقية، ويكذب ليل نهار، وعندما تفتضح قصصه وتتعرى موضوعيته، يعود ويعتذر مهنيته المنتهكة، التى لم يعد له منها إلا القدرة على التلفيق والتوليف الخائب.