عاطف عبد الغنى يكتب: فن التزوير.. من (الحريم) إلى (السلطان أردوغان)

عاطف عبد الغنى يكتب: فن التزوير.. من (الحريم) إلى (السلطان أردوغان)عاطف عبد الغنى يكتب: فن التزوير.. من (الحريم) إلى (السلطان أردوغان) 

* عاجل21-4-2017 | 19:35

من الذى يكتب التاريخ .. 1- المؤرخ 2- السياسى 3- كاتب الدراما؟!

لا تتسرع فى الإجابة لأنها بالفعل صعبة.. وقد كنت مثل كثيرين أظن أن التاريخ الذى درسته فى مراحل الدراسة الأولية يحوى الوقائع الحقيقية للأحداث، حتى التحقت بالجامعة، واكتشفت أن هناك تاريخا آخر ، وفى مرحلة ثالثة من الفهم اكتشفت مجددا أن ما تصورت أنه الحقيقة غير منقوصة، قد يكون جانبا منها مزورا، ولكن بشكل أكثر نضجًا، وأن الوصول إلى الجانب الأكبر من الحقائق يحتاج إلى سعة الاطلاع، والفحص، والتدقيق، ومعها رأيت ذات الوقائع التى كان رأيي عنها أشبه بالمسلمات بطريقة أخرى مختلفة.

وبالقياس دعنى أقص عليك جانبًا من تجربتى مع ممالك وحكام العثمانيين الأتراك الذين شغفنى تاريخهم منذ سلطانهم المؤسس الأول عثمان بن أرطغرل وحتى، الرئيس الحالى المنسوب إليهم على سبيل المجاز رجب طيب أردوغان، وقد بدأ هذا الغرام بعد أن شاهدت مسلسل «القرن العظيم» الذى اشتهر فى منطقتنا العربية بعد دبلجته باسم «حريم السلطان».

(1)

دعنى أطرح السؤال الأول بعد إسقاطه على قضيتنا.. من الذى كتب تاريخ تركيا العثمانية؟!.. أستطيع أن أذكر لك عددا كبيرا من الأسماء مثل المؤرخ العثمانى «يلماز أوزتونا» ، صاحب السفر الضخم «تاريخ الدولة العثمانية» ، وهو أوسع وأهم ما تُرجم للعربية عن تاريخ الدولة العثمانية، وهناك أيضا هذا العمل الضخم الذى ضم الأبحاث النقدية لعدد من المؤرخين الأتراك المتخصصين، الذى قامت بترجمته إلى العربية د.ليلى الصباغ، رحمها الله، وقد جمعت تلك الأبحاث تحت عنوان: «الدولة العثمانية تاريخ وحضارة»، هذا غير مستشرقين كثر كتبوا عن هذا التاريخ مثل «نيقولاى إيفانوف» صاحب كتاب «الفتح العثمانى للأقطار العربية».

وقد اهتم هذا المؤرخ الروسى بدخول العثمانيين الأتراك لبلادنا، ووضح الأسباب التى دعتهم إلى السعى للسيطرة على مساحة من الأرض تمتد من العراق وسوريا شمالا، حتى السودان والحبشة جنوبًا، ومن شبه الجزيرة واليمن شرقًا، حتى الجزائر غربًا (تخيل).

ولم يكتف هذا الرجل بفحص وتسجيل التفاصيل الدقيقة لأحداث و وقائع وتاريخ بلاد وأوطان ليست بلاده ولا أوطانه، وقد شرح فى كتابه أسباب ودوافع نزوع الأتراك العثمانيين لاستعمار العرب، وذلك فى إطار الصراع السياسى الدولى الناشب فى هذا التاريخ بين هؤلاء العثمانيين من ناحية، وبين أوروبا الناهضة والدولة الصفوية (إيران) من ناحية أخرى، وقراءة مثل هذا الكتاب لابد أن يفجر سؤال: هل التاريخ يعيد نفسه؟! لا أنا ولا أنت سوف تحيرنا الإجابة إذا انتبهنا إلى أن أطراف الصراع القديم ذاتها حاضرة اليوم، وأن الصراع ذاته يتجدد، والمتغير فيه هو : الأشخاص، الأسماء، وليس الأفكار والمنطلقات وحتى البلدان.. تركيا موجودة وأحلامها الإمبراطورية تتجدد، والغرب موجود، ممثل فى أمريكا وأوروبا، والدولة الصفوية الفارسية موجودة فى إيران، وحتى الروس أحفاد السلاف الشرقيين - وكانوا طرفا فى الصراع القديم - موجودون فى المعادلة،.. ويبقى العرب فى هذا المشهد القديم الجديد يصدق عليهم وصف الضحية المستهدفة، وموضوع الطمع، وقد أرغموا على ذلك من قبل .. فهل يقبلون بهذا الدور مجددا ؟!

(2)

التيار المتأسلم يدافع بقوة عن تاريخ الإمبراطورية العثمانية على اعتبار أنها مثلت دولة الخلافة الإسلامية فى إصدارها الحديث أو الأخير، ويرونها دولة مباركة الفتوحات طاهرة الحكام، دولة أنقذت الإسلام والمسلمين من شر غزاة التتار والصليبيين.. فهل كانت حقا الدولة العثمانية بهذه البراءة؟!

(3)

كاتبة تركية اسمها «ميرال أوكاى» وضعت ملحمة درامية تاريخية عنوانها : «القرن العظيم» أنتجها مسلسلا دراميا فى أربع مواسم «تيمور صافجى» وهو أيضا يحمل الجنسية التركية، وأبدع فى تجسيد شخصياتها ممثلون أتراك رائعون، إذا رأيتهم فى أدوار أخرى خارج هذا المسلسل لن تصدق أنهم هم أنفسهم الذين جسّدوا شخصيات مثل السلطان سليمان القانونى وزوجاته وجواريه (حريم السلطان) وأغوات قصره، هؤلاء الذين تم سبيهم من بلاد الغرب التى هاجمتها جيوش السلطان وساقتهم إلى أقدار أصبح فيه الرجال عبيدا، والنساء جوارى فى قصر السلطان، فتزوج منهم واستولدهم السلاطين الرجال والنساء، اللاحقين.

وهى أحداث لا يستطيع أحد أن ينكرها، أو يشكك فيها، مثلها مثل صراعات العرش، والغرام، التى كانت تسكن تلك القصور وتعشش فى جنباتها، أو علاقات السلطان بأبنائه، أو مصير هؤلاء الأبناء، ومنهم من قتل أو نفى أو أصابه أذى فى أولاده وذلك فى صراعاتهم التى لا ترحم على العرش بعده.

ومقصود الكلام ليس نزع الهالة المقدسة عن أشخاص أو أحداث لا يمكن أن تجد لها تفسيرا إلا الإقرار بأنه السلوك البشرى لمثلى ومثلك من غير المعصومين، فى صراعاتنا على السلطة والجاه والتوسع.. لقد كانوا مثل غيرهم من طلاَب الدنيا إذن، الساعين وراء أطماعها التى تسيرهم، هذه كانت الحقيقة الأولى فى تاريخ العثمانيين قبل نصرة العقيدة والدين، كما يحاول الإخوان وغيرهم أن يقنعونا، أو يقنعوا أتباعهم.

(4)

ومن منظور هذا التاريخ الملتبس على غير المطّلعين يمكننا أن نرى الحاضر متجسدًا فى شخص رجب طيب أردوغان.. ونسيت أن أقول لكم إن مسلسل «حريم السلطان» - الذى عرض إبان تولي الأخير رئاسة وزراء تركيا - أصابه بالغيظ الشديد هو وحزبه «العدالة والتنمية» ، ولو كان أردوغان حينها يملك سلطات أردوغان الحالى، لأوقف عرض المسلسل واعتقل صُنّاعه، لكن فى الأيام القادمة وبعد التعديلات الدستورية ربما يفعل ذلك.

يفعل أو لا يفعل هذا شأن تركى داخلى لا يعنينا، أما أردوغان فتعنيه شئوننا نحن الداخلية، وقد نصّب نفسه وصيًا على العرب من سوريا إلى العراق ومصر بعد أن أغراه بها الإخوان فلم يكتف الأخير بلعب دور السياسى ولكن تجاوزه إلى الشخص الملهم المقدس الذى يمثل جانب البراءة والتقى، وقريبًا مع الفراغ الذى تشهده جماعة الإخوان المسلمين على مستوى القيادات ربما تنصبه الجماعة مرشدًا أعلى، فهو واحد منهم الآن، وهو ليس أقل من المرشد الأعلى فى إيران خامنئى الفارسى الصفوى إلا أن أردوغان متخف فى بدلة على الطراز الغربى اقتنصها من بيوت المودة، كما كان أسلافه العثمانيون يقتنصون الجوارى البيض ذوات العيون الزرقاء ويتزوجونهن.

ودعنى أختم بالسؤال: من الذى يكتب تاريخ الحقبة الأردوغانية الآن، وبعد حملة القمع الكبيرة التى فرضها النظام التركى الحالى على الكُتّاب والمثقفين والمعارضين الأتراك؟!هل يكتبه مؤرخون أحرار؟! أم يكتبه أنصار أردوغان ..أم يكتبه الإخوان؟!.

المصدر: مجلة "أكتوبر" العدد 2013 الصادر بتاريخ 23-4-2017

أضف تعليق

رسائل الرئيس للمصريين

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2