أحمد عاطف آدم يكتب: أرواح تئن وقلوب لا تحن

أحمد عاطف آدم يكتب: أرواح تئن وقلوب لا تحنأحمد عاطف آدم يكتب: أرواح تئن وقلوب لا تحن

* عاجل26-6-2019 | 16:55

مات صاحبه فجلس الكلب يبكي لا يبرح مكانه إلا باحثاً عن الطعام ، ثم سرعان ما يعود من جديد ليفترش جوار القبر بائساً وحزيناً، ينتظر معتقدا بأنه سوف يقوم من مرقده ليلعب معه ويهتم لحاله كما كان يفعل قبل وفاته. وحمام زاجل كان منذ عقود مضت هو البوسطجي الذي يقطع مئات الأميال لتسليم رسائلنا، من ضمنها رسائل حب- ربما لا نعرف عنه الكثير الآن. أما الحب نفسه فهو " سفينة رُبَّأنها الإخلاص، طريقها أمواج من العطاء، ومرساها بداية لا تنتهى من القناعة ونكران الذات"، فالقلوب المحبة لا تعرف الأذى، ولا تسلب وتجرد الضعيف من أبسط حقوقه، بل تمنحه صكوك الطمأنينة والسكينة. وهذا ما لم يحدث مع حيوانات برقاش أو طائر الزقازيق والقائمة تطول.

- على رأس تقرير موقع جريدة " ذا صن" الإنجليزية الشهيرة، والذي نشر ٢٠ أبريل الماضي، كان العنوان الصادم هو " ركوب للجحيم"- الحيوانات تتضوَّر جوعًا وتُضرب بالعصى في الخصيتين، وذلك في إشارة لحجم التعذيب اليومي الذي تعانيه حيوانات سوق " برقاش" بالجيزة، وهو أكبر سوق في مصر لبيع وشراء الجمال، التي تستغل فيه أسوأ استغلال، سواء بعملها لساعات طوال بالإكراه في رحلات السياح بمنطقة أهرامات الجيزة، أو حتى تعذيبها بسوقها الشهير أثناء عمليات التداول التجاري، وذلك حسب ما جاء في تقرير الموقع الإنجليزي، والحقيقة المرة والتفاصيل الشنيعة نقلتها وأكدتها لي أمينة أباظة رئيس الجمعية المصرية لحقوق الحيوان، وهي بالمناسبة ابنه الكاتب الصحفي والروائي الكبير الراحل ثروت أباظة، عندما اتصلت بها هاتفياً للتأكد منها بصفة شخصية، فأكدت لي قائلة: « على مدار 20 عامًا قضيتها في هذا المجال لم أرَ أبشع من هذه الواقعة، وصرحت لي أيضًا بأنها تمتلك العديد من الصور التي تجسد تلك المأساة التي تطال الجمال والخيول بشكل يومي.

- صورة أخرى لا تقل فجاعة عن السابقة، أبطالها مجموعة من الشباب بمدينة الزقازيق كما ترويها وتؤكدها إحدى المُدونات بموقع التواصل الاجتماعي " فيس بوك "، أنهم قاموا خلال عرس صديق لهم يخدم بسلاح الصاعقة المصرية بالتمثيل بطائر، بحجة ما يقوم به أفراد الصاعقة عندما تدفعهم حاجتهم للطعام في أحلك الظروف بالصحراء، فيضطرون إلى تناول كل ما تطاله أيديهم من طيور أو حيوانات تصلح لذلك، وإعدادها بأضعف الإمكانيات أو حتى أكلها نية، وبصفة خاصة أثناء الحروب. فقام هؤلاء الشباب وهم في غير حاجة لذلك بنشر صورهم وهم يقطّعون أطراف هذا الطائر ويسلخون جلده حيًا، ومجموعة أخرى يشاركون في تمزيقه على مرأى ومسمع من حضور هذا العرس ومن بينهم أطفال، ثم أردفت قائلة: إن القوات المسلحة منهم ومن أمثالهم وأفعالهم براء، بل وطالبت من قواتنا الباسلة اتخاذ اللازم تجاه هؤلاء الشباب المستهتر.

أخيراً.. يبدو لي أن ثمة علاقة وطيدة الصلة بين أبطال القصة الأولى التي حدثت وقائعها بسوق برقاش وأبطال الثانية بعرس مجند الصاعقة بالشرقية، وشاباً آخر ظهر بفيديو على مواقع التواصل منذ أيام وهو يمسك بطرف حبل كلبه، ثم يوجهه ليهاجم معاقاً يجلس على كرسي متحرك فيهدده بكل برود ووحشية ويضحك مستمتعاً وهو يري رعب الرجل الذي حاول أن يدفع الأذى عن نفسه وهو قعيد. تلك الرابطة التي جمعت بين هؤلاء البشر المعدومين من الإنسانية في قصص شبه يومية، هي رابطة الانتهازية لمخلوقات لا تستطيع الكلام فيتم استغلالها إما للربح أو التسلية، وهي تدل أيضاً على بلادة أخلاقية لبيئة اجتماعية مهترئة، تستنسخ مكتسباتها المدمرة من أبطال وهميين موجودين طوال العام بالدراما المعروضة بدون رقابة على شاشاتنا، تُأْصِل للبطل القوي دون النظر لخسته، إنعدام ضميره أو افترائه وتنمره بالمغلوبين على أمرهم، فتلك في نظرهم المشوش ما هي إلا أدوات مهمة يجب أن تكون بحوزة بطلهم الذي زُرِعَ فيهم منذ الصغر، ولا يستطيع أرباب الأسر إقناع أشبالهم أن البطولة الحقيقية التي تربوا عليها هي الشهامة والرجولة والعطاء ونصرة الضعيف وقول الحق، لنجد في النهاية تلك الأرواح التي تئن من أفعالنا بها ولا تجد قلوباً تحن وتحافظ عليها.

    أضف تعليق