د. ناجح إبراهيم يكتب: الممر ..بداية للأمل

د. ناجح إبراهيم يكتب: الممر ..بداية للأملد. ناجح إبراهيم يكتب: الممر ..بداية للأمل

* عاجل29-6-2019 | 22:28

منذ أربعين عاماً تقريباً ومنذ دخولى كلية الطب لم أذهب للسينما وآخر فيلمين رأيتهما في السينما كانا من الأفلام الهندية وهما"الصديقان""والفيل صديقي"رغم أن أفلام مصرية قوية أعجبتنى ورأيتها في التلفزيون مثل الأرض,الجزيرة(1),(2), شيء من الخوف,الزوجة الثانية,بالوالدين إحسانا,ومضى قطار العمر,زمن حاتم زهران. ولكن دفعني حبى للشهيد إبراهيم الرفاعى أسد الصاعقة المصرية وولعى به وبالكتابة عنه وعن زملائه وتلاميذه والإشادة الواسعة بفيلم الممر أن اصطحب أسرتى لمشاهدته وقد استمتعت بكل لحظة في هذا الفيلم المتميز الذى فضح تجار الدعارة الفنية الذين أساءوا لمصر وتاريخها الحقيقي ولشبابها وأنتجوا أسوأ الأفلام عديمة الفكرة والقصة والمحتوى وسلبية الحوار والتي تصور أسوأ النماذج وكأن مصر ليس فيها نموذج فذ تعرض قصته.
الإقبال علي الفيلم نسف نظرية"الجمهور عايز كده "تلك النظرية البائسة التى أساءت لهذا الشعب وكأنه لا يريد إلا الأفلام التى تسطح العقل والفكر والوجدان ولا تعرفه بتاريخ أمته المجيد المشحون بالبطولات والتضحيات،هذه النظرية روج لها دعاة الفشل والخمول والكسب الحرام وإلهاء الشباب عن الجادة،فغالبية الجمهور إن لم يكن جميعه يريد الأقوى والأفضل "قصة وسيناريو وحواراً وتقنية وإخراجاً وتمثيلاً" ويفخر بذلك بين الأمم الأخرى.
الفيلم أعاد تاريخاً مجيداً من الأفلام التاريخية الروائية الطويلة مثل الرسالة وعمر المختار والناصر صلاح الدين,مسلسل يوسف الصديق,حائط البطولات,الطريق إلي إيلات,بل إن تقنيات المعارك في فيلم الممر أقوى من تقنيات المعارك في الأفلام السابقة.
أما الأمور الهامة التى طرحها الفيلم للشباب الحديث الذى لم يعش مثلنا محنة 5 يونيه وبعدها بسنوات بهجة نصر أكتوبر فمنها علي سبيل المثال لا الحصر: أن القيادة السياسية والعسكرية قبل وأثناء نكسة 5 يونيه وقعت في أخطاء استراتيجية غير مسبوقة ومنها تكرار ضرب الطيران المصرى علي الأرض مرتين في 67,56 ،حشد آلاف الجنود لسيناء في مظاهرة سياسية دون تجهيز وبملابسهم المدنية مما ألب العالم علينا سياسياً وجعلتهم فريسة عسكرية سهلة للإسرائيليين وكذلك طرد قوات الطوارئ الدولية وهو انذار بحرب دون تجهز لذلك فضلاً عن الانسحاب الغير منظم,فقد كان المشير عامر أقل كثيراً من مستوى قيادة جيش مثل جيش مصر,ولم يكن مؤهلاً لمثل هذه المعارك الكبرى وكذلك شمس بدران حيث كان اهتمامهما بكل شيء أكثر من اهتمامهما بالشئون العسكرية.
أن الجيش المصرى ظلم في نكسه 5 يونيه وأنه لم يحارب حقيقة وأن معدنه الأصيل لم يظهر إلا مع بداية حرب الاستنزاف التي أظهر الفيلم إحدى معاركها.
أعاد الفيلم الاعتبار لفترة حرب الاستنزاف وأظهر واحدة من أهم بطولاتها وبعض أبطال الصاعقة المصرية ومنهم الرفاعى ومحي نوح ونبيل أبو النجا.
أعاد الفيلم الاعتبار لقادة حرب الاستنزاف وعلي رأسهم فوزى الشاذلى,عبد المنعم رياض وعلي فهمى وإن لم يذكرهم بالاسم,وقد كان فوزى قائداً عسكرياً فذاً ولكنه لم يكن هذا علي هذا المستوى سياسياَ مما أضاع جزء من تاريخه. أعاد الفيلم الاعتبار لأهل سيناء وأظهر جزء يسيراً من بطولاتهم وهذا درس لمن يتهمهم زوراً بدعم الإرهاب رغم فقدهم المئات من أبنائهم في مواجهته.
ذكر بتضحيات أهل النوبة رغم ما لاقوا من ظلم في الستينات وأشار بطرف خفى إلي مشاركة أهل الدلتا والصعيد والنوبة وسيناء في معارك مصر الكبرى.
أعطى صورة سريعة وموجزة لعمليات القتل الإسرائيلي العمدى والمنظم للأسرى المصريين وخاصة علي يد شارون واليعازر ولو فعلت ذلك دولة غير إسرائيل لفضحها العالم كله،وإلي الآن لم توثق السينما العربية هذه الجرائم.
لم يقع الفيلم في أخطاء الأفلام المصرية السابقة في الاستغراق في قصص الحب أو القضايا الهامشية أو إظهار الحرب مع الجنود الإسرائيليين وكأنها نزهة أو قتال من جانب واحد,فالجندى الإسرائيلي يحمل أحدث الأسلحة والتقنيات ويحصل علي أعلي التدريب وهزيمته بطولة كبيرة،ورغم ذلك استطاع الجندى المصرى أن يواجه الدبابة بمفرده فقد دمر بعضهم 27 دبابة إسرائيلية في رقم قياسي عالمى لم يكسر بعد حتى الآن.
الممر تكلف مائة مليون جنيهاً ويعني في المقام الأول كيف تخرج من اليأس للأمل ومن الهزيمة للنصر ومن المحنة للمنحة،تحية لمن صنعوا البطولة حقيقة علي الأرض ولكل من جسدها وصورها وأخرجها فيلما ليهب لنا دفعة معنوية في صراعنا مع من يحتل أرضنا ويدنس مقدساتنا.
أضف تعليق