خاص دار المعارف
حُسن النية وطٍيب الخاطر والفهلوة.. صفات يعتمد عليها اللصوص فى ابتكار أساليب جديدة، يصعب على كثيرين الانتباه لها، ولا يسع "الناصح" من الجنس البشرى إلا التعلم من أخطائه، حتى لا يلدغ من الجُحر نفسه مرتين، فالشيطان يقف أمام هذا المشهد رافعا قبعته، خصوصا أنك تخرج ما فى جيبك وتتنازل عما تملك بمحض إرادتك.
فى الفترة الأخيرة تنوعت طرق النصب، بدءًا بـ"تعليق" الشنط من الجنس الناعم، من باب عدم قدرتهن على صد المعتدين، ولكن لن يفلت الرجل أيضا، لتتحول هذه القضية إلى ظاهرة، لم تجد من يحلها فى الدولة - اللهم التعامل الوقتى من أولاد "الحلال" مع أولاد "الحرام" فى هذه المواقف - ليفلت المذنبون من العقاب، ويبدأون من جديد فى اصطياد زبون آخر.
لذلك لزم على "دار المعارف" تناول هذه الظاهرة من جوانب عدة، ورصد بعض القصص الواقعية، لإناس تعرضوا للسرقة، ليس لسذاجتهم وعدم انتباههم وتركيزهم، إنما بسبب حسن نيتهم، رغم حرصهم ويقظتهم لعدم التعرض لمثل هذه المواقف "البايخة"، التى تحرق الدم وتدمر الأعصاب وتؤدى إلى الوفاة أحيانا، ليس لارتفاع قيمة الأشياء التى يفقدونها، ولكن لأنهم يقفون بعد انتهاء هذا الفصل فى ذهول لا حول لهم ولا قوة.
لصوص ليسوا ظرفاء..
محمد عارف، صحفى، روى قصته ساخرًا: "وقفت بعد هذا الموقف أضرب كفًا على كف ذهولًا وتصفيقًا للخدعة التى تعرضت لها"، مضيفًا: "فى عزاء والدة صديق لنا، فى دار مناسبات فى شارع الهرم بالجيزة، شاب أنيق يتعامل بشياكة مع الحاضرين، يقدم لهذا الشاى ولآخر القهوة ويعطى كرسيه للواقف، وهكذا من الخدمات التى تدل على أنه بلد و(خدوم)، لذلك لو طلب أى خدمة هو الآخر من الجالسين فلن يستطيع أى منا صده".
وأوضح الضحية: "خُيل لى أنه من أقارب صديقى، لتعامل من فى الدار مع هذا الشاب بأنه واحد منهم، جلس بجانبى، ورغم رفضى لعزوماته المستمرة بتناول أى مشروب ساخن، إلا أنه لم يمل من هذا، إلى أن حانت اللحظة الحاسمة بطلب مباغت بالحصول على هاتفى لإجراء مكالمة، نظرا لانتهاء شحن بطارية محموله، موضحا لى أنه يريد أن يطلب زجاجات مياه لتقديمها إلى الضيوف".
واستطرد صاحب الواقعة: "بنية طيبة أعطيته هاتفى، ولم أشك للحظة أن هذا الشاب قد يسرق الموبيل بمثل هذه الطريقة الساذجة، التى يعلمها الرضع، وفكرت فى ذلك قبل أن أعطيه المحمول، ليقينى أن هذا مستحيل الحدوث، لأنه يجلس بجانبى ووسط أصدقائى، ولا يوجد أى مخرج قريب يستطيع الإفلات منه".
وواصل عارف قوله: "ورغم أننى قمت بفك شفرة الهاتف، إلا أن الشاب الأنيق المحترم الخدوم من الاتصال، طلب منى فكها مرة اخرى، وهو يمسك الموبيل، ليرى رمز القفل، ليتمكن فيما بعد من استعماله.. وبالفعل نفذت له طلبه".
وتابع الضحية فى حديثها، متأثرًا بالموقف السخيف الذى تعرض له: "وضع الهاتف على أذنيه كأنه يتحدث، ونظرا لارتفاع صوت المُقرئ، انصرف بعيدا لمدخل دار المناسبات حيث المخرج الوحيد، فى إشاره منه إلى وجود هدوء يستطيع من خلاله التحدث، كنت أراقبه حتى تملكنى القلق".
واختتم عارف حديثه: "انتفضت للسير وراء هذا الشخص، وبمجرد وقوفى للحاق به خارج الدار، اكتشفت أنه فص ملح وداب، لا يوجد له أثر فى سلقط فى ملقط، ولم يستدل عليه أحد، والغريب فى الأمر أن كل من توجهت إليه السؤال بمن يستطيع التعرف على هذا الشخص، يرد نافيا قاطعا متعجبا: "ده أنا كنت مفكرك تعرفه".
صدق أو لا تصدق..
واقعة أخرى، يرويها ضحيتان، يقول محمد جمال، محاسب بأحد البنوك، أنه بعد إنهاء عمله اليومى، وقف مع زميله فى الشارع انتظارا لـ"باص الشغل" الذى يقلهم إلى محل إقامتهما، ويضيف مجدى عبد العزيز، شريك جمال: "وإذ فوجئنا بثالث يرحب بنا بطريقة غير عادية، سلام وأحضان وقبلات، ألفة ومودة ومحبة وصلة رحم، فحسبه كل منا صديق الآخر".
وتابعا: "جمال كان يمسك هاتفه الآيفون 7 بلاس، الذى يتعدى ثمنه العشرين ألف جنيه، فالتقطه منه هذا الشخص متغزلا فى إمكانياته، وأن صديقا له منذ فترة عرض عليه شراء هذا الموبيل بالسعر الفلانى، ثم قال الكلمتين ورحل بالهاتف مبتعدا عنا لأمتار، وهو ينظر إلينا مبتسما، ونحن بالمثل".
وأكمل جمال قصته العجيبة: "نظرت لعبد العزيز فى اندهاش، وكذلك صديقى يرقب المشهد منتظرا عودة هاتفى وانتهاء الموقف على خير، إلى أن ابتعد اللص الظريف أكثر من اللازم حتى اختفى عن الأنظار، فقلت لزميلى خلى صاحبك يجيب الموبيل ويبطل هزار".
ويتابع قصته: "كان رد عبد العزيز عليا صادما، فلم أصدقه حينها، ولا زلت لا أصدق أن هذا الموقف الساذج حدث لى وبتلك السهولة، ولماذا كان رد فعلى بهذا البطء"، وواصل جمال كلامه: "عبد العزيز قال لى إنه يحسبه صديقى أنا، فقلت له وأنا كمان بحسبك تعرفه وصاحبك، أيقنت حينها إننا وقعنا فى الفخ".
وأحيانًا تؤدى إلى الوفاة..
حادثة أخرى يحكى تفاصيلها نجل ضحية توفى والده، بعدما ظهرت عليه جميع الأمراض، بعد سرقته من أمام بنك، فقال محيى أبو العز، ضابط شرطة، أن والده النشيط، صاحب الستين عاما، يستقيظ مبكرا كل يوم للذهاب إلى عمله، وفى هذا اليوم المشؤوم قرر التوجه إلى البنك لصرف 30 ألف جنيه، طلبتهم شيقيقته لحاجتها لهم، لمساعدة زوجها فى شراء شقة الزوجية.
وتابع نجل الضحية: "بعدما تمكن والدى من صرف النقود، وبعد خروجه بثوان من البنك، إذا برجلين على عجلة نارية، يقوم أحدهم بخطف شنطة اليد، التى احتضنها أبى بقوة ورفض التفريط فيها بسهولة، إلا أنه لم ينجح، وياليته تركهم يذهبون بها".
وأضاف محيى: "تمسك أبى بما يحمله، ولكن بسبب قوة السارق واندفاع الموتوسيكل لم يتمكن والدى من الاحتفاظ بنقوده، ووقع على الأرض مصابا بعدة كدمات فى صدره ووجه، وعقب نقله للمستشفى علمنا أن بعض ضلوع الصدر قد كسرت"، مضيفا: "بعد ذلك ظهرت كل الأمراض على والدى من سكر وضغط وكلى وكبد وقلب، وظل قعيد الفراش لمدة ستة أشهر حتى لاقى رب العباد".
فى عز الضهر..
آخر تعرض للسرقة، ولكن هذه المرة بالإكراه فى عز الضهر، أمام نادى القاهرة، امتداد شارع التحرير فى الجيزة، والذى يواجه دار الأوبرا المصرية والقريب من النادى الأهلى وبرج القاهرة واتحاد الكرة، أى أنه فى محيط راق، به من الأمن ما يمنع مثل هذه السرقات، وقبله بأمتار قسم الدقى، وما أدراك ما قسم الدقى.
يروى طارق عبد الهادى، مندوب مبيعات، أنه كان ينتظر أمام النادى عميلا ليسلمه بضاعة طلبها عن طريق الإنترنت، مضيفا: "عندما وصلت فى المكان والمعاد المحددين لتسليم "الأوردر" اتصلت بالعميل، ولم يمر سوى 5 دقائق، وإذا بشخص يهمس فى أذنى من ورائى، ويضع آلة حادة فى جانبى، ويضغط بقوة علىَّ، حتى شعرت أنها اخترقت جلدى ونفذت لما بعد ذلك".
وتابع: "الموقف لم يستغرق نصف دقيقة وكان هاتفى فى يده، بعدما طلبه وهو فى قمة الهدوه، وأنا فى قمة الانهيار والتفكير بكيف ينتهى هذا الموقف؟ حيث لم أجد أى حل سوى إعطائه ما يريد، وبمجرد حصوله على هاتفى والأوردر والتفاتى خلفى للركض ورائه، كأن أحد لم يكن، ويكأنه حلم واستيقظت منه".
وواصل: "لم أره نهائيا ولا يوجد أثر له، وكذلك لم يأتى صاحب "الأوردر"، وبالاتصال به هاتفه مغلقا وخارج نطاق الخدمة، وإذا بى فى النهاية قميصى مقطوعا وآثار الدماء عليه، من جراء الضغط بالمطواة على جانبى".
لن تسطيع إرضاء المدام..
مصطفى الصعيدى، رغم عمله فى التجارة واحتكاكه المستمر بجميع أنواع البشر مثل ما يقال "ابن سوق"، لم يسلم من بطش الحرامية، بل ذاق أمر طرقهم فى السرقة، وذلك بعد الانتهاء من عمله فى منطقة وسط البلد، وتحديدا أمام فندق الفورسيزون فى جاردن سيتى، أرقى أحياء القاهرة.
يسير الصعيدى على كورنيش النيل واضعًا هاتفه على أذنه، ويجرى اتصاله اليومى المعتاد بزوجته، لمعرفة ما يحتاجه البيت لشرائه، وعند قرب انتهاء المكالمة الهاتفية وبعد سماع كل الاحتياجات المنزلية، توقف حديث زوجته عند: "نصف رووووو".
وكانت هذه آخر كلمات سمعها درش من زوجته، إلى أن وصل إلى البيت فى فجر هذا اليوم، ولكن دون تنفيذ آوامر المدام، بسب توجهه إلى قسم الشرطة لعمل محضر سرقة هاتفه المحمول.
يقول مصطفى، صاحب الـ37 عامًا، فى محضر الشرطة، إنه فوجئ بخطف الموبيل عن طريق المغافلة، فى أثناء إجراء مكالمة من خلاله، عن طريق موتوسيكل دون لوحات، يركبه اثنين، ولم يستطع اللحاق بهما.
ابن السوق يضحك خلال تذكره الموقف: "هههههههه.. جريت عشرين متر وراهم وهما طاروا، وكان الكورنيش سالك على عكس العادة، وقفت شوية بعدها عشان استوعب اللى جرالى، وبعدين قررت عمل محضر، رغم تأكدى من عدم أهميته، إلا أنه على الأقل قد يشفى غليلى".
ويستكمل مصطفى روايته قائلا: "فى قسم شرطة قصر النيل أقنعنى الضابط الموجود وقتها فى منتصف الليل، أنه لا جدوى من تقديم البلاغ، وأنه شخصيًا تعرض للسرقة بنفس الأسلوب، لم أقتنع بكلام رجل الأمن، لشعورى بأنه يقول كلامه للتخفيف من روعى، ولإقناعى بأسلوب شيك بعدم ضرورة إجراء المحضر، الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع، ولكننى تمسكت بإتمام كتابة المحضر، فأنا صعيدى ومثل هذه الأمور قد تؤدى بى إلى الإصابة بأى مرض".
وأضاف: "بعد أسبوع من الغيظ وتأنيب الضمير، ليس لقيمة الهاتف، ولكن لأننى لم أستطع استرجاع كرامتى، وبالفعل تأكدت أن ما توقعته صحيحًا، ليس بعدم استرجاع الموبيل، وإنما لإصابتى بمرض السكرى".
الضرب مصيرهم..
ليست كل محاولات السرقة تنجح، فمنهم من يفشل فى تحقيق غايته و"ينفد بجلده"، وآخرون يواجهون خطر الموت، بعد حفلة الضرب المبرح، التى يتعرضون لها من المواطنين، وبعدما يحصل على "الطريحة" من القريب والبعيد، يتوجه إلى قسم الشرطة، ليعاقب مرتين على محاولته الفاشلة، وإما أن يتركه الأمن لعدم وجود أدلة أو شهود، أو يصرف صاحب الشأن نظره عن الأمر.
محمد سعيد، إسكندرانى، يعمل فى الإمارات، خلال إجازته فى مصر.. شاء حسن طالعه أن يشاهد مباراة الزمالك فى نهائى دوري أبطال إفريقيا، فى استاد برج العرب، وعقب ضياع اللقب، بدأت حكايته عند عودته وأصحابه الستة فى الطريق إلى منازلهم.
سيدة ثلاثينية، بـ"ختم الصياعة الأبدى" على وجهها تدل على خطورتها، تمسك مطواة وتهدد من يقترب لمجالها الحيوى، ويحيط بها ركاب الميكروباص، ويقف ابنها، الذى لم يكمل عقده الأول، أو كما يدل ذلك، على ناصية الطريق يشاهد ما يحدث، بينما يصل رجل على شاكلتها على دراجة نارية ليهدأ من روعة الموقف، ورغم الاتصال بالنجدة ومن يهمه الأمر، إلا إنهم لم يصلوا حتى كتابة هذه السطور.
فى سيارة الأجرة، يجلس محمد وفى مواجهته هذه السيدة، ويقف نجلها بجواره، يبحث الإسكندرانى عن حافظته الضائعة داخل ملابسه، فوجه أصابع اتهامه إلى الطفل، فتوقفت السيارة لتفتيشه، ورغم محاولات والدته المستميتة بمنع ذلك، إلا أن الأمر كشف براءته، وحان وقت تفتيش المتهمة الرئيسية.
على يمين الطريق، ركن المكروباص، وأكثر من محاولة لاستقدام سيدة تقوم بدور المفتش "كرومبو" للبحث فى ملابس السيدة عن المراد، ولكن باءت معظمها بالفشل، فعندما توافق إحداهن ترفض بعد رؤية العلامات الإجرامية على وجه السيدة، إلى أن تدخلت العناية الإلهية لتكشف عن مكان المحفظة، التى سقطت من عباءة السارقة أمام أعين الناظرين.
ويتابع: "ما إن ظهرت حافظة النقود، حتى أخرجت السيدة أخطر ما فى جرابها، فكانت مطواة، محاولة الهرب هى ومن معها، وكننا تحكمنا بها وقمنا بتقييدها، بينما ظل الرجل يعافر معنا حتى سقط فتكالبت عليه الأيادى، وبعد فترة من الضرب، وصلنا فى النهاية إلى الإفراج عنهما، لعدم وصول الشرطة".
حتى الموتى..
محمد الدهشورى، موظف بالتأمينات، يحكى أغرب قصة للنصب قد تخطر على بال إنسان، عندما انتهى من صلاة الجمعة، وجد سيارة نصف نقل تحمل نعشًا، وأصحابها يقفون أمام المسجد ويحاولون إقناع خلق الله بأن للميت ديون وعليهم تسديدها حتى لا يحاسب الراحل فى قبره.
وأضاف الدهشورى: "أمام عينى، تم جمع الكثير من الأموال، وبعد ساعة تقريبا رحل أهل الميت وتركوا التابوت، لم نشك أبدًا أنها خدعة، ولكن بعد رفع غطائه لم نجدا شيئًا".