لواء دكتور مصطفى كامل محمد يكتب: هل للحرب أجيال ؟!.. محاولة للفهم ودعوة للحوار

لواء دكتور مصطفى كامل محمد يكتب: هل للحرب أجيال ؟!.. محاولة للفهم ودعوة للحوارلواء دكتور مصطفى كامل محمد يكتب: هل للحرب أجيال ؟!.. محاولة للفهم ودعوة للحوار

*سلايد رئيسى24-7-2019 | 18:30

تعاظم إستخدام مصطلح الجيل الرابع من الحروب ، حتى أصبح واسع الإنتشار والإستخدام ، إلى الحـد الذى تتناوله جميع وسائل الإعلام ، وإلى درجة إستخدامه فى المؤسسات العـلمية بصورة متعاظمة ، فقد تشرفت بأن أكون مناقشا من الخارج فى لجان المناقشة والحكم لثلاث رسائل لنيل درجة الماجستير فى كلية الإقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة ـ يوم الأربعاء 26 يوليو 2017، فلم تخلو رسالة واحدة من هذا المصطلح ، كما أفردت له جريـدة الأهرام صفحة كاملة فى عددها الصادر يوم السبت 29 يوليو 2017 ، ص4 ، ولما كانت جريـدة الأهرام هى الأكثر إنتشارا ، والأكبر تأثيرا فى الرأى العام الداخلى فى مصـر والمنطقة العربية ( وهو الأهم ) ، المنطقة التى تتعـرض لمتغيرات تتسم بسرعة وكثافة وتراكم تفاعلاتها بحكم أهميتها الجيوستراتيجية ، وهو ما جعـلها تبدو وكأنها أشد المناطق الإقليمية حساسية وتعـقيـدا ، لإعـتبارات استراتيجية عديـدة ، حيث تٌعتبر المكون الرئيسى للنسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط ( الكبير فى المنظور الجيوبوليتيكى الأمريكى ) ، حيث يضيق ويتسع وفقا لإستراتيجياتها . وقـد قرأت بإهتمام بالغ كل ما جاء بالصفحة المشار إليها بالجريدة ، خاصة ذلك التقريـر الذى أعده الإستاذ أشرف أبو الهول الذى أكن له عظيم الإحترام والتقدير ، كما أن له عندى رفيع المكانة ، تحت عنوان ( حروب الجيل الرابع .. محاولة للفهم والتميـز ) ، حيث أشار فى تقريره إلى أن العالم قد سمع هذا المصطلح عام 1989 من جانب فريق من المحللين الأمريكيين من بينهم " وليم ستركس لينـد " ، الذى قام بتقسيم الحروب إلى أجيال ، وذكر أن الجيل الأول للحروب عبارة عن مواجهة مباشرة بين جيشين نظاميين تمت فى الفترة من 1648 حتى 1860 وهى الحرب التقليدية Conventional Warالتى تتم فى مسرح عمليات محدود ، ولم يُشير سيادته لإى جيل تنتمى الحروب التى نشبت قبل هذه الفترة الذى حددها " وليم ستركس لينـد " ، وما هو المعيار الذى حدد فيه هذه الفترة ؟!. وعرف الجيل الثانى بأنه تطوير للجيل الأول أى لنفس الجيل ، حيث إستُخدم فيها المناورة بالقوات والنيران ( الإلتفاف والتطويق ) بالدبابات والنيران الكثيفة لإحداث أكبر خسائر ممكنة فى الأرواح والأجهزة والمعدات ، ولكنه لم يحـدد الحـقبـة الزمنية اتى إستمرت فيها حروب هذا الجيل ، كما عرف " لينـد " حروب الجيل الثالث بأنها الحروب الوقائية والإستباقية Preventive War ، وأنها تطوير للجيل الثانى قام به الألمان فى الحرب العالمية الثانية ، حيث قاموا بإستخدام مبادىء الحرب كالمبادرة والمفاجأة والعمل خلف الخطوط مع زيادة عمق المناورة لتطويق العدو ، وذكر أن حرب أكتوبر 1973 تعتبر آخر حروب هذا الجيل ، أما الجيل الرابع للحروب فعرفها بأنها الحرب غير المتماثلة Asymmetric War ، حيث وجد الجيش الأمريكى نفسه يخوض حربا غير نظامية بأفكار مبتكرة بعد أحداث سبتمبر 2001 . والتساؤلات التى أطرحها كمحاولة للفهم ، ودعوة للحوار أيضا ، هو : هل يُمكن إعتبار "الإلتفاف والتطويق " تطويرا للحرب ، بالرغم من أن عظماء القادة العسكريين القدامى قد إستخدموا هاتين المناورتين فى معظم حروبهم ، خاصة القائد العربى العظيم خالد بن الوليد عنما أوقع هزيمة حاسمة لجيش الفرس ؟ ، وهل هناك للحرب أجيال ؟ أم أنه من الأوفق أن تُنسب الأجيال لأدوات وأساليب إدارة الحرب ؟ ، وللإجابة على هذه التساؤلات ، فإنه يتعـيـن أولا تحليـل ما تناوله وليم بلينـد ( كمرجع وحيد تناول هذا المصطلح ) ، ويتعين ثانيا تأصيل مفهوم الحرب كنقطة إنطلاق سليمة للإجابة على هذه التساؤلات . بدراسة وتحليل ما تناوله "بلينـد " فى إيجاز شديد ، يُمكن أن نخلص إلى النتائج التالية : 1- أن الجيل الأول للحروب كانت فى الفترة ما بين عام 1648 حتى 1860، وإنحصرت فى المواجهة المباشرة بين جيشين نظاميين . 2- أما حروب الجيل الثانى فهى تطوير لحروب الجيل الأول التى إنتهت عام 1860 ، وقد تميزت بالمناورة الواسعة بالقوات كعمليات الإلتفاف والتطويق بإستخدام الدبابات والعربات المدرعة لإحدلاث المفاجأة ، والمناورة بالنيران الكثيفة أيضا لإحداث أكبر خسائر ممكنة فى الأرواح والأجهزة والمعدات ، وإنتهت حروب هذا الجيل قبل الحرب العالمية الثانية . 3- أما حروب الجيل الثالث فهى تُعتبر تطويرا لحروب الجيل الثانى ، حيث قام الألمان بتنفيذه فى الحرب العالمية الثانية ، وعرفها بالحروب الوقائية والإستباقية Preventive War ، وإستمرت حروب هذا الجيل إلى ما قبل أحداث سبتمبر 2001 ، حيث واجه الجيش الأمريكى تنظيمات مسلحة فى حرب غير متماثلة Asymmetric War . أما فيما يتعلق بتأصيل مفهوم الحرب فإنه يتعين تناوله أولا من منظور أدبيات العلوم السياسية والإستراتيجية ، حيث يتم تعريفها بأنها نظرية سياسية ، تعنى بإدارة الصراع بين قوتين أو أكثر ، بهدف إنزال هزيمة حاسمة بالطرف الآخر ، وفرض الإرادة السياسية على الطرف المهزوم . وبتحليل هذا المفهوم يُمكن ملاحظة أن الحرب لا تنشأ عشوائيا ، بل تُعتبر نظرية سياسية علمية لها متطلبات للإعداد لها لتحقيق الهدف منها ، شأنها شأن كل نظريات العلوم المختلفة ، كنظرية الطفو فى مادة الطبيعة ( حجم الماء المزاح يساوى حجم الجسم المغمور فيه ) ، وفى مادة الكمياء ( المادة لا تفنى ولا تستحدث ) ، ونظرية فيثاغورث فى الهندسة ( مساحة المربع المنشأ على وتر المثلث القائم الزاوية يساوى مساحة المربعين المنشأين على الضلعين الآخرين ) ، أو فى الإقتصاد ( ينشأ الإستقرار فى السوق عندما يتعادل العرض مع الطلب ) وغيرها من النظريات ، فلماذا إذن تتفرد نظرية الحرب ليكون لها أجيال ؟ أم أن النظرية تُعتبر إحدى ثوابت ومعـطيات ومتطلبات فى مختلف العلوم ، فهل هناك أجيال للنظريات ؟ ، فلماذا إذن تكون نظرية الحرب هى النظرية الوحيدة التى لها أجيال ؟ . ومن منظور القرآن الكريم المصدر الذى لا عوج فيه ، يقول الله سبحانه وتعالى ( كلما أوقدو نارا للحرب أطفأها الله ) المائدة : 64 ، كما يصف الحرب بأن لها أوزارا ( حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) " محمد : 4 " ، ( فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) " البقرة : 279 " فلأى جيل من أجيال " لينـد " تنتمى الحرب التى يتحدث عنها الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات ، ومنذ أكثر من 1400 عاما. ومن منظور أدبيات اللغة ، فمن المعروف أن لكل مصطلحٍ ، مصطلحٌ يرادفه فى المعنى ، ومصطلح آخر يُخالفه أى يُشير إلى عكس معناه ، فمرادف الحرب هو القتال ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)" الحجرات : 9 " أى إتخاذ الإجراءت السياسية والدبلوماسية للإصلاح بين المتحاربتين ، ثم إنضمام فئة أو فئات أخرى ضد الفئة الباغية ، أى أن الحرب لها طرفان أو أكثر ، أما المصطلح الذى يُبرز المعنى المعاكس لمصطلح الحرب أى الذى يوضح عكسه فهو مصطلح السلام ، فإذا كانت للحرب أجيال ، فلماذا إذن لا يكون للقتال ، وأن يكون للسلام أجيال أيضا تواكب أجيال الحرب؟. ومن منظور التاريخ ، فقد عرف " لينـد " حروب الجيل الثانى بأنها تميزت بالمناورة الواسعة ، فكيف نصف معركة اليرموك التى وقعت بين المسلمين والروم فى 636 م ، فلم تكن هزيمة الروم هذه ، إلا بتنفيذ المناورة الواسعة التى قام بها خالد بن الوليـد من دمشق إلى اليرموك ليطوق الجيش البيزنطى بالرغم من تعداده الكبير (240 ألف جندى فى مقابل 36 ألفا فى جيش المسلمين ) . وإذا كانت حروب الجيل الثالث قد عرفها " لينـد " بالحروب الوقائية والإستباقية ، فكيف نصف ما قام به الجيش الفارسى عندما علم أن جيش الروم يستعـد لحربه ، فإستبقه ووجه إليه ضربة موجعة أودت إلى هزيمة الجيش البيزنطى ، الا أنه إستعاد كفاءته ، وهزم الفرس بعد تسع سنوات ، وهو ما تنبأ به القران الكريم ( غلبت الروم ، في أدنى الأرض ، وهم من بعد غلبهم سيغلبون ، في بضع سنين ) " الروم : 2 ـ 4". وإذا كانت حروب الجيل الرابع عند " بلينـد " هى حروب غير متماثلة ، تعتمد أساسا على المعلوات وبث الفن والإشاعات ، فكيف نصف ما قام به سعد بن أبى وقاص عندما أرسل عيونًا إلى "الحيرة " ؛ ليأتوه بخبر عدوِّه من الفُرْس ، ورجعوا إليه ، وأخبروه بكل صغيرة وكبيرة عن الجيش الفارسى ، فقام بالتخطيط وتنفيذ لحرب معـلوماتية ، أدت إلى إسقاط الإمبراطورية الفارسية إلى غير رجعة ، ولم تكن هزيمة الفرس هذه إلا تجسيدا لإستحداث ما يُعرف بالطابور الخامس الذى إنتشر داخل تشكيل قتال الجيش الفارسى الذى كان يتشكل من مقدمة ومؤخرة وميمنة وميسرة . وإذا كان هنك أجيال للحرب ، فما هى أجيال الحرب النوعية مثل الحرب البحرية ، والحب الجوية ، والحرب الإلكترونية ، والحرب الكيماوية ، وحرب الفضاء الدائرة الآن بين روسيا بأقمارها الصناعية القاتلة لأقمار الدول المنافسة ، وبين الولايات المتحدة بمنصاتها القادرة على إعادة الأقمار إلتى تضللها الأقمار الروسية إلى أفلاكها مرة أخرى لتعمل وظائفعا وتمدها بأحدث المعلومات والبيانات لتعظيم وظائفها . وأخيرا نأتى إلى المنظور التطبيقى العملى الذى يُقسم أدوات الحرب إلى أجيال " وليس الحرب ذاتها " ، ، فمثلا يُصنف الخبراء الطائرة 27 - SU، والطائرة F-16 ، والطائرة Mig-29 ، والطائرة J- 10 A، والطائرة الرافال ، على أنها تُمثل الجيل الرابع من طائرات القتال ، أما الطائرة F-22، والطائرة 20 Cengdu J-، والطائرة SU- PAK-50فتُمثل الجيل الخامس لطائرات القتال ، فما هو الجيل الأول والثانى والثالث والرابع للحرب الجوية ، كما أن مصر تسعى جاهدة إلى تأسيس وبناء شبكة الجيل الرابع للتلفون المحمول ، وليس الجيل الرابع لنظرية الإتصال ، وبالمثل تسعى أوروبا إلى تأسيس وبناء شبكة الجيل الخامس للتلفون المحمول ، وليس الجيل الخامس لنظرية الإتصال ، إذ يُعتبر المحتوى الفكرى لأى نظرية من نظريات العلوم المختلفة ثابت لا يتغير ، ولكن الذى يُمكن أن يتغيـر هو أدوات وأساليب تطبيق هذه النظريات . وصفوة القول: أولا: أنه من غير المتصور، أو المنطقى ، أو المعقول أن يُنسب الأصل إلى الفرع ، فالأصل هى الحرب ، أما الفرع فهى الأدوات وأساليب تنفيذ هذه الحرب ، سواء تلك التى تتعلق بالتسليح ، أو التى تتعلق بإعداد الفرد بالأجهزة الفنية والمعدات والذخائر ، أو تلك التى تتعلق بفن وأساليب وتكنولوجيا القتال). ثانيا : ما كان دافعى لتناول هذا الموضوع ألا أننى قد قرأت لأحد الزملاء الأعزاء مقالا بعنوان الجيل الخامس للحروب ، وقرأت أيضا لإحدى السيدات الكاتبات الفضليات موضوعا آخر فى إحدى الصحف اليومية تحت عنوان الجيل التاسع للحروب ، فهل يُمكن أن نترك تداول المصطلحات غير المنضبطة ، وبهذه التعددية التى تؤدى إلى الإختلاف والإنقسام الفكرى ، إذ يُؤدى الإنقسام الفكرى مع التمسك بالرأى إلى شىء من العناد الذىيُؤدى بدةره إلى الإنقسم المجتمعى . ثالثا : أنه ترسخ فى يقينى أن أحد الأدوات الرئيسية للقوة الناعمة للقوى العالمية والقوى الكبرى هو إحداث هذا الإختلاف الفكرى ، حيث تهدف إلى إعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط (الكبير) ، المشروع القائـم على تفكيـك وتقسيـم وتفـتـيـت الدول العـربيـة المركزيـة إلى كنتونات صغـيرة ، وتوطيـن شعـوبها على أساس العـرق أو الديـن أو الطائفـة أو المذهـب ، كهدف رئيسى لتحقيـق مصالحها فى المنطقة التى تعـد من أكثـر المناطـق أهـمية فى العالم ، لإعـتـبارات إستراتيجية عـديـدة ، وأن هذا المشروع لن يتحقق إلا بإحداث الإختلاف الفكرى الذى يُؤدى إلى الإنقسام الفكرى أولا الذى يُحدث الإنقسام العضوى وهو الأهم المطلوب إحداثه ، وهو ما يتم الآن فى سوريا ( الجيش الحر ـ الجيش الوطنى ـ الجيش الديمقراطى ـ جيش الإسلام ـ المعارضة المعتدلة المسلحة ، وهل ت..... وهلم جرا ، وهل يستقيم تركيب هذه الجملة " معارضة مع معتدلة لكنها مسلحة ) . رابعا : إذا كان هناك أجيال للحروب، فأرجو من السيد ‘‘بليند ‘‘ ومؤيديه ، تحديـد أجيال الحرب الباردة ، والحرب بالوكالة ، والحرب الطائفية ، والحرب الأهلية .... وغيرها. خامسا : إن ما أصبـو إليه من التعرض لهذا الموضوع هو الحيلولة دون تحقيق ما تهدف إليه هذه القوى ، ودون إحداث الإنقسام الفكرى الذى يُؤدى إلى الإنقسام المجتعى ، كما أهدف أن يكون هذا المقال محاولة للفهم ودعوة للحوار لضبط المصطلحات وتوحيد المفاهيم بين الجميع . والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

    أضف تعليق