إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا»: ذكريات رئاسية!

إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا»: ذكريات رئاسية!إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا»: ذكريات رئاسية!

*سلايد رئيسى24-7-2019 | 18:31

بحكم المهنة.. وبحكم المواقع القيادية التى شغلتها.. مساعدًا لرئيس التحرير.. ثم مديرًا للتحرير ثم رئيسًا للتحرير.. سافرت إلى معظم بلاد العالم.. وفى بعض الأحيان كان حظي يتيح لى لقاء رؤساء وزعماء الدول التى أزورها.. لقاء الرؤساء والزعماء حدث استثنائى فى حياة الإنسان.. حتى وإن كان صحفيا.. ولذلك تبقى ذكريات هذه اللقاءات عالقة فى الأذهان مهما تباعدت السنون.. وإذا كانت مهمتى استعادة هذه الذكريات وتقديمها للقارئ.. فإنه يستطيع أن يتعامل معها إما على أنها حكايت مسلية أو مصدر للمعلومات وإما أنها دروس وعبر.. أنت حر سيدى القارئ.. اختار ما تشاء! وأبدأ بلقائى مع الرئيس الراحل صدام حسين.. كان ذلك فى أعقاب الحرب التى استمرت سنوات طويلة بين العراق وإيران وانتهت بانتصار العراق.. وكانت المناسبة هى الانتخابات التشريعية التى دعا إليها الرئيس صدام. جلست فى غرفتى بالفندق الذى نقيم فيه فلم أرَ إلا برامج تثمن دعوة صدام حسين للاشتراك فى التصويت.. وبين البرنامج والآخر يذيع التليفزيون رسالة مسجلة لصدام حسين يدعو فيها الشعب للنزول والذهاب إلى لجان الانتخابات للتصويت.. بعد يومين اصطحبنا رجال إعلام عراقيين للمرور على اللجان الانتخابية ومتابعتها وتصوير الناخبين. كان الزحام هائلا والإقبال هائلا ووقفت أتأمل المشهد فاكتشفت بحسى الصحفى ما يبدو غريبا وعجيبا! وجدت رجلًا يبكى بحرقة فاقتربت منه وسألته فقال لى: اسمى غير مدرج فى جداول الناخبين.. وقد طلبت من رئيس اللجنة أن يعطينى ورقة تفيد هذا المعنى فرفض.. سألته وماذا يهمك؟.. فرد بعصبية: كيف والرئيس القائد طلب منا الذهاب للجان الانتخاب والتصويت (!!) وسمعت رئيس اللجنة يخاطب فلاحة عراقية مسنة.. كان واضحا أنها لا تعرف القراءة والكتابة فسألها رئيس اللجنة لمن ستعطين صوتك.. قالت بصوت خافت: لا أعرف أحد.. اختار أنت لى يا ابنى! وفهمت أن الخوف الشديد والرعب من الرئيس القائد هو سبب الزحام الهائل. وفى المساء حضرت مؤتمرًا صحفيًا حضره الرئيس القائد فتحدث عن انتصار العراق على إيران.. وأعطى القائد أوامره لإحضار جنديين عراقيين للحديث عن وحشية الإيرانيين.. جاء اثنان من الجنود حليقى الشعر وعلى وجوههما علامات الإرهاق.. قالا إن الإيرانيين طلبوا منهما أن يسبا نظام صدام فرفضا فقاموا بتعذيبهما.. رفعت يدى وسألت الاثنين.. كان فى إمكانكما تجنب التعذيب بالتظاهر بأنكما لا تحبان النظام العراقى.. لماذا لم تفعلا؟! لم أتلقَ إجابة فقد صمت الجنديان.. وشعرت أن الجو تكهرب.. ورأيت الرئيس القائد يهمس لأحد الأشخاص.. بعد دقيقة ونصف جاء رجل وهمس فى أذنى: من فضلك تعالى معايا.. وسرت وراءه فسلمنى لرجلين قالا لى: سؤالك لم يكن لائقا.. هل تتصور أن يبيع العراقى كرامته؟! عدت للفندق وفى صباح اليوم الثانى زارنى رجلان قالا لى إن الرئيس القائد اندهش جدًا من سؤالك وطلب معلومات عنك (!!!) أجبت على أسئلة الرجلين وخرجت أتمشى حول الفندق فأحسست أن هناك من يتبعنى! أصابنى الرعب وعدت إلى الفندق ولم أغادره إلا عند سفرنا إلى القاهرة.. قابلت بعد يوم من عودتى صديق قال لى مرحبا مهللا.. حمد الله على السلامة. رويت له ما حدث فتغير وجهه وقال بصوت خافت: حمد الله على السلامة بجد! وقابلت الرئيس الراحل جعفر نميرى فى السودان. كان ذلك فى بداية الثمانينيات بتكليف من الأستاذ أنيس منصور رحمه الله.. كان مطلوبا القيام بعمل تحقيقات صحفية فى عدد من المدن السودانية ومنها مدينة " كسلا". حاولت أن أحجز لى وزميلى المصور مقعدين فى أى سيارة مسافرة إلى كسلا ففشلت. استعنت بصديق سودانى من إدارة التكامل ( وكان أيامها قائما بين مصر والسودان) فلم ينجح فى حجز أى مقعد.. لكنه جاء يوما وقال لى إن الرئيس نميرى مسافر إلى كسلا وقد طلبت من الرئاسة أن تسافر أنت وزميلك المصور على متن الطائرة الرئاسية. ذهبنا فى الموعد المحدد وركبت وزميلى الطائرة الرئاسية.. وبعد صعود الطائرة جاء من يسألنى: الأخوة منين؟! قلت له: إننا صحفيان مصريان فذهب وعاد يدعونا للجلوس مع الرئيس نميرى. تبادلنا الحديث على مدى نصف ساعة ولاحظت اهتمامه الشديد بزميلى المصور.. قبل هبوط الطائرة فى مطار كسلا.. طلب منا الرئيس نميرى أن نركب العربة التى تسبقه لكى نصوره والجماهير تحييه.. وفعلنا.. وفجأة تقدم أحد المواطنين وأوقف موكب الرئيس وفى يده ورقة كان واضحا أنها شكوى.. وفوجئت بالرئيس نميرى يهبط من سيارته ويمسك بالرجل ويعطيه علقة ساخنة (!!!) وعرفت فيما بعد أن الرئيس نميرى كان يعشق التصوير وأنه شعر أن المواطن الذى أوقف موكبه.. أفسد المشهد على المصور (!!!) وفى القاهرة.. فى نهاية التسعينيات التقيت بالرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات.. جاء الرئيس عرفات إلى مبنى مؤسسة دار المعارف ومجلة أكتوبر لحضور ندوة دعاه لحضورها الأستاذ رجب البنا رئيس التحرير.. جلست إلى جانب الأستاذ رجب البنا فى مواجهة الرئيس عرفات وكنت مسئولا عن تسجيل الندوة وإعدادها للنشر.. قبل أن تنتهى الندوة سألت الرئيس عرفات ما هو تعليقه على الأنباء التى خرجت من واشنطن تتحدث عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؟.. ضحك الرئيس عرفات بصوت عال وقال: لا تخشى شيئا يا صديقى.. لن يجرؤ أى رئيس أمريكى على فعل هذه الحماقة.. لن يسكت العالم العربى والإسلامى.. اطمئن! وأضاف الرئيس عرفات موجهًا حديثه لى: هل سمعت عن بالونات الاختبار.. مثل هذه التصريحات ليست إلا بالونات اختبار لقياس ردود أفعالنا. رحم الله الرئيس ياسر عرفات.. هل أخطأ فى قياس جرأة رؤساء أمريكا أم أخطأ فى تقدير قوة وتأثير العالم العربى والعالم الإسلامى؟! وفى شهر نوفمبر من عام 2008 سافرت وزملائى رؤساء تحرير الصحف المصرية بصحبة الرئيس الأسبق حسنى مبارك إلى الهند.. كان مقررًا أن نحضر لقاء الرئيس مبارك برئيس وزراء الهند فى ذلك الوقت مانوهان سينج.. فى الموعد المحدد ركبنا سياراتنا وانطلقنا خلف سيارة الرئيس مبارك متجهين إلى مبنى رئاسة الوزراء الهندى.. لسبب غير مفهوم تعطل سائق سيارتى ولم يتوقف عن الابتسام بطريقة بلهاء! بعد حوالى عشر دقائق من مغادرة الفندق اكتشفت أننا فقدنا أثر موكب الرئيس.. تحدث السائق فلم أفهم إلا عبارة واحدة.. ليست هناك مشكلة يا سيدى.. عاد بى السائق إلى الفندق يسأل عن العنوان ثم عاد وانطلق بى مسرعا وهو لا يتوقف عن الابتسام بطريقة بلهاء! توقفت السيارة عند بوابة قصر فخم وراح السائق يتحدث مع الحرس لمدة خمس دقائق.. وأخيرًا فتح لنا الحرس الباب وتحركنا إلى داخل القصر حتى وصلنا إلى مبنى رئيسى.. هبط السائق واستدعى أحد الموظفين الذى طلب منى أن أتبعه.. صعدنا سلمًا ضخمًا كان فى مواجهته باب مكتب أنيق.. أشار لى الموظف بالدخول فى هذا المكتب فطرقت الباب ودخلت فوجدت سيدة تجلس خلف مكتب ضخم.. حسبت السيدة سكرتيرة أو مديرة مكتب رئيس الوزراء فشرحت لها لماذا تأخرت عن الحضور واللحاق بالرئيس مبارك.. فوجئت بالسيدة تقول بوجه متجهم.. أنا براتيبا باتيل رئيسة جمهورية الهند (!!!) الله يخرب بيت هذا السائق الغبى.. ضيع علي فرصة حضور لقاء الرئيس مبارك مع رئيس وزراء الهند.. وأحرجنى مع رئيسة الجمهورية (!!!) واختتم بلقاء مع الرئيس الرومانى نيكولاى تشاوشيسكو.. كان ذلك فى عام 1987 وقد سافرت إلى رومانيا لحضور معرض بوخارست الدولى.. كنت الصحفى المصرى الوحيد وفى يوم الافتتاح وقفت إلى جانب مجموعة من الوزراء المصريين أمام الجناح المصرى.. جاء الرئيس تشاويشكو وراح يصافح الوزراء المصريين ثم مد يده وصافحنى بحرارة.. أمسك الرئيس الرومانى بيدى لمدة ثلاث دقائق وراح يحدثنى بلغة لم أفهمها.. وحاولت أن أتكلم معه باللغة الإنجليزية.. لكن يبدو أنه لم يفهم من حديثى كلمة واحدة تماما كما لم أفهم أنا من حديثه كلمة واحدة.. بعد عامين من هذه الواقعة قامت الثورة فى رومانيا وتم إعدام الرئيس الرومانى وزوجته رميا بالرصاص.. شعرت بالحزن ليس على موته وإنما لأنه مات دون أن أعرف ماذا كان يقول لى (!!!).

    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2