د. ناجح إبراهيم يكتب: مع ابن عطاء الله السكندرى
د. ناجح إبراهيم يكتب: مع ابن عطاء الله السكندرى
من أجمل حكم ابن عطاء الله السكندرى:"رب عمر اتسعت آماده وقلت أمداده,ورب عمر قليلة كثيرة أمداده,فمن بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من منن الله تعالي ما لا يدخل تحت دوائر العبارة ولا تلحقه الإشارة". تفكرت في حكمته البديعة وقلبت التاريخ الإنسانى فوجدت الملايين يعيشون سنوات طوال دون عمل ينفع أو علم يبقي أو سجيه تؤثر فتكاد حصيلة عمره صفراً,فلا نفع ولا انتفع،وبعضهم يكون عمره شراً عليه وأسوأ منه من يكون عمره شراً عليه وعلي الآخرين,فيصنع في كل ساعة من عمره مأساة أو محنة للآخرين.
وآخرون أعمارهم قصيرة ولكنهم حفروا في ساعاتها ذكرى طيبة,وللذكر الطيب للإنسان عمر ثانى,ونقشوا مع كل حركة من عقارب الساعة علماً نافعاً,أو رحما موصولاً,أو صدقة جارية أو إحساناً إلي الخلائق,أو أعمالاً مجيدة,أو بطولات يشاد بها بين الخلائق. فهذا المسيح عليه السلام بلغ عمره 33 عاماً فقط صنع فيها كل معانى الإحياء المادى "وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ"والإحياء المعنوى فقد أنقذ البشرية من الحقد والأثرة والأنانية وجفوة الطباع ودعاوى الانتقام وأصلح القلوب وحارب التدين الشكلى وأعلي قيمة الإنسان ونشر التواضع والعبودية الخالصة لله.
وهذا رسول الله أسس أعظم دين في 23عاماً فقط هي عمر البعثه وربى أعظم جيل وأنشأ خير أمة وأقام العدل والحق وحول أمة العرب من أمة ضائعة ممزقة إلي أمة هزمت الفرس والروم وتصدرت الحضارة العالمية. أما يحيي بن زكريا"يوحنا المعمدان"فكان عمره 30عاماً وكان"سَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ"وصدع بالحق وتحدى الظلم ونشر الهداية وبلغ الرسالة. أما أبو بكر الصديق فقد استطاع في عامين ونصف هي عمر حكمه أن يؤدب ما نعى الزكاة ويحفظ للفقراء حقوقهم ويعيد الدولة هيبتها وقوتها بعد تمرد المرتدين,وأن يجمع الناس جميعاً علي قلب رجل واحد بحكمته وعدله ورحمته وحزمه.
وعمر بن الخطاب استطاع في عشر سنوات أن يقيم قواعد العدل والشورى في الداخل وأن يكسر شوكة أعظم دولتين في التاريخ الفرس والروم,ويرسخ فقه الدولة الذى لم يكن واضحاً قبله,ويسن ما يسمى بـ"أوليات عمر"ويحقق الموازنة الصعبة بين قوة الدولة وقوة المجتمع.
أما الإمام علي الخليفة العظيم فقد أسس فقهاً كاملاً وهو قتال أهل البغى مثل الخوارج,وهو الذى نام في فراش الرسول وصاحب أعظم البطولات فضلاً عن العلم والحكمة والزهد والورع كل ذلك وغيره فعله في 59 عاماً. أما عمر بن عبد العزيز أسطورة الإسلام فيحيى سنن العدل وإحقاق الحقوق ورد المظالم في عامين ونصف ما يعجز أي حاكم عنه حتى تصالح الذئب مع الغنم في لحظات مبهرة من التاريخ,ويعم الرخاء حتى أصبح الغنى يحتار أين يضع زكاته,فضلاً عن زهده وعزمات الحق والخير التي لم يستطع غيره أن يقوم بها في تواضع مذهل وسماحة عجيبة. أما الإمام الشافعى فعاش 54 عاماً ابتكر فيها علوماً جديدة أهمها علم أصول الفقه.
وحجة الإسلام الغزالي عاش أيضاً 54عاماً ترك فيها أعظم تراث علمى وفقهى وصوفى وأصولي ويكفيه"الإحياء"حتى قيل"ليس من الأحياء من لم يقرأ الإحياء". والنووى عاش 45 عاماً وعمره كله بركة فهناك آلاف الكتب مثل:رياض الصالحين ولكنها اندثرت ليبقي كتابه الذى لم يختلف عليه أحد ويدرسه الجميع,وكذلك شرحه لصحيح مسلم.
إنها أمداد السماء التي أمدت هذه الأعمار القصيرة فباركت لحظاتها وساعاتها وحولت كل لحظة منها إلي نور يهدى الكون ويضيء الأرض،إنها بركة العمر يهبها الله للمصطفين من عباده. أننى كلما تفكرت في الأبطال العظام أمثال إبراهيم الرفاعى,إبراهيم عبد التواب,أحمد حمدى,عبد المنعم رياض الذى ماتوا في سنى عمرهم المبكر,وأنجزوا أعظم البطولات أعجب لمنة السماء عليهم واصطفاء الله لهم,وكذلك السادات الذى استطاع في عشر سنوات أن يصنع أسطورة الحرب والسلام فضلاً عن العمران والرفق.