عاطف عبد الغنى يكتب: فى تفكيك بنية الإرهاب(8) فى زنزانة يوسف

عاطف عبد الغنى يكتب: فى تفكيك بنية الإرهاب(8) فى زنزانة يوسفعاطف عبد الغنى يكتب: فى تفكيك بنية الإرهاب(8) فى زنزانة يوسف

*سلايد رئيسى2-8-2019 | 15:16

الأحكام الشرعية تؤخذ من القرآن وسُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة، وليس من أبو الأعلى المودودى أو سيد قطب أو غيرهما..

الآيات والأحاديث هى التى تحدد الحكم الشرعى، وشروط تحقيقه وحدود استعماله.

وورد فى كتاب «دعاة لا قضاة» هذه العبارة بنصها: «لا حاجة لنا بعد كتاب الله وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نتعلق بأية مصطلحات يضعها بشر غير معصوم، والمقصود المباشر للعبارة هو مصطلح «الحاكمية».

(1)

من الآية رقم (40) من سورة يوسف استعار أبو الأعلى المودودى عبارة (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) ليبنى عليها مفهومه الجديد الحاشد بعد إخراج العبارة من سياقها ليضعها فى سياق جديد يتحول مع الزمن والبناء عليه فى عقول البعض إلى ما يشبه الحكم الدينى، ويكتسب فى بعض العقول حصانة الحكم الشرعى الوارد عن الله أو المأخود من السُنّة الثابتة والصحيحة (كما أسلفنا).

يقول الباحث التونسى محمد سويلمى: «يمثل المودودى الأساس الأول لإنعاش مفهوم التوحيد وتحويله إلى آلة أيديولوجية جبارة عمقت تداوله السياسى، وشحنه (المصطلح) بحمولة تكفيرية بالتأكيد على الحاكمية أساسًا شاملاً فى العقيدة، والفكر، والسياسة، والمجتمع، حين يقول: «إن الألوهية تشتمل على معانى الحكم والملك أيضا».

ومن بعد المودودى جاءت تنظيرات المرشد الأول للإخوان حسن البنا، ومن بعده حديث سيد قطب عن الطليعة المؤمنة، والجيل القرآنى الجديد، وخوض الصراع السياسى ضد الجاهليات المعاصرة الوطنية والعالمية مادامت تأبى الإذعان لحاكمية الله، فالبنا آمن بأن الإسلام «جهاد ودعوة أو جيش وفكرة»، كما ورد عنه فى «الرسائل» وأن هذا يقتضى إعلان الحرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام وما سبق ورد أيضا فى رسائل البنا..

ومن بعد البنا جاء قطب لينظّر لمنهج انقلابى يواجه الجاهلية المحلية والعالمية متخذًا من مفهوم التوحيد إطارًا لإضفاء الشرعية على الصراع السياسى، وهو ما سوف تستفيد منه حركات الإسلام السياسى العنيفة فى العقود اللاحقة، وتضيف إليه من التأويلات التى رفعت كثيرًا من منسوب العنف وعززت ثقافة الإبادة البيولوجية والحضارية من خلال حشد مصطلحات فعّالة مثل التكفير، والجماعة، والهجرة والولاء، والجهاد.. إلى آخره.

(2)

كان نبى الله يوسف عليه السلام مسجونًا فى أحد سجون مصر الفرعونية، يصاحبه فى زنزانته رجلان، ورد خبرا عنهما فى القص القرآنى، وفهمنا أن الرجلين رأيا فى يوسف عليه السلام من الملكات الشخصية ومن الأخلاق ما يرفعه إلى درجة الإحسان (إِنَّ انَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)وهى أعلى من درجة الإيمان، وربما سألاه عن تلك الصفات التى أهلته لأن يهبه الله من علمه (العلم اللدنى) فيجلى بصيرته ليعلم جانبا من الغيب من خلال تفسير الأحلام، فلما سألا يوسف كيف اكتسب هذا الفتح جاوبهما: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) وهذا أول ملمح سوف يرد في سياقه مصطلح الحاكمية، وفى هذا الملمح أن المجتمع الذى عاش فيه يوسف (قوم الرجلين) كافرون بالله كفر واضح لا لبث فيه، يعبد أفراده آلهة من البشر عقيدتهم اشتهرت فى التاريخ باسم «الديانات الفرعونية» ينكرون البعث والآخرة وهذا مما نقول عنه معلومًا من الدين بالضرورة، وفرعون لم يكن اسم علم أو شخصًا واحدًا ولكن كان لقبًا لبيت الحكم لسلسلة من الملوك حكموا قبل التاريخ وتجاوزوا فى طغيانهم حد الكفر.

(3)

ويكمل نبى الله يوسف لرفيقيه فى الزنزانة فيوضح عقيدته: «وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ» (يوسف 38).

نبى من سلسال أنبياء يشرح لاثنين ينتميان لمجتمع كافر، معنى الإيمان فى التوحيد الخالص، ويوضح لرفيقيه ما هما عليه من ضلال وجاهلية دينية بتسليم قيادهما لفرعون، وعبادته من دون الله، فيقول لهما:«مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ » (يوسف 40).

نعم كان أكثر الناس لا يعلمون التوحيد الحق، فى هذا العهد، وهذا التاريخ، فى هذه البقعة من الأرض التى عبدوا فيها آلهة من البشر وصنعوا الحيات والعجول أصنامًا من الذهب وقدسوها، كما أخبرتنا سور القرآن وآياته فى قصص أبناء يعقوب فى مصر يوسف وموسى وهارون.. سلام الله عليهم أجمعين.

هذه هى القصة وهؤلاء هم المقصودون بنسب الحاكمية لغير الله سبحانه، ويجوز أن نشبه الحكام الكفرة بهم إذا خرجوا من الملة، لكن بشروط الله سبحانه وتعالى، وليس بشروط المودودى وقطب ومن سار على دربهما، ممن قالوا بتكفير الحاكم المسلم وأخراجه من الملة، وقد تقوّلوا بهذا على  الرئيس عبد الناصر، ومن بعده السادات، وحاولوا قتل الأول ونجحوا فى اغتيال الثانى، ومازالوا يصفّون الحكام بالطواغيت، وتأويل الوصف يدخلهم فى حكم الكفرة، هذا على الرغم من أن مصر منذ أن دخلها الإسلام لم تأله حاكم، أو تعبده أو تشركه فى حكم الله الواحد الأحد مهما بلغ حب الناس لهذا الحاكم.

(4)

أما إذا كان منظّرو التكفير يقصدون «بالحاكمية» سن القوانين ووضع النظم والتشريعات فإن الله سبحانه وتعالى ترك للناس كثير من أمور دنياهم ينظمونها حسبما تهديهم إليها عقولهم، وذلك فى إطار مقاصد عامة وغايات حددها الله سبحانه وتعالى وأمر بتحقيقها.

 وفى الشريعة تصنف أفعال الإنسان 3 أقسام: فرض، وحرام، ومباح.. والفرض ما فرضه الله سبحانه وتعالى ولا يملك إنسان أن يقرر عدم وجوبه، ومن يفعل ذلك أو يقول به بعد أن بلغه الحق وقامت عليه الحجة، جاحد للنص مكذب لربه تعالى فهو كافر مشرك بلا جدال..

وما حرمه الله تعالى حرام إلى يوم القيامة، لا يملك أحد أن يقول عليه حلال وحكم من يفعل ذلك عن قصد كحكم سابقه.

أما المباحات فإن للمسلمين أن يسنوا فيها من الأنظمة - والتى قد تتخذ شكل قرار أو لائحة أو قانون – ما تقتضيه الحاجة تنفيذًا لنصوص وردت بضرورة تحقيق المقاصد العامة، مثل أن تسن قوانين لتنظيم الشورى « وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ » (الشورى 38)، أو قانون لتنظيم المرور، أو الصحة، أو التعليم، فهل يكون فى هذا كفر وإشراك بالله ؟!

.. وللحديث بقية.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2