عاطف عبد الغنى يكتب: في تفكيك بنية الإرهاب (10) الهبة الإلهية من الرسالة المحمدية

عاطف عبد الغنى يكتب: في تفكيك بنية الإرهاب (10) الهبة الإلهية من الرسالة المحمديةعاطف عبد الغنى يكتب: في تفكيك بنية الإرهاب (10) الهبة الإلهية من الرسالة المحمدية

*سلايد رئيسى16-8-2019 | 15:02

الدين الإسلامى بناء ضخم وفخم ما أجمله إذا طالعناه فى كليته، وما أعظمه إذا أبحرنا فى تفاصيله، قاعدته الإقرار بالتوحيد الخالص لله رب العالمين، وأعمدته بعد الشهادتين: «إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت»، كما علمنا رسولنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن أقر بقلبه، وصدّق بعمله على الفروض الخمسة، فقد قبله الإسلام فى رحابه، ومن أراد أن يرتقى ويصعد أكثر فى الطريق إلى الله، يلزم شُعب الإيمان، وهى بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة أعلاها وأعظمها التوحيد، وأدناها خصلة فى سلوك المسلم يمنع فيها الأذى عن الطريـق، وهو حيــن يفعــل لا يميــز، ولا يختار من أزال العثرة عن طريقه.. إنسان أو حيوان، مسلم أو كتابى، أو حتى مشرك أو كافر.

وما بين التوحيد وإماطة الأذى عن الطريق، هناك مدونة للقيم والأخلاق والسلوك، هى شُعب الإيمان الدالة إلى سعادة الدارين، الدنيا والآخرة.

فإذا ما أراد العبد المؤمن الارتقاء إلى أعلى البناء فعليه بالإحسان، وهو المقام الذى يتفقد فيه العبد ربه فى كل وقت وحين، عملا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم: «أن تعبد الله كأنك تراه» فتصير عبدا ربانيا.

(1)

وإذا كان بناء الدين مراتب ودرجات، فالبشر أيضًا فى إدراكهم وفهمهم للدين، مراتب ودرجات، وقد شهدت أيام البعثة الأولى، وعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، التحاق أجناس، وألوان، ودرجات عديدة من الناس بالإسلام، عربًا وعجمًا، حضرًا وأعرابًا، كبارًا وصغارًا، سادة وعبيدًا، ولم يُعرف عن النبى صلى الله عليه وسلم – على الإطلاق – أنه لم يقبل إسلام أهل قرية أو أهل محلة، أو إنسان أتاه حتى سأله عن مفهوم الشهادتين، ومعانى كلمات الإله والرب والعبادة والدين، ومعنى التوحيد، ومواطن الوقوع فى الشرك، ومعنى الربوبية، وما إذا كان مقتضاها حاكمية الله تعالى ومدى قدرته عز وجل.

 لم نصادف فى سيرة الرسول أنه فعل هذا ولا يمكن أن يتواطئ جميع صحابته صلى الله عليه وسلم فى كتمان الأمر إذا كان قد حدث، ولو كان الجهل بهذا كفرًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى ببيان وتوضيح ذلك لكل حديث عهد بالإسلام، وألا يفعل يكون ما بلّغ أمر ربه، أو حكم بإسلام من لا يجوز الحكم بإسلامه، وحاش لله ألا يفعل.

وكما جاء فى كتاب «دعاة لا قضاة» ، من المحال الممتنع عند أهل الإسلام أن يكون عليه الصلاة والسلام قد غفل أن يبين للناس ما لا يصح لأحد الإسلام إلا به.. فإن زعم زاعم أن الناس على عهده عليه الصلاة والسلام كل فرد منهم يعلم جميع ذلك على وجه القطع والتحديد، من مجرد نطقه بالشهادة أن لا إله إلا الله فقد ادعى (من يزعم ذلك) الكذب وقال ما لا برهان على صحته.

وإذا ما احتج التكفيريون بالمودودى أو قطب، وقالوا مثلهما إن العهود تغيرت وتغيرت معها المصطلحات ومعانى الألفاظ، حتى وصلنا إلى عصرنا الحالى الذى يصف فيه أئمة التكفير والمنظرين المسلمين فيه بصفات أقرب إلى الجهالة الدينية التى كانت سائدة قبل الإسلام، نرد عليهم بالقول إن: «الثابت فى الصحيح من الأخبار أن من كانوا بنجد والحجاز وما حولهما فى حياته عليه الصلاة والسلام لم يكونوا كلهم عربًا خلصًا، بل كان فيهم المستعرب، والحبشى، والفارسى، وغير ذلك من الأجناس.. وأن من العرب الخلص من كان يجهل الكثير من معانى كلمات «الإله والرب والعبادة والدين» ومعانى التوحيد، وقد عَلِم الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك، ووقع الوهم والخطأ فى ذلك من الناس بحضرته عليه الصلاة والسلام».

(2)

والجهل بالألفاظ واللغة، لا يعنى أن المسلمين الأوائل قد جهلوا العقيدة أو الشريعة، بل على العكس، فالمسلم يحفظ القرآن باللغة التى نزل بها الوحى، والوحى يتنزل بالإجابة على مسائل المسلمين، والمسلمون يتبعون سُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، والقرآن والسنة الصحيحة، باقيتان بحفظ من الله إلى يوم الدين، وما استجد على المسلمين هو التفسير والتأويل، وظهور غلاة المتشددين الذين ينقضون أهم هبة ربانية من الإسلام والرسالة المحمدية كما يجليها قول الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء 107) رحمة لكل ما سوى الله من خلقه، والرحمة تأتى من إصلاح أمر العقيدة التى أعوجت بالكفر والإشراك، فى عصور سابقة، فإذا ما انصلحت العقيدة رفع الله عن الناس عذاب الآخرة، ومن بعد العقيدة إصلاح الشريعة مناط الحياة: «وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ « (الأعراف 157).

والخلاصة أن محمدا ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم وهو من هو، لم يكن يحكم على النوايا والقلوب، فالله وحده سبحانه وتعالى أعلم بالسر وأخفى وكان يكفى الشخص أن ينطق بالشهادتين مقرًا ومعلنًا ليُقبل فى مجتمع الإسلام، ثم يأتى العمل ليؤكد ما نطق  به اللسان وصدقه القلب.

(3)

وبقدر ما بسط الإسلام جناحه ليستوعب الخلق ويحتويهم ويدخلهم فى رحمة الله، ضيق أئمة الكفر ومنظّريه عليهم، فجعلوا من أنفسهم قطبا طاردا، وعنوانًا صادما، ونموذجا فجا للغلو والتضييق، وابتدعوا تفسيرات عديدة لإخراج المسلم من الملة، والحكم بكفرانه، أو شركه، فقالوا ضمن ما قالوا ويندرج تحت بند «الحاكمية» إن المسلم يرتد كافرًا مشركًا متى أطاع من لم يحكم بما أنزل الله تعالى واتبعه (دون النظر إلى نية أو اعتقاد هذا الشخص الذى حكموا بكفره).

وقالوا أيضا إن الشخص متى عمل عملاً مما دعا إليه الآمر بغير ما أنزل الله فإنه يكون مطيعًا ومتبعًا له متخذًا له ربا من دون الله عز وجل، سواء عمل هذا العمل وهو معتقد خطأ أن الآمر بهذا العمل إنما يحكم بحكم الله، أو يأمر بخلاف حُكم الله ويمتثل المأمور له وهو يعلم أنه عاص لله، أو أن يمتثل المأمور للآمر تعظيمًا وتفخيمًا وهو يعلم أن الأخير يخالف حُكم الله، ويطيعه ويتبعه دون نظر أو اعتبار لأمر الله تعالى.

وقالوا، لو لجأ المسلم إلى عالم وفقيه يسأله فى مسألة أو نازلة نزلت به فأفتاه العالم أو الفقيه خطأ ولم يصب حكم الله، وعمل صاحب المسألة بما أفتاه به الأخير، يكون هذا الشخص قد أشرك (بعمله هذا) واتخذ ذلك المفتى ربًا له من دون الله.. تصوروا (!!)

(4)

أعرض أقوالهم تلك على ميزان عقلك، وانظر هل يقبلها؟!.. وسؤالنا التالى: ما رأى الشرع فيما يقولون؟!.

 انتظروا الإجابة فللحديث بقية.

أضف تعليق

رسائل الرئيس للمصريين

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2