عاطف عبد الغنى يكتب: دقيقتان..  قال فيهما الرئيس كل شىء..  ولم يقل

عاطف عبد الغنى يكتب: دقيقتان..  قال فيهما الرئيس كل شىء..  ولم يقلعاطف عبد الغنى يكتب: دقيقتان..  قال فيهما الرئيس كل شىء..  ولم يقل

*سلايد رئيسى29-4-2017 | 23:31

فى دقيقتين، 120 ثانية بالساعة الميقاتية، وبتأثر واضح، تحدث الرئيس عبد االفتاح السيسى على مرأى ومسمع الملايين وليس رواد مؤتمر الشباب فقط أو الحاضرين فى قاعة الاجتماعات بالإسماعيلية، قال الرئيس كل شىء عما حدث خلال السنوات التى تلت يوم الثلاثاء 25 يناير 2011، وأنذر بما يمكن أن يحدث إذا لم يفهم المصريون الرسالة، وفى القلب منهم الشباب، لكن الرئيس قال، ولم يقل.. كيف ذلك؟!
 لقد لخّص الرئيس رسالته فى فقرتين رئيسيتين ولم يخض فى التفاصيل، لأن فى هذه التفاصيل لا يسكن فقط الشياطين، ولكن أيضا الثعابين التى تبادر فتخرج من كل جحر على من يحاول أن يكشف الحقيقة.. حقيقة ما حدث فى الثورة، وما قبلها، وما بعدها.. وكانت هذه الثعابين ومازالت تلدغ بألسنتها كل من يتكلم وتؤلب عليه الناس وتشوهه لأن لها مصالح سعت لتحقيقها، والجيش والسلطة الحالية عطّلت لها هذه المصالح كثيرا، وتنشد السلطة وعلى رأسها الرئيس هدوء الأحوال، للمضى فى طريق البناء والتنمية، وإدراك ما فات وما فسد بسبب الغضب وحالة الفوران التى عانت منها البلاد فى السنوات الست الماضية.
(1)
توقفت عند ما قاله الرئيس واستعدته مرة، ومرتين، لقد قال ما يمكن أن يراه البعض متناقضًا، قال أولا: «لما الناس تحركت فى 2011 كان جزء من التوصيف مش حقيقى كان خداعًا، وكان تزييفًا للوعى..».
 وأضاف متحدثًا عن طرف ثالث غائب: « وقال لك اتحرك وشيل، وأنت بتشيل.. بتشيل مستقبلك».
 ووجّه الرئيس إنذارا لمن لا يفهم، أو لمن لا يريد أن يفهم، أو لمن يفهم ما يفعل ويصدر فعله الخطأ عن قصد، قال الرئيس لهؤلاء جميعًا: «عايز تتحرك تانى.. وتعمل.. اتحرك أنت هتضيعها خالص.. هتضيع بلدك هتضيع مستقبلك خالص، أنت وأولادك وأولاد أولادك القادمين».
هل الكلام السابق يحتاج إلى تحليل مضمون؟! .. لا أعتقد، فالكلام واضح لكنه يحتاج إلى التفاصيل التى يعرف بعضها الآن كثيرون فى الدولة، وأولهم وعلى رأسهم قادة الجيش، وضباطه، وأفراده، الذين تحركوا منذ اليوم الأول للثورة ونزلوا إلى الميادين، واقتحموا الشقق المغلقة المطلة على ميدان التحرير، واكتشفوا ما تحتويه من معدات، وأسلحة، ودولارات، وريالات قطرية، ويوروهات، كثيرة، وقبضوا على أجانب جاءوا إلى مصر بالمئات مكلفين بأعمال تجسس وتخريب، كانوا قد دخلوا قبل الثورة بشهور قليلة وأسابيع، بهويات مزورة تزعم أنهم مراسلون لوسائل إعلام وصحف أجنبية أو دبلوماسيين، هذا غير الذين دخلوا عبر أنفاق سيناء، والذين خرجوا فى أيام الثورة الأولى، أو أخرجوا من السجون، كل هؤلاء وغيرهم فى الداخل لم يكن وراء أفعالهم العنيفة أو المغرضة نيات طيبة تجاه هذا الوطن، ولم يكن ليكتفوا بإزاحة مبارك ونظامه من الحكم، كانت هناك أغراض أكبر وأخطر، جزء من هذه الأغراض تمت ترجمته إلى أفعال نراها فى الدول التى حولنا، الغارقة فى الدماء والخراب وانتهاك الأعراض، وجزء آخر من تلك الأغراض الخبيثة غاطس مثل الجزء الأكبر من جبل جليد، ويمكن أن نصف هذا المستخبى بالمخططات الشيطانية الاستراتيجية التى تطبخ على نار هادئة، عشرة، وعشرون وثلاثون عامًا، لأنها تستهدف تغيير عقائد الشعوب وهوياتها، وتفتح ثغرات للأبالسة الذين يحكمون هذا الكوكب من واشنطن ونيويورك وتل أبيب، وتحفر لهم شقوقًا يتسربون منها، ليمتصوا دماءنا ويواصلوا نهب ثرواتنا، وخبراتنا، والاستيلاء على مراكز التفكير فى عقولنا.. وهذا مالم يقله الرئيس لكنه قال كلاما غير الذى أوردناه أولا، بدا للبعض أنه متناقض معه.
(2)
فى الفقرة التالية وكان الرئيس فيها يرد على منتقدى أداء السلطة التنفيذية، وبالطبع يقصد نفسه أيضا فهو على رأس هذه السلطة:
 «لو أداءنا احنا السبب فى اللى احنا فيه، احنا مستعدين نمشى، لكن إذا كان ده محصلة سنين طويلة من عدم المواجهة وسلبيات كبيرة جدًا فى الأداء!»..
وفى جملة اعتراضية أقسم الرئيس أنه لا يقصد أحدًا بعينه أو يسقط الكلام على أحد .. ومضى يكمل:
 «لكن ده الواقع، الناس كانت بتتحسب للى انتوا فيه دلوقتى، وتخوفت منه من أكثر من 30 سنة، إنها تاخد إجراءات لبناء دولة حقيقية تقف على رجلها وتبص لمستقبلها، خافوا من رد الفعل الموجود عندنا، عشان كده ماعملوش الإصلاح وفضلت الأمور تتراكم وتتراكم، ولما الناس اتحركت فى 2011 كان جزء من التوصيف مش حقيقى».
 انتهى الاقتباس من كلام الرئيس، وكما نرى فالجزء الأخير الذى أوردته يسلمنا إلى الجزء الأول الذى يتحدث الرئيس فيه عن المؤامرة التى داخلت الثورة، لقد بدأ الرئيس بالحاضر وأعقبه بالماضى، وعكست أنا فبدأت بالماضى وسرت فى التسلسل الطبيعى لأن هذا الماضى هو الذى أوصلنا للحاضر.
(3)
ومرة أخرى أسجل ملاحظة أن الرئيس أراد أن يوضح للشعب.. للمصريين.. أن ما يعانونه الآن من الآثار المؤلمة لعملية الإصلاح الاقتصادى كان سببه تأخر مواجهة المشاكل وترحيلها وعدم الإقدام على اتخاذ وتنفيذ قرارات هذا الإصلاح.. قال الرئيس هذا بتأدب شديد ودون أن يتهم أحد، أو يبدو أنه يتهم أحد وكأنه يريد أن يقول إن هذا التلكؤ وعدم المواجهة والإقدام من الذين حكموا مصر قبل ثورة 25 يناير، هو الذى قاد إلى ثورة 25 يناير، وإن التوصيفات الأخرى المغرضة التى تجاوزت تغيير النظام، كانت بهدف دفع الثائرين إلى السقوط فى فخ المؤامرة بكل ما يحمله هذا الوصف من أفكار وسلوكيات تخدم مخططات التقسيم والتشتيت والشرق الأوسط الجديد.
 و أكرر أن كثيرًا من المصريين يعرفون الآن هذه المخططات وأهدافها جيدًا.
(4)
والصدفة الغريبة التى لا أعتقد أنها لفتت نظر أحد، لأن العيون كانت على الرئيس، والصدفة التى أقصدها هى أن د. فايزة أبو النجا كانت تجلس فى صف تالٍ خلف الرئيس وهو يلقى كلمته، كانت تظهر وتختفى حسب زاوية الكاميرا حتى إننى لم أستطع أن أحدد إن كانت تجلس فى الصف الثانى أو الثالث، تختفى عندما تتسع الرؤية أو زاوية الكاميرا، وكأن المشهد ينقل معنى خفيًا وهو أن هذه المرأة التى تعرف الكثير لا تريد أو ترغب أن تظهر فى المشهد لكنها موجودة، خلف الوطن، خلف الشعب، والرئيس، وهدفها هو تثبيت الدولة التى يحفر حول جذورها الآن نفس العناصر والأفراد التى حفرت قبل 25 يناير 2011 وكانوا يظهرون أن هدفهم هو خلع مبارك، واتضح فيما بعد أن هدفهم أكبر.
 والآن يحاولون تنفيذ نفس السيناريو، لولا أن الظروف أجبرتهم على التحرك ببطء، لكنهم يحاولون تمريره للشعب بشتى الوسائل والطرق، لعقول الشباب، وهدفهم الذى يبدو رئيسيًا وملحًا الآن هو إبعاد السيسى عن السلطة، أو على الأقل الضغط عليه لدفعه إلى عدم الترشح لفترة رئاسية ثانية، وفى هذا الاتجاه الأخير سوف نرى ونسمع العجب العجاب فى القادم من الأيام، وإلى الدرجة التى سوف يختلط فيها الماء بالزيت فلا يستطيع البعض التمييز بينهما فانتبهوا يا أولى الألباب.
أضف تعليق