صادفني أكثر من مرة علي موقع "فيس بوك" فيديوهات قصيرة منتشرة، تم إعدادها وتسجيلها في أوروبا، تبدو مرتبة وغير عفوية ولكنها رائعة حقاً، وذلك بسبب أهدافها التوعوية الموجهه لفئة الأطفال الصغار.
في أحد هذه الفيديوهات تظهر طفلة صغيرة لا يتعدي عمرها الخمس سنوات وهي بصحبة أبيها بأحد المطاعم ذات الشرفات الزجاجية التي تتيح للزبائن مشاهدة ما يدور بالخارج ، وبدت الطفلة وقد رأت عيناها البريئتان رجلا عجوزاً جالساً خارج المطعم وتبدو عليه علامات الإعياء من شدة الفقر، وما أن قدم لها عامل المطعم وجبتها حتي حملت الطبق دون تردد ودون أن تنطق بكلمة واحدة لأبيها وخرجت مسرعة إلي الرجل الفقير لتقدم له الوجبة بسعادة بالغة، ليحييها بابتسامة ممتنة لردة فعلها العظيمة، وما أن عادت لوالدها حتي وجدته يقول لها بالإنجليزية " أحسنتِ - عمل رائع ".
وفي لقطة أخري مؤثرة تدمي القلوب، سجد الفنان المصري الكبير ذائع الصيت محمد رمضان الألماني أو حبيشة - علي أرض مسرح حفلته الغنائية الأسبوع الماضي بالساحل الشمالي شكراُ لله بعد النجاح الساحق الذي حققه وتفاعل جمهوره الغفير من الشباب، علي ما يقدمه لهم من أعمال ستظل خالدة في أذهانهم، لأنها تدافع عن حقهم في التحرر ورفض تلك المبادئ البالية، والتي من بينها أن قدوتهم نفسه نسي تماما وهو ساجداً علي الأرض أنه شبه عار بسبب قميصة الشفاف، وللأسف الشديد بدلاً من أن يجد تفاعلاً لايقل عن نجاح أعماله، وجد الرجل من ينتقده علي مواقع التواصل الإجتماعي، ليرد هو عليهم بتويتة قائلاً " # ثقةفي الله_نجاح دائماً " .
من وجهه نظري أن بين الصورة الأولي للطفلة الأوروبية التي قدمت وجبتها للرجل الفقير ، وبين محمد رمضان الذي قدم وجبته الفنية علي خشبة المسرح للشباب العاشق لألوانه الفنية المختلفة ، تشابهاً كبيراً من الناحية الشكلية، وعلي النقيض تماما اختلافاً من الناحية الموضوعية.
وجه التشابه فهو أن العملين تم تأديتهما فنياً عن قصد من أجل هدف ورسالة، وأما وجه الإختلاف فهو أن الفيديو القصير جدا الذي قدمته ببراعة تلك الطفلة الصغيرة واستطاعت من خلاله أن تصل برسالتها لأقرانها من الأطفال، بأن العطاء والإحساس بالآخر الضعيف لابد أن يبدأ منذ الصغر، وأن الآباء أيضاً يجب ان يدفعوا صغارهم علي الإنفاق المعنوي والمادي من أجل قيم إنسانية وأخلاقية تدعم استواء بنيتهم النفسية وتقويتها، بينما يظهر رمضان كثيراً بلا رسالة ولكن بهدف شخصي بحت، وهو يبدو لي من أجل الكسب المادي والثراء وتحقيق الأهداف الفردية فقط، بدليل أنه يغني بلا صوت يُطْرِب وهو ممثل، كانعكاس صارخ للحالة المهترئة التي وصل إليها مجتمعنا البائس في استقبال اللا فكر واللاقدوة واللاهدف.
الأب يدفع لأبنائه الثمن الباهظ لحفل محمد رمضان الذي يغني فيه أغاني المهرجانات والتي لا ترتقي من وجهه نظري لأن تكون فناً، والفنان نفسه صاحب الرسالة يبدو وكأنه مصاب بانفصام في الشخصية، فهو يعتقد أنه يقدم فناً، ورسالة لابد أن يشكر الله علي "جهبزته" الوهمية فيها، حتي وإن سجد عاريا، ثم يرد علي متقديه بهاشتاج "#ثقة في الله_نجاح دائماً "، أي نجاح يا رمضان ؟!! .