د.ناجح إبراهيم يكتب: نهاية عصر جماعات الإسلام السياسي

د.ناجح إبراهيم يكتب: نهاية عصر جماعات الإسلام السياسيد.ناجح إبراهيم يكتب: نهاية عصر جماعات الإسلام السياسي

*سلايد رئيسى3-9-2019 | 21:01

"عمليا انتهى عصر التنظيمات والجماعات الإسلامية وبدأ عصر جديد لنشر الإسلام وهو عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فروا ها بالملايين وهي التي تشكل الآن ثقافة الناس فوسائل وأشكال وآليات العمل الجماعى والتنظيمي لم تعد مجدية أو مقبولة في هذا العصر وفي المستقبل القريب سينظر إليها على أنها فكرة مثيرة للسخرية. قناة واحدة مجانية على اليوتيوب أو صفحة على فيس بوك يقوم على إدارتها ثلاثة أو أربعة أشخاص يمكنها أن تنجز من التعريف بالإسلام ونشره دعوته على مستوى العالم ما لم تنجزه جماعات الإسلام السياسي طوال مائة عام بلا كوارث ولا دمار ولا صدام يبدد ما أنجز ويعيدنا إلى نقطة الصفر. هناك فوبيا على مستوى العالم من أي شكل من أشكال التنظيمات الإسلامية مهما كانت سلمية ومستنيرة وبالأخص فى دولنا العربية. فالجماعات محاصرة ومضيق عليها إلى درجة الاختناق فتسعة أعشار جهدها الآن يضيع فى محاولات إيجاد صيغة للبقاء مجرد البقاء والدفاع عن نفسها وتجنب الصدامات ولملمة الجراج والمحافظة على كيانها فهى عمليا منشغلة بنفسها وإدارة صراع البقاء ومحاولة تجاوز الأزمات طوال الوقت وبكل طاقة أعضائها. الفارق الآن بين العمل من خلال الجماعات والعمل من خلال وسائل التواصل الحديثة كراكب ظهر البعير في طريق تملؤه السباع. والمسافر بالطائرة. قد يقال ولماذا لا تبقى الجماعات كما هى وتستخدم فى دعوتها وسائل التواصل الحديثة. وللرد أقول فضلا عما سبق أن وجود اسم الجماعة على قناة أو موقع لا يساعد على نشرها بل على ابتعاد الناس عنها. فالمزاج العام للناس في هذا العصر لا يرتاح للجماعات والتنظيمات والأفكار المعلبة والخطط الممنهجة المغلقة. خذ أمثلة من الواقع. ادخل على صفحة الجماعة الإسلامية مثلا أو الإخوان المسلمين. وانظر إلى عدد المشاهدات والزيارات ستجدها بالآحاد أو العشرات وادخل على صفحة أو قناة أي شاب أو داعية غير مصنف ستجد المشاهدات بالملايين. صفحات الجماعات تقيد الإبداع وتلخص جهد عدد كبير جدا من الأشخاص في مجرد صفحة لأن المقال أو الفيديو لا بد أن يمر على إدارة الجماعة ويتفق مع سياسة النشر فضلا عما تربى عليه أعضاء هذه الجماعات من كراهية الظهور والشهرة وتزكية النفس التي يفهمونها على غير حقيقتها ... الخ. فنصيحتي لهؤلاء لا تجعلوا الوسائل تبلغ في نفوسكم من القداسة ما بجعلها مطلوبة لذاتها فتضلوا السبيل عن الوصول إلى غايتكم.و ينقضي العمر وأنتم تطوفون حول صنم الجماعة . أخشى أن يأتي بعضكم يوم القيامة فيقال له بل عملت لأجل الجماعة إما أن تدركوا الحقائق وتلحقوا بقطار العصر،فيستعملكم الله لنصرة دينه ونشر دعوته أو تظلوا تراوحوا مكانكم. فتحصدكم يد الدهر إن لم تقتلكم يد العدو. ويستبدلكم الله بقوم يحبهم ويحبونه . فاختاروا بين أن تكونوا جزءا من الماضي أو من صانعى المستقبل. هذه كلمات صديقي الأستاذ/خلف عبدالرؤف المحامى صاحب القلم الرشيق والناقد الذى لا يهاب أحد وأنا أراه كلام صحيحاً وأضيف إليه هذه النقاط التى تمثل خلاصات حياتى: الحصاد العام لجماعات الإسلام السياسي سلبية في مجملها ليس علي الدين والوطن فحسب ولكن عليها وعلي أبنائها أيضاً,ويكفى أنه يزج بعشرات الآلاف من أبنائها إلي السجون كل عشر سنوات تقريباً ومنهم أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسون. أما حصادها السلبي علي الدين والوطن فهو لا يخفي علي أحد وخاصة حينما تقع بعض فصائلها في دوامة التكفير والتفجير والعنف الذى يعطى قبلة الحياة للاستبداد ووأد الحريات وضرب الاقتصاد والسياحة والتنفير عن الإسلام والدين وهى أعظم الجرائم. التكفير والتفجير وجهان سيئان لعملة واحدة,وإذا وجد التكفير في أى جماعة فإنها ستصل إلي العنف إن عاجلاً أو آجلاً. الأسباب السياسية للعنف صحيحة وكذلك الاقتصادية ولكنى خلصت من حياتى الطويلة أن وجود جماعات الإسلام السياسي هى السبب الأكبر للوقوع في العنف وخاصة في حالة الصراع السياسي المفتوح،فمعظم الأشخاص المنخرطين في جماعات الإسلام السياسي لو نظرت إليهم بعيداً عن جماعاتهم لوجدت فيهم الكثير من النبل والكرم والرجولة بل والرقة والرحمة,ولكنهم لا إرادياً وضعوا في إطار فكرى وتنظيمي وتراتيبي لا يخرجون منه وعنه,ومن يخرج فقد يكلفه ذلك خسارة سمعته وأسرته وتلاميذه ومحبيه. ولو أن شخصاً أو أشخاصاً تطرفوا دون جماعة أو تنظيم يربطهم ويؤزرهم علي الصدام والعنف والثأر والعنف المتبادل,فإن الفرد سينكفئ علي نفسه,وضرره علي نفسه. ولذا فإن تكوين جماعات الإسلام السياسي الغير قانونية هي المحرك الأساسى لكل الصدامات مع حولها,والتي لا تلبث أن تهدأ حتى تشتعل مرة أخري وهكذا .. وفي كل المرات ستنتصر الدولة وتزج بعشرات الآلاف إلي السجون ويخسر الفريقان وهما من دين واحد ووطن واحد،مئات القتلى والجرحى والدمار وتتعطل مسيرة الديمقراطية والحريات العامة وتستمر الطوارئ,وبذا تكون الجماعات والأوطان والإسلام أول من يصطلي بهذه النار. راجعت تاريخ حركات الإسلام السياسي منذ نشأتها في الأربعينات وحتى الآن فوجدت أنه كلما أرادت هذه الجماعات أن تجمع السلطة مع الدعوة ضاع الاثنان. للدعوة فقهها وللسلطة فقهها،وكلاهما مختلف عن الآخر,ففقه الدعوة يقوم علي الرحمة والمحبة وحسن الظن والحق وهذه العناصر لا تقيم الدول. أما فقه السلطة فيقوم عادة علي القوة والبأس وإدارة وكسب مؤسسات الدولة والتوافق معها والتناغم معها مع الهيبة وهى أفضل لديها من حب بلا هيبة . كل الحكام الصالحين الذين أنجزوا إنجازات باهرة لم يأتوا من أبواب الدعوة ولكنهم كانوا من أرباب السلطة ومن أبوابها مثل عمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي والسادات وقطز وبيبرس . جماعات الإسلام السياسي لا تصلح للحكم وليست مؤهلة له ولا قادرة علي أعبائه وإذا استلمته ضاع منها سريعاً،وصارعها عليه الكثيرون,لأنهم رجال دعوة وليسوا رجال دولة,وهم في محاولة الصعود للسلطة أو الحفاظ عليها دون جدوى يقعون في صراعات هائلة تكلفهم الكثير والكثير دون جدوى أو عائد. أعظم قربي بعد عبادة الله حقن الدماء والتواضع وخفض الجناح وهضم الذات في الله سبحانه. أعظم طاعة بعد عبادة الله نشر السلام والوئام والصلح بين الناس,ولن يكون هناك سلام وصلح علي وجه الأرض إلا إذا تنازل كل فريق عن بعض حقه. تفشل حركات الإسلام السياسي لعلتين:الفكر الصدامى الذى تقوم عليه,أنها تضع لنفسها أهدافاً لا تناسبها وأكبر من طاقة أبنائها. السرية والعنف والصدام المتواصل مع الحكام هم كلمة السر الكبرى لانهيار وضياع جماعات الإسلام السياسي,فهي في الحقيقة لم يعجبها أي حاكم منذ فاروق وحتى الآن. جماعات الإسلام السياسي تربت علي كراهية الحكام والصدام معهم بدرجاته المختلفة,وحتى الحكام الذين أحسنوا إليها مثل فاروق والسادات اصطدموا بهم،ومن الصعب علي الطرفين الحكام والجماعات قبول الآخر ولابد من حل لهذه المعضلة.
أضف تعليق