أحمد الغرباوى يكتب: وتَعَجّب (الحُمْار)..؟
أحمد الغرباوى يكتب: وتَعَجّب (الحُمْار)..؟
وقف الإنسان مُنْدَهشاً..
وراح يتأمّل الحُمْار الجائعِ.. وهو حِتّة حِتّة يأكلُ جَسد بَنى جنسه حُماراً آخر..
ويتمهّل وهو يتلذّذ.. ويَمْتصّ الدمّ السّائل.. ويبتلعُ قِطَعَ اللحم المتناثرة على جانبىّ فمّه.. وينظرُ للإنسان بجانبىّ عَيْنيه وينهقُ..
ثم يأخذ نفساً عميقاً.. ويصدرُ صوتاً.. تقريعاً منفر.. وينثرُ التُراب تعفيراً.. وإلى الخلف يتقهقرُ الإنسان.. يتداعى للوراء؛ وهو يخشى هَيْاج الحَيْوان.. يلتصقُ بجذع شجرة عارية دون ظلّ.. وسُرْعان ما يَهْدأ الحمار.. وعلى الأرْضِ؛ يروحُ يتقلّب.. وفى راحة الشّبعان يتنفّس.. ويعلو صَوْت صدره.. وفى التراب يعبثُ بِدِعَةِ وارتياح.. ويدنو ويبعدُ عَنْ الإنسان.. وكأنّه يلهو ويلعبُ.. ويتعالى نهيقه.. وقد تحوّل إلى صفير مُتَقطّع.. همسات طفل صغير نائم..
ويتأمّل الإنسان (الحُمار)؛وهو يقولُ له:
· الحمير لاتأكل اللحوم..
ولاتأكل بعضها بعضا..!
ـ ..... ....... ....... ........ .......
· ألست حماراً..؟
أم أنا (الحمار)..؟
ويزمجر (الحمار)..ضجيج وهياج..
ـ بلاش قلّة أدب يا إنسان..!
· إيه الوحشيّة دى.. إنت فصيلة نادرة؟
ـ الله يطوّلك يا رُوح مِنْ البَنى آدمين..!
يا عمّ أنا كُنْت جعان..!
· تقوم تاكُل أخوك..!
ويضحك (الحمار).. وترتدّ صدى جلجلته بكلّ أنحاء الغابة.. حتى يكاد يخيف الإنسان..
ـ يا سلام يا حِنيّن..!
طَبْ أنا كنت جعان..
إنّما إنتم عُذْرُكم إيه..؟
ويبدو على الإنسان؛ كأنه لم يفهم..
· تقصد إيه..؟
ـ ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلمحين يقول: رأيت حين أسرى بي رجالًا لهم أظفار من نحاس، يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء؟ قيل له: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم، هم أهل الغيبة..
· إنّما هذا من قبيل التحذير والردع.. ونحن لا نأكل لحوم الإنسان؟
ـ وما لفرق يا سيدى الإنسان..!
تذكر أخاك بما يكره.. وتتمنّى له الأسوأ.. وتنزعُ عنه الأفضل.. وتتحيّن الوسائل لتؤذِه وتضرّه.. و.. وأكثر..
أليس ذاكَ فِعل أكثر من أكل لحمه حيّاً..!
· ليس كلّنا هكذا نفعل..؟
ـ وأنا ليس دائماً آكل لحم أخى (الحمار) عمداً..!
وإن كان.. ما أنا (حمار) بلا عقل!
وأنت ياصاحب العقل؛ أين كنت حين تفعل..؟
أنت تفرحوتتلذّذ بعذابه.. وإن مات ربّما منكم من يسلخ لحمه بعد موته، ويعبث بسريرته إفكاً وبهتاناً وزيْفاً..
وأنا أسدّ ضرورة جوع بموته.. ولا أضرّ، ولا أؤذى حين أشبع!
· أنت فعلاً حيوان.. ومش فاهم حاجة؟
ـ يا سلام..
من العجب أنتم يا بنى آدمين.. الأفضل فيكم.. يهون عليه التحفظ ويحترز ويحاسب من أكل الحرام؛ والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغيرها..
ولكن يصعب عليكم التحفظ من حركة لسانه.. والتمتّع بمضغ الكَلِم حول إخوانه.. وكم نرى من رجل متورّع عن الفحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول..
ولا يداوم على غسل وتطهير قلبه؛ مثلما يغسل ثيابه كل يوم..!
· (حمار) حكيم حضرتك..!
ـ وليه.. لأ
أنا مش من مخلوقات الله عزّ وجلّ..؟
وكما هو ربّك.. هو ربّى!
وكلانا من خالق واحد.. هو يحيينا ويميتنا.. وكما يُقَدّر لكم يُقّدر لنا..
ولكننا نفعل بغرائزنا، وأنتم مَيّزكم بالعقل عنّا.. وأعدّ لكم من جنانه ما لا ندرى.. فآثرتم التنازل.. والتشويه لعظمة ما خلق وفضّل..
فلِمَ لا يكون من بلا عقل أفضل منّا..؟
· أيها (الحمار).. لقد تجاوزت حدودك!
كما كنت فى وحشية أكلك..؟
ـ وأنتم.. في كل (غيبة) بتمارسوا أكبر وحشيّة.. وبتموّتوا كلّ يومخلايْا قلوبكم.. وبتخرسوا نبضكم.. ويتوئدوا إحساسكم.. وبعضكم من أدمن القيل والقال.. وتسيرون بالطرقات ترمون هذا..وتقذفون آخر بما ليس فيه..
ونحن (الحمير)؛ سنقابلكم يوماً ما؛ وقلوبكم تامة الموات..وأقدامكم تحمل أجساد.. مجرّد أجساد مختلفة الشكل والهيئة.. وقتها.. ربّما تتحوّلون إلى (حمير)..و.. وأدنى!
ويِمْكن تذبحوننا وتأكلوننا..!
وكُلّ يوم؛ خِلْسَة وطمعاً وجشعاً؛ بجانب لحومكم.. تأخدوا لحمنا وتأكّلوه لبعضكم، رغم إنّه مُحرّم عليكم..
وهنا يتعصّب الإنسان.. ويجرى يبحثُ عن حجارات يقذف بها (الحمار).. ويتألم الحيوان.. ويفزع ويرتعد من زمجرة الإنسان؛ وهو يقطع غصن شجرة.. ولا يبالى بينع الربيع الفوّاح.. ولا بخُضرة الورق حَيْاة جمال.. ولا برطب ظلّ بجوار جذع الشجرة من قيظ حرّ تأوى عبداً..
ويروح (الإنسان) يجرى خلف (الحمار)، وهو يلعنه ويسبّه.. ويضربه كلّما يدنو منه:
_ امشِ.. امشى يا(حمار).. يا ابْن (الحمار)؟
وكُلّبرهة؛ يلتفتُ برقبته ناحية (الإنسان)؛ ويردّد وهو يهرولُ ويتألم:
ـ شُفْت.. بِتِعمل إيه؟
يا ترى ـ دِلوقتِي ـ مِين
مِين فين (الحُمْار)..؟
......