د. ناجح إبراهيم يكتب: أيهما أنفع وأجدى .. الثورة أم الإصلاح

د. ناجح إبراهيم يكتب: أيهما أنفع وأجدى .. الثورة أم الإصلاحد. ناجح إبراهيم يكتب: أيهما أنفع وأجدى .. الثورة أم الإصلاح

* عاجل24-9-2019 | 18:57

أكبر إشكالية تواجه الوطن العربي عامة ومصر خاصة في الوقت الراهن هي الإجابة على سؤال ملح وحاسم : هل الثورات تصلح في أمتنا العربية ؟! وهل  ثورات الربيع العربي أفادت أوطاننا أم أضرت بها ؟ وهل الثورات التي قامت في بلادنا بدء ً ثورة 23 يولية على الملكية في مصر وثورة اليساريين والاشتراكيين على الملك فيصل في العراق ؟.. وثورة القذافي على الملك سنوسي أفادت هذه البلاد أم أتت برؤساء جمهوريين أشد وأقسى.. وبعضهم أراد أن يورث ذريته مثل مبارك والقذافي وصدام وعبد الله صالح .. ليصنع كوكتيلا غريبا ً بين الملكية والجمهورية .. كما صنعوا كوكتيلا ً عجيبا ً بين الاشتراكية الشكلية وتبذير ثروات الأمم في مغامرات طائشة لم تجن منها بلادهم شيئا ً .. ولم تحقق ثوراتهم لا العدل السياسي ولا الديمقراطية ولا الحرية .. قد تكون حققت العدل الاجتماعي .. ولكنه تم على حساب الحرية والديمقراطية .       وهل نجاح الثورة الفرنسية أو الثورات البرتغالية في أوربا الشرقية تعني نجاح مثيلاتها في وطننا العربي ؟ ويليه السؤال الآتي : هل تحتاج أوطاننا العربية أكثر إلى الشاب الثائر أم إلي المصلح ؟ وهل دعوة الرسل كانت أقرب إلي ثورة الثوار أم إلي إصلاح المصلحين ؟.. وما الفرق بين الثائر والمصلح ؟ لقد كنت في بداية حياتي ثائرا ً متحمسا ً يريد أن يغمض عينه ثم يفتحها فيرى كل شيء قد تغير إلى الأفضل .. وعمر بن الخطاب قد جاء إلي دنيانا ليحكم بين الناس بالحق والعدل .. ويسير بين الناس دون أن يخاف غدرهم وخيانتهم ويحق الحق ويبطل الباطل في عجلة خطيرة تتجاوز سنن الله في كونه وخلقه ثم دار الزمان دورته وظللت سنوات أفكر وأفكر فوجدت أن سنن الله في كونه وخلقه لا تحابي أحدا ً ولا تجامل أحدا ً فمن اصطدم بها كسرت رأسه حتى لو كان مؤمنا ً صالحا ً ومن تعايش معها وسار في كوكبها وتصالح معها نجح وأفلح حتى وإن كان كافرا ً فاجرا ً .. ووجدت أن الله لا يعجل لعجلة أحد من خلقه وخاصة من الشباب " وخلق الإنسان عجولا ً " لقد قرأت مقولة عبد الله بن مسعود في شبابي " الشباب شعبة من الجنون " فكذبت عيناي وعجبت لهذا الصحابي كيف يتهم الشباب الذي هو أكثر شفافية وصدقا ً بهذه التهمة .. والرسول يقول " صدقني الشباب وكذبني الشيوخ " حتى كبر سني ونضج عقلي وازدادت خبراتي وتراكمت آثارها وعلومها وتجاربها في عقلي ونفسي.. ولما خبرت الحياة وعركتها رأيت نماذج من الشباب تمتلئ حماسة شديدة وإخلاص كبير مع تطرف أشد وعنف أكثر وتهورا ً أفظع .. ورغبات في إقصاء أو تكفير أو تفجير من يقف أمامه في الخندق المقابل . فقلت:"لقد أصاب الصحابي الجليل وأخطأت في قراءتي "..وعشت بعدها مع كلمات الراحل العظيم /عبد الحليم محمود الذي كان كلما سئل عن قولة غريبة لعالم من علماء السلف أو الصوفية لا تتسع مدارك القوم لها قال :هم أدري بما قالوا" لقد تأملت كل نتائج الثورات في عالمنا العربي منذ الخمسينات وحتى ثورات الربيع العربي فوجدت أكثرها قد زاد بلاده رهقا ً وعسفا ً وظلما ً وتخلفا ً وتأخرا ً وديكتاتورية وتقسيما ً . صحيح أن الدولة الوطنية العربية عادة ما يصيبها  آفات العسف والظلم والفساد والبغي والرشوة والديكتاتورية.. ولكن الجماعات والميليشيات المسلحة التي حلت محل الدول في ليبيا والعراق واليمن وسوريا وغيرها أشد بغيا ً وأقل عقلا ً وأكثر تعطشا ً للدماء وأقل حكمة وحلما ً وأكثر ديكتاتورية .. وليس لها في ظلمها وعسفها ضابط ولا رابط. نعم .. كان في الدولة الوطنية العربية فساد ورشوة ومحسوبية وظلم .. ولكنه معروف ومحدد وموجه .. ولكن ظلم الميليشيات والجماعات المسلحة لا ضابط له ولا رابط .. ولا جهة ولا حدود .. ولا راد له أو صاد .. ولا سبب ولا علة ومعظم الدول التي قامت فيها ثورات قسم أهلها نفسيا ً أو فكريا ً أو مذهبيا ً  أو عرقيا ً أو دينيا ً أكثر من ذي قبل.. وقسمت بلادهم جغرافيا ً فثورة يوليو شطرت مصر شطرين هما مصر والسودان .. وثورة البشير قسمت السودان إلي شمالي وجنوبي .. مرورا ً بثورات الربيع العربي التي قسمت ليبيا إلي دويلات وأقاليم والله أعلم متى تعود لوحدتها. فهل اليمن أصبح سعيدا ً بعد ثورته أم تدهور كل شيء فيه؟! .. وأصبح اليمني لا يأمن الخروج من بيته .. وغابت الدولة تماما ً .. فلا رئيس ولا حكومة ولا جيش ولا شرطة ولا تعليم ولا صحة .. والميليشيات وأسلحتها ومظالمها وتفجيراتها تطال كل شيء ودون ضابط ولا رابط .. والرئيس ووزير الدفاع ومدير المخابرات يمكن أن يسجن في مكتبه أو يحاصر أو يضطر من الميليشيات على التوقيع على بياض لما تريده هذه الميليشيات. لقد أصبح اليمن هباء ً منثورا ً فلا حكومة ولا جيش ولا شرطة ولا تعليم ولا صحة بل ميليشيات وتفجيرات ومال سياسي محرم إقليمي ودولي يوزع عليها من هنا وهناك.. وتبعية من ميليشياتها لقوة خارجية وإقليمية تعبث بها وتضع لها أجنداتها وسيقسم اليمن إلي ثلاثة أقسام شاء أهله أم أبى . وهل خففت الثورة السورية من ظلم بشار أم زادته ظلما ً وعسفا ً وبغيا ً..وأضيف إليه بغي وظلم وتكفير وذبح الجماعات والميليشيات المتعاكسة المضادة كان بشار يظلم العشرات فظلم الآلاف بعد الثورة .. كان يقتل العشرات فقتل عشرات الآلاف .. كان يطرد العشرات من سوريا فطرد ثلاثة ملايين سوري من سوريا فأصبح بعضهم الآن يتكففون الناس ويتسولون عند أبواب المسجد بعد أن كان الشعب السوري من أرقى الشعوب وأغناها.  وبنفس المنطق نسأل: هل ليبيا بعد ثورة القذافي ورفاقه على الملك إدريس السنوسي الرجل الصالح الصوفي الزاهد أفضل منها قبلها أم ماذا؟ وهل الملازم القذافي صاحب الـ27 عاما ً الذي يعاني من كل آفات الظلم والبغي وربع الأمراض النفسية أفضل من الملك السنوسي الذي كان ينحدر من أسرة صالحة طيبة متدينة لم تعرف البغي ولا العسف ولها تاريخ جهادي عظيم كشأن الصوفية المعتدلة في بلاد أفريقيا والمغرب العربي؟! ترى لو ظلت ليبيا ملكية ولم يطأ عرشها ملازم شاب مجنون أخرق مخبول مثل القذافي التي حكمها 40 عاما ً كاملة بلا انقطاع وكان يريد توريث ابنه ليصنع مثل غيره خلطة عجيبة مجنونة من الجمهورية والملكية تترك مميزاتهما وتأخذ سلبياتهما.. أما كانت ليبيا اليوم أغنى وآمن وأعز الدول الملكية في المنطقة العربية ؟! ثم دار الزمان دورته .. فثار الناس على القذافي وتحطم جيشه الشعبي ودمرت ليبيا كلها وعاثت فيها الميليشيات فسادا ً في الأرض. فهل ليبيا الآن بعد ثورتها على القذافي صارت أفضل وأحسن.. أم أن كل شيء ضاع فيها وأصبحت الآن تئن تحت حكم الميليشيات ولا يستطيع الليبي أن يغادر بيته إلا بمغامرة أشبه بركوب البحر. لقد كان القذافي ظالما ً ولكن الظلم الآن أوسع وأشمل ولا حدود له ولا ضابط ولا تعرف له أولا ً من آخر . وهل العراق بعد ثورة اليساريين على الملك فيصل الأول أفضل أم لا ؟! لقد قامت الثورة ضد الملك فيصل الأول وقام الثوار باقتحام القصر وقتل الملك وكل أسرته بما فيهم النساء والأطفال..وقام الثوار اليساريون والاشتراكيون بسحل رئيس الوزراء ثم تبادل الثوار النشامى كراسي الحكم وانقلب بعضهم على بعض ليصل صدام إلي الحكم ويدخل العراق في دوامة حروب لا تنتهي..فيحارب إيران دون مبرر 8 سنوات.. ويغزو الكويت التي ساندته سنوات غادرا ً بها..ويقصف الأكراد من شعبه بالأسلحة الكيماوية..وفي النهاية يبقى في الحكم كغيره من الرؤساء أعواما ً طويلة أكثر من بقاء الملوك في الحكم .. ثم يريد توريث الحكم إلي ولده ؟.. فلماذا كانت الثورة على الملكية إذا ً؟! ولو تصورنا الآن بقاء الملك فيصل الأول حتى اليوم ملكا ً للعراق؟.. هل كانت العراق ستصل إلي ما وصلت إليه الآن ؟!. ولك أن تقارن العراق ذات الموارد الهائلة التي أضاعها حكامها بغيرها من الملكيات حولها التي لا تملك عشر مواردها مثل الأردن والمغرب والسعودية والكويت.. لعلمت مدى الكارثة التي حاطت بالعراق. ثم دارت الأيام وخلع الشيعة مع المحتل الأمريكي صدام وحزبه فأوصلوا العراق إلي حال أسوأ بكثير من عهد صدام .. لقد هلل الناس وفرحوا بإزاحة الطاغية صدام ليأتي مائة طاغية وطاغية في كل شارع وحي يذبح ويقتل ويفجر المساجد من ميليشيات شيعية وتكفيرية مثل "القاعدة وداعش والمهدي وبدر وعصائب أهل الحق" .. فلا خير في هؤلاء ولا هؤلاء.. فكلهم يسفك الدماء وكأنه يشرب القهوة. وحتى ثورة 23 يولية التي جاءت أساسا ً لمعالجة الفقر والعوز وتحرير فلسطين وعدم تكرار هزيمة 1948م .. لم تحقق سوى هدفين العدالة الاجتماعية والتحرر الوطني المؤقت.. فقد قصم ظهرها وأهدافها وقوع  هزيمة هي أنكى وأفدح من محنة 1948 ألا وهي نكسة 5 يونيه 1967 .. وإذا بالجيش المصري الذي أبلى بلاء ً حسنا ً شهورا ً طويلة في حرب 1948 ينهار في أيام قليلة في 5 يونيه 1967.. وإذا بالقدس والمسجد الأقصى تحتل لأول مرة منذ أيام صلاح الدين .. وإذا بالاقتصاد المصري ينهار ويتوقف بناء الدولة 8 سنوات حتى يتحقق النصر العسكري وتزول غمة الهزيمة في نصر أكتوبر 1973 م. لقد أعطت ثورة يوليه الشعب العدالة الاجتماعية ولكنها نزعت منه الحرية والديمقراطية والاقتصاد الحر .. فلو أن الملكية الدستورية بقيت في مصر منذ 1952 حتى الآن لكانت مصر أغنى الدول  وأعظمها ديمقراطية وتداولا ً للسلطة.. فما حققته يوليه من مكاسب وهي كثيرة أقل بكثير مما جلب على مصر من مفاسد وهي تفوق الحصر. والآن على العرب أن يتوقفوا ليسألوا أنفسهم بصراحة وصدق وتجرد : هل طريق الثورات أعظم .. أم طريق الإصلاح؟ وهل التغيير الشامل والهدم الكامل للأنظمة مهما كانت سلبياتها يحقق الصلاح والخير ويحفظ البلاد والعباد ويحقن الدماء ويحافظ على مؤسسات الدولة ويطورها إلي الأحسن في بلادنا العربية.. أم أنه يؤدي عادة إلي الفوضى العارمة وتقسيم البلاد والفراغ السياسي والاقتصادي والأمني ؟ وهل ما نجح في فرنسا وأوربا الشرقية بالضرورة سينجح في بلادنا ؟ وهل كل طبخة تعطي لكل البطون الأذواق ؟ وهل كل دواء يوصف لكل المرضى وجميع العلل؟ وهل الثورات أفضل أم الإصلاح ؟ وهل قلب كل شيء وتدمير كل شيء ثم إعادة بنائه بالثورات أفضل أم التغيير بالإصلاح الهادئ المتدرج ؟ وهل الثائر أكثر فائدة في بلادنا أم المصلح ؟ وهل بلادنا العربية بالذات تنضج وتعقل وتنضبط ويقل ظلمها وبغيها وسرقاتها وفسادها وتوريثها للوظائف بعد الثورات .. أم يحدث ذلك أفضل  وأيسر وأقل تكلفة ودماء بمجهود المصلحين جيلا ً وراء جيل؟! هذه أسئلة لا أزعم امتلاك الأجوبة عليها .. ولكني أدعو الجميع لتفعيل فقه " المصالح والمفاسد"..وفقه "المآلات والنتائج"على كل الثورات الماضية وهما يمثلان في السياسة والتجارة " فقه الجدوى " وفي العسكرية " فقه تقدير الموقف " قبل وبعد الثورات .. لنصل إلي ما يناسب بلادنا وأمتنا ويتلاءم مع ظروفنا وأحوالنا؟

    أضف تعليق

    طحن العظام وتدمير الأوطان

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة